الخامس عشر من نونبر من كل سنة. محطة يقف عندها الصحفيون والإعلاميون المغاربة على حصيلة المنجزات والمكتسبات في قطاع الإعلام الوطني، قصد التفكير والتواصل والتشاور بين المهنيين بشكل يستطيعون معه تحقيق التنمية المرجوة والإقلاع المأمول لهذا القطاع.. في ظل تنزيل مقتضيات الدستور المغربي لعام 2011 والذي ينص على اعتبار حرية الصحافة والوصول إلى المعلومة أساس في البناء الديمقراطي، في ظل التراكم الذي يشهده المشهد الإعلامي الوطني٬ الذي يزخر بأكثر من 400 جريدة ومجلة وعشرات المحطات الإذاعية الخاصة والعامة وعدد من القنوات التلفزية. مكتسبات..الحق في المعلومة والصحافة المستقلة اعتبر الخبير في قضايا الإعلام والاتصال يحيى اليحياوي، أن الإعلام الوطني المغربي استطاع تحقيق العديد من المكتسبات الكبرى خلال العقد الأخير، تتجلى أولاها في هامش الحريات الذي توسع بشكل كبير قياسا بمرحلة السبعينات وبداية الثمانينات. مُسجِّلا انفتاحا في الحقل الإعلامي المغربي على المشهد السياسي والقضايا الاجتماعية والثقافية. وأضاف الباحث أن هذا المكتسب كان نتيجة تراكمات حققها الصحفيون والمثقفون وناضلوا من أجلها، إلى جانب العولمة والثورة التكنولوجية وانتشار شبكة الانترنت والمواقع الاجتماعية واليوتيوب.. من أهم المكتسبات أيضا "انتهاء الصحافة الحزبية بانتهاء الأحزاب السياسية" يقول المتحدث الذي يعتبر أن السنوات العشر الأخيرة تؤرخ لموت الأحزاب اليسارية واليمينية فاسحة المجال أمام أحزاب لا تعدو كونها "كراكيز"، لتَظهَر مكانَها ما يمكن تسميته بالصحافة المستقلة، معتبرا إياها مستقلة عن الأحزاب وليس عن جهات ولوبيات ومصالح أخرى، مضيفا أن ضمان الحق في المعلومة التي أتى بها الدستور الجديد مكتسب أساسي أيضا. وأوضح اليحياوي بأن الجسم الصحفي لن يكون سليما إلا إذا توافرت المعلومة العمومية من داخل الوزارات والسفارات والقنصليات والإدارات العمومية وغيرها..ما يجعلها موثقة ومنظمة، ويقطع الطريق أمام الترويج للمعلومة الخاطئة وللإشاعة، مؤكدا على ضرورة ترجمة هذا المكسب على أرض الواقع .. سَجن رشيد نيني ومتابعته جنائيا.. انتكاسة كبرى من جهة أخرى عدَّد اليحياوي الانتكاسات التي مُني بها الإعلام الوطني مؤخرا، والمتمثلة في سَجن الصحفي رشيد نيني ومتابعته بالقانون الجنائي، إضافة إلى التضييق على بعض الصحف، فضلا عن انتفاخ "الرقابة الذاتية" لدى الصحفي والإعلامي الذي يعمَدُ إلى "الاحتياط من الخطوط الحمراء" كعدم المس بالملك أو التطرق لبعض حميميات الناس وخصوصياتهم بدل الرقابة الفوقية الممارسة من طرف المخابرات أو الداخلية.. وختم اليحياوي حديثه لهسبريس بالقول أن التلفزيون المغربي يعيش في ورطة، معتبرا أن "تلفزيون القطب العمومي المُتجَمِّد" لا زال متجمدا بأخباره وثقافته وبفنه وبمهرجاناته..منتقدا تلكُّؤ "الهاكا" في الترخيص للقنوات الخاصة لاعتبارات سياسية، معربا عن خشيته من الارتداد على المكتسبات في مغرب يسهل فيه الرجوع إلى الوراء بجرَّة قلم... دفاتر التحملات.. سِمَة بارزة في المشهد الإعلامي الوطني أكد محمد الوافي الكاتب العام لنقابة مستخدمي القناة الثانية "دوزيم"، بأن السنة المنصرمة تميزت بحصيلة ملتبسة في مجال الإعلام، كانت سماتها البارزة النقاش الوطني الواسع الذي ارتبط بدفاتر تحملات الشركات الوطنية للقطاع السمعي البصري والتي عرفت لأول مرة انخراطا واسعا لمختلف المهتمين والصحافيين والسياسيين، إضافة للمهنيين وممثليهم النقابيين. حيث تناول النقاش شكل الدفاتر وطريقة إعدادها إضافة إلى مضامينها وتأثيراتها على نموذج التلفزيون الذي يريده المغاربة لمجتمعهم. وقال الوافي في تصريح لهسبريس "سجلنا في النقابة بالقناة الثانية إيجابية المَسلَكية المتبعة في إعداد دفاتر التحملات، وأهمية طرحها للنقاش العمومي لأول مرة بعد ثلاث أجيال منها. وسجلنا أيضا باعتزاز ما عبر عنه مختلف المُتدخِّلون من تشبث بالقناة الثانية ومكانتها، وما أثاره من انتظارات أساسية فيما يخص أداءها". وأضاف المتحدث لهسبريس أن هذه السنة عرفت بداية فتح ورش إصلاح وتعديل وتصحيح قانون الصحافة والقوانين المرتبطة به، بعدما أظهرت مبادرة الوزارة الوصية انفتاحا حول مطلب تعديل وتجميع مختلف القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر في مدونة واحدة. اعتداءات وخُروقات وإقصاء.. مقاربة مرفوضة محمد الوافي عبر عن عدم استساغته للمقاربة المُتَّبعة، والتي جعلت من النقابات الأكثر تمثيلية في القطاع السمعي البصري والإعلام العمومي بشكل عام رقما خارج هذه المعادلة. مضيفا بأن الأشهر الإثنى عشر الأخيرة عرفت خروقات واعتداءات على حرية التعبير والنشر، أهمها ما طال الزميل عمر بروكسي من معاملة سيئة وصلت إلى حد حرمانه من التزكية. دفاتر التحملات تسببت في إقالة رئيس "الهاكا" من جهته اعتبر محمد اعميرة نائب الكاتب العام لنقابة مستخدمي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، أن الساحة الإعلامية المغربية لم تشهد جديدا يذكر عدى النقاش الذي دار حول دفاتر التحملات وما صاحب ذلك من ردود فعل متباينة. تسبَّبت في إقالة رئيس الهيأة العليا للسمعي البصري أحمد غزالي ونوفل الرغاي المدير العام للإتصال السمعي البصري و تعويضهما بأمينة لمريني الوهابي وجمال الدين الناجي. وأضاف اعميرة ضمن حديثه مع هسبريس، أن وكالة المغرب العربي للأنباء شهدت اعتماد ميثاق للأخلاقيات شارك في إعداده لجنة من المهنيين والخبراء في الإعلام وهو الميثاق الذي تم الإعلان عنه في نشاط رسمي بحضور وزير الاتصال وأعضاء اللجنة والمهنيين بمقر الوكالة. فضلا على أن قطاع الإعلام يشهد الآن نقاشا بخصوص المجلس الوطني للصحافة تركيبته وقوانينه مستطردا بأن ما يعاب على هذه المبادرات هو تغييب جزء كبير من التنظيمات العاملة في المجال والتركيز على تنظيم واحد دون البقية.. عمر بروكسي، حورية بوطيب.. والبقية تأتي من جهة أخرى سجل محمد اعميرة خلال حديثه لهسبريس حدوث تجاوزات في حق الإعلاميين متمثلة في محاولات التضييق على الحريات النقابية بعد أن تم طرد صحفيين نتيجة تأسيسهم مكتبا نقابيا وطرد صحفيين من مقر عملهم على غرار الزملاء بجريدة البيان. وعلى مستوى الإعلام العمومي، "فكلنا يتذكر ما تعرضت له زميلة لنا بقسم الأخبار نتيجة إدلائها برأيها بخصوص الوضع الإحتماعي والمهني بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة و التي كانت معرضة للطرد لولا تدخل بعض الغيورين من المهنيين والمهتمين بالقطاع كما أن نفس الزميلة لازالت تعاني من التهميش والحصار حيث تم حرمانها من دورها كمقدمة للأخبار باللغة الإسبانية" يقول اعميرة. إضافة إلى سحب بطاقة الاعتماد من الزميل بروكسي. مشيرا إلى الاستعمال المفرط للقوة من قبل رجال الأمن في حق الصحفيين أثناء قيامهم بمهمتهم المهنية... سنة صعبة على المشهد الإعلامي الوطني قال عبد العزيز بنعبو عن الجمعية المغربية لحقوق المشاهد إن السنة الحالية مرت صعبة على المشهد الإعلامي الوطني بعد أن عشنا جميعا لحظات ترقب وانتظار لما يمكن أن تتمخض عنه هذه اليوميات المُتجاذِبة والمتناقضة في كثير من تفاصيلها. "نجد أنفسنا كمهنيين مطالبين بأن نعيد قطار الإعلام إلى سِكَّته أولا لنعاود بعدها العمل على الآتي من مُستقبل يومياتنا المهنية في تحمل لكامل مسؤولياتنا تجاه المهنة والرأي العام" يقول بنعبو. المتحدث صرح لهسبريس وعلى اعتبار كونه صحفيا أنه اصطدم بواقع جامد على مستوى المُكتسبات المهنية بعد دخول مرحلة جديدة بدستور جديد وبكل تفاصيل التغيير المرتقبة والمنشودة، مستطردا بالقول بأن التغيير المغربي حتما لن يتحفنا إلا بالجديد الذي سينعش الأفق ويفتح أبواب الغد بكل طُمأنينة وأمل. [email protected]