أعلن مؤخرا في السجون المغربية عن تأسيس فصيل "الأحرار في المعتقلات المغربية"، مع صدور بلاغ عن الفصيل، مؤرخ في 7 نونبر الجاري (حصلنا على نسخة منه)، لا يختلف خطابه مع الخطاب المميز للتيار "السلفي الجهادي" في نسخته المغربية. (هناك خلاف فقهي حاد داخل وخارج السجون المغربية، حول أحقية حديث عن "خصوصية مغربية" في معرض الحديث عن تيار "السلفية الجهادية"، على غرار السائد لدى تيار "السلفية العلمية"، وبرأي الباحث محمد ضريف، أحد أبرز المتتبعين لمسار السلفية في مجالنا التداولي المغربي، فهناك "قواسم مشتركة تجمع السلفيين المغاربة بنظرائهم في الدول العربية والإسلامية، لكن هذا لا ينفي خصوصياتهم انطلاقا من طبيعة الثقافة الدينية السائدة في المجتمع، من جهة، ونوعية السياسة الدينية المنتهجة من قبل السلطة الحاكمة، من جهة أخرى". محمد ضريف، السلفيون والعنف، المساء، 31 أكتوبر 2012). المعطيات المتوفرة حاليا، تشير إلى أن تأسيس فصيل الأحرار يترجم صرخة حقوقية من مبادرات المسؤولين (سواء تعلق الأمر بمبادرات محسوبة على صناع القرار، أو مبادرات حزبية أو جمعوية)، ولا تنقص الأمثلة المعنية في هذا الصدد، قد تكون آخرها (قبيل تأسيس الفصيل الجديد)، مبادرة قامت بها الناشطة الحقوقية خديجة الرويسي (وهي أيضا نائبة برلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة)، إلى جانب نائبة ثانية من نفس الحزب (نبيلة بن عمر)، من خلال لقاء شهير جمعهما بالسجن المحلي بسلا، مع حسن الخطاب وعبد القادر بلعيرج، وخَلُص اللقاء بصدور بيان يعبر عن إطلاق مشروع مصالحة (بمبادرة من عبد القادر بلعيرج)، يهم التأسيس لتسوية ملف المعتقلين الإسلاميين في المغرب (مع استثناء المتورطين في جرائم الدم). انتهى اللقاء كما بدأ، عبر تصدير "إعلان نوايا"، وتمرير الرويسي لمجموعة من الوعود في حال انخراط بعض ممثلي المعتقلين الإسلاميين في تفعيل تعاون بين النائبة البرلمانية والجمعية الأبرز التي تمثل أغلب المعتقلين، أي اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين (يتعلق الأمر بالجمعية التي سحبتالبساط الميداني عن "جمعية النصير" في السابق و"منتدى الكرامة" في اللاحق). سبقت مبادرة الرويسي لائحة من المبادرات، سواء عن حزب العدالة والتنمية (عبر بوابة منتدى الكرامة أو وزارة العلاقة مع البرلمان ومنظمات المجتمع المدني) أو حزب النهضة والفضيلة، وغيرها من المبادرات، وحتى حدود لقاء الثنائي الرويسي بن عمر مع الثنائي بلعيرج الخطاب، سوف نعاين تباينافي تفاعل المعتقلين الإسلاميين مع مُجمل هذه المبادرات، ويمكن إجمال معالم هذا التفاعل في مبادرات ثلاث: 1 إعلان عبد القادر بلعيرج عن تأسيس جبهة وطنية للدفاع عن حقوق المعتقلين (لا ننس أن بلعيرج، المعتقل في القضية التي اشتهرت إعلاميا ب"خلية بلعيرج"، أو "خلية الاختيار الإسلامي"، كما يصفها في وثائق حررها داخل السجن، كان مقيما في بلجيكا طيلة عقود، ولا شك أنه يستلهم أفكارا حقوقية متقدمة مقارنة مع باقي المعتقلين الإسلاميين الذين لم يسبق لهم الهجرة إلى الخارج). 2 إعلان مجموعة من الفعاليات السياسية والمدنية عن إطلاق مشروع "الهيئة الوطنية للمراجعة والإدماج"، من أجل وضع مقاربة جديدة للملف السلفي، وحسب الورقة المؤطرة لهذه المبادرة، نقرأ "ضرورة مراجعة قانون مكافحة الإرهاب"، ودعوة "الدولة للقيام بمراجعات أمنية ردا على المراجعات التي قام بها العديد من رموز التيار السلفي"، وجاءت أولى المحطات الحوارية التي قامت بها المبادرة من خلال عقد لقاءات غير رسمية مع اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، باعتبار أن هذه الأخيرة، صاحبة التفويض الأكبر والموقع عليه من طرف أغلب المعتقلين الإسلاميين في السجون المغربية. وحسب مصطفى كرين، الفاعل الحقوقي الذي يقود المبادرة، فإن وثيقةالمراجعة والإدماج"، مبادرة "مدنية تهدف إلى تجاوز حالة الاحتقان الذي وصل إليه بشكل واضح ملف المعتقلين الإسلاميين، حيث نشهد حالة من التخبط والغموض وتعدد المتدخلين في غياب تصور واضح لمعالم الحل"، مضيفا في حوار مع موقع "إسلام مغربي" مؤرخ في 27 أكتوبر الماضي، أن المبادرة قائمة على "المراجعة وتعني القيام بعملية قراءة علمية وقانونية وإنسانيةفي سلسلة المراجعات الفكرية والعقدية التي أعلن ومازال يعلن عنها المعتقلون الإسلاميون من جهة ومدى تلاءم هذه المراجعات مع مقومات وثوابت الدولة وقيم الديمقراطية والتعدد، ومن جهة أخرى مراجعة شاملة للمقاربة التي تم انتهاجها من طرف الدولة في هذا الملف وتشخيص مكامن الخلل في هذه المقاربة التي لا يمكن أن ننكر أنها أثبتت عقمها بل وخطورتها، وما ظهور تيار مثل أنصار الشريعةعلى الساحة مؤخرا إلا دليل واضح على هذه الخطورة". 3 وجاء التفاعل الثالث والأخير (على الأقل، حتى حدود تحرير هذه الكلمات، في منتصف نونبر 2012)، من خلال الإعلان عن تأسيس فصيل "الأحرار في المعتقلات المغربية"، في اتجاه قولي وعملي معاكس لما صدر عن بلعيرج وكرين، بالصيغة التي تعبر عنها الفقرات التالية من البلاغ سالف الذكر: "لازالت العقلية الأمنية تحكم قبضتها على المشهد المغربي".. "عندما اعتلى أصحاب اللحى المشذبة كراسي "الكومبارسات" بعد أن أوغلوا في خداع الجموع اليائسة بخطاباتهم المحملة على صهوات الشعارات الكاذبة والخادعة والزائفة والمضللة"؛ "نقول لوزير مايسمى"بالعدل والحريات " رئيس النيابة العامة وفي إطار أيامه التشاورية من أجل إصلاح منظومة عدالته المختلة، فهل يا حضرة الوزير نيابتك تنوب عن المستضعفين أم وكيلة للظالمين، وهل هاته العدالة التي شققت رؤوسنا بالصراخ من أجل التبشير بها والدعاية لها صيغت لكائنات في الفضاء ولا علاقة لها بأهل الأرض أم أنها تميز بين أهل الأرض وتخص أقواما دون آخرين"؛ "ونقول أيضا للمجلس الوطني لحقوق مايسمونه بالإنسان وخاصة لأمينه العام: هل نضب وقود النضال وهل أفلت العنان من السائس وهل خان الربان الكابح أم أن صراخ الأمس كان فقط للتمهيد للكرسي الوثير والمكتب الفاره المكيف"؛ في ثنايا البيان الناري الصادر عن سلفية "الأحرار في المعتقلات المغربية"، نقرأ تنديدا صريحا بمضمون بلاغ وزارة الداخلية الذي أعلن فيه رسميا عن تفكيك خلية "أنصار الشريعة"، وجاء فيه بالحرف: "يقولون بأن ضمن الخلية معتقل في حالة العود، والفطن اللبيب العاقل الأريب ماعادت تنطلي عليه مرامي هذه الأكاذيب والتي يريدون من خلالها بعث رسائل مفادها أن الإفراج عن باقي المعتقلين يشكل خطرا على أمن البلد واستقراره". المفارقة في هذا الملف المُركب، أن تأسيس أحدث الفصائل السلفية في السجون المغربية، يتزامن مع صدور قصاصات إخبارية عن قرب الإفراج عن مجموعة كبيرة من المعتقلين الإسلاميين، بإقرار مسؤولين في "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"، في انتظار صدور "الخبر اليقين" عن صناع القرار؛ ولو صحت ثنايا هذه القصاصات، فإنها تسحب البساط عن الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين حشر معتقل في حالة العود ضمن أعضاء خلية "أنصار الشريعة"، بما يُمهد في الواقع لمراجعة أتباع هذا الفصيل السلفي الجديد، مواقفهم النقدية الحادة التي جاءت في أولى بلاغ "رسمي" صادر عن المجموعة الموزع أعضاؤها على العديد من السجون المغربية. هذا جزء من الحكاية الصغرى في ملف المعتقلين الإسلاميين (السلفيين على الخصوص)، أما الجزء الأكبر، في حالة صحة القصاصات الإخبارية إياها عن قرب الإفراج عن مجموعة كبيرة من المعتقلين، فعنوانه الأكبر لا يخرج عن تزكية جديدة لأحقية الحديث عن "خصوصية مغربية" في التعامل مع الملف السلفي، في شقيها العلمي و"الجهادي"، وهي "خصوصية" يُقر بها أتباع التيار السلفي المغربي أنفسهم، دون التصريح بها بشكل واضح، لولا أن ثنايا الأسطر والبيانات والمقالات تؤكد ذلك، نقول هذا ونحن نأخذ بعين الاعتبار مضامين أحد الإصدارات السلفية المغربية في هذا الصدد، والحديث عن كتاب "السلفيون والمشاركة السياسية" للأستاذ المصطفى لقصير. (أكتوبر 2012). *مدير موقع "إسلام مغربي"