التأم جمع نخبة من الباحثين والمؤرخين والأكاديميين لحضور لقاء تعريفي بمُؤلَّف تاريخي ضخم جاء ثمرة سنوات من العمل والمتابعة يحاول المساهمة في كتابة تاريخ المغرب بطريقة جديدة اعتمدت مقاربة تداخلية بين عدد من المؤرخين وثلة من الباحثين المنتمين لحقول متنوعة تجمع بين الجغرافية والاقتصاد والأنتروبولوجية والعلوم السياسية واللسانيات والسوسيولوجيا، بالإضافة إلى الهندسة المعمارية وتاريخ الفن. وقدم المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، في الندوة التي نُظمت صباح يوم السبت في مركز الندوات بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، مؤلف "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب" الذي يتناول مجمل تاريخ البلاد إلى حدود وفاة الملك الراحل الحسن الثاني. ويقع هذا المؤلف في مجلد من الحجم المتوسط، محتويا على 820 صفحة من مقاس 27 x1 تتخللها سبع وثلاثون خريطة ومائة وستة وستون رسما توضيحيا مطابقا لفحوى الموضوع المقابل. تاريخ المؤرخين واستهل أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والوصي إداريا على المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، مداخلته بالتذكير بحيثيات تأسيس المعهد يذكرها لأول مرة حيث كان وليد شعوره الخاص الذي كوّنه لدى بعض لقاءاته المباشرة أو غير المباشرة مع الملك، ومن ذلك طلب أحد رؤساء الدول الذي طلب من الملك مساعدة بعض الباحثين المغاربة على كتابة تاريخ بلاده، فكان جواب الملك له ذا دلالات عميقة: "هل تقصد التاريخ كما يريده السياسيون أم كما يراه المؤرخون". وتابع التوفيق بأن كتاب "تاريخ المغرب، تحيين وتركيب" يعد كتابا مرجعيا جاء بمقاربة تركيبية وبناء مهني رائق، معتمدا على مشاركة واسعة ووازنة من حيث العدد والقيمة، ليكون من كتب التاريخ الذي يُكتب باستمرار نظرا لتجدد أسئلة الحاضر، وطفْوه بمشاكل تاريخية في الزمن الراهن. وقدم الوزير عدة اقتراحات للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب من أجل إنجاز مؤلفات جديدة تتجه نحو الجمهور الواسع والجمهور المُمدرس من معلمين وأساتذة ومفتشين، وجمهور المغاربة الناطقين بالأمازيغية، وغيرها من فئات الجمهور المختلفة، باعتبار حاجة المجتمع والأمة إلى التاريخ لكونها تظل مهددة ما لم تعرف جذور شعورها بالانتماء. نقط الظل وتناول الكلمة الدكتور محمد القبلي، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب والمشرف على كتاب "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب"، حيث سجل في البدء بأن المعهد يحتاج لتطبيق اقتراحات الوزير إلى وسائل مادية بالأساس، مردفا بأن المعهد يفتقد لكل شيء إلا الدعم الشخصي للوزير ذاته"، وفق تعبير القبلي. وأبرز المتحدث بأن المعهد اعتصم بكثير من الصمت الإرادي الهادف الذي تم تأويله بشكل سيء على أنه تباطؤ أو تقصير، غير أن الأمر يضيف القبلي كان يتعلق بمؤسسة اختارت التريث قبل المسارعة إلى الإنتاج، الذي بدأ بهذا المؤلف الكبير الذي يطمح أن يكون تأريخا شاملا محينا يسمح للمغاربة بمعرفة تاريخ بلادهم. ولفت القبلي إلى كون المؤلف الجديد يعد في الواقع مؤلفين اثنين أحدهما باللغة العربية والآخر بالفرنسية، والذي لعب دورا محوريا نادرا ما يحدث عند إنجاز المشاريع الأكاديمية، حيث لعب دور النبع المعطاء الذي سنح بتسليط الأضواء على مشاريع جديدة تفرعت من المشروع الأم. واستطرد القبلي بأن مؤلف "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب"، بفضل تلاقح الباحثين من مختلف التخصصات والعلوم الإنسانية، استطاع الكشف عن عدد من نقط الظل في تاريخ البلاد، ضمن منظور يقوم على التساؤل وتجديد الرؤية عبر مشروع يود أن يفضي إلى إعادة متفتحة لقراءة تاريخ المغرب". الوزير يرد وبعد مداخلة القبلي عاد وزير الأوقاف ليرد على مطالبته بدعم المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، حيث أكد بأن كل مشروع سيقدمه المعهد ستُحدد له وسائل مادية من ميزانية الدولة أو ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مضيفا بأنه على المعهد أن يطمئن إلى هذا الأمر، وبأن لا شيء سينقصه في إنجاز مشاريعه العلمية. وأشار التوفيق إلى أنه خلال يوم الخميس المنصرم تمت المصادقة في مجلس الحكومة على مرسوم يسمح للمعهد بخدمة بيع منتجاته، باعتبار أنه في السابق لم يكن الأمر مسموحا به لكون المشاريع التي تقام بالمال العام لا يجب أن تُسوَّق أو تباع إلا بمقتضى قانوني من وزارة المالية أو الوزارة الوصية. وفي الجلسة الثانية من الندوة ذاتها تحدث عدد من أعضاء الهيئة التحريرية للكتاب المذكور بخصوص سياقات تأليفه، والطرق المتبعة والأهداف والغايات المتوخاة من نشره وإخراجه للجمهور، مبرزين أنه كتاب توخى طابع العلمية من خلال وثائق ومصادر وأبحاث تركيبة، فضلا عن رصيد وازن من الجداول والملاحق ومختلف المواد الأخرى. ولفت المتدخلون إلى كون المؤلف عرف استعمال منهجية وطرائق جديدة في الاشتغال أفضت إلى اتباع مسالك غير مطروقة في البحث للكشف عن "مناطق الظل" في تاريخ البلاد، مستعرضين كل الحقب التاريخية التي مر منها المغرب، بدء من عصر ما قبل التاريخ وانتهاء بالعصر الحالي الذي وصفه لحسن حافظي علوي، عضو هيئة تحرير الكتاب، بأنه مجرد تمرين مؤقت ريهن بالمفاجآت المستجدة بسبب التطور السريع والمتلاحق للأحداث. عثرات وشخصيات اللقاء التعريفي بالمؤلف الضخم "تاريخ المغرب تحيين وتركيب" شهد "سقطات" حدثت لبعض الشخصيات الحاضرة للندوة، ومن ذلك سقوط الرمز السياسي اليساري البارز محمد بن سعيد آيت ايدر على ركبتيه متعثرا عندما كان يهم بولوج باب مركز الاستقبال والندوات بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، وأيضا سقوط هاتف وزير الأوقاف بشكل أثار انتباه الحاضرين في الجلسة الثانية للندوة ذاتها، الشيء الذي أحرج الوزير. وحضرت الندوة شخصيات عديدة من عالم السياسة والتاريخ والأدب والإعلام؛ من قبيل حسن أوريد الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، والقيادي في حزب الاستقلال عبد الكريم غلاب الذي كان في أغلب الأوقات وحيدا و"منعزلا"، كما حضر للندوة محمد علال سي ناصر مستشار الملك الراحل الحسن الثاني، والقيادي اليساري آيت إيدر بنسعيد، والمدير الأسبق للإذاعة المغربية محمد بن ددوش، وآخرون..