المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة في الدار البيضاء    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    الناظور بدون أطباء القطاع العام لمدة ثلاثة أيام    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نُبْلُ ياسر عرفات والقضية الفلسطينية    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عناصر منهجية في تقييم تجربة العدالة والتنمية
نشر في هسبريس يوم 06 - 11 - 2012


الحلقة الأولى
لا مناص في مواجهة تحديات المرحلة الانتقالية، وما يرافقها من محاولة قوى الردة والنكوص التي ترى نفسها قد اصبحت تجرد تدريجيا من مكاسبها غير المشروعة المرتبطة بأزمنة وأنظمة التحكم التشكيك في أحقية مجتمعاتنا بان تمتلك قرارها ، من ان تتوفر على عدة منهجية وعتاد مفاهيمي يستمد قوته من استقراء سنن التاريخ وقوانين التغيير الاجتماعي وتجارب التغيير والنهوض التي عرفتها دول ومجتمعات استطاعت ان تنتقل الى الضفة الاخرى اي ضفة النهضة والديمقراطية والتنمية.
ونعتقد ان تلك العدة المنهجية والمفاهيمية ضرورية بالنسبة لمناضلي ومتعاطفي حزب العدالة والتنمية وغيرهم من المراقبين الموضوعيين والمواطنين العاديين كي يكونوا اقدر على القراءة الواعية للواقع من حولنا وخاصة تجربة العدالة والتنمية في التدبير الحكومي والتجارب المماثلة لها والتي توجد عدة جهات تعض يدها كمدا وغيظا من ان يكون الحزب في موقع التدبير للشأن العام ، وتسعى من خلالها مواقعها النافذة في الاعلام او في السلطة او الادارة ان تشكك في التجربة الإصلاحية التى دخلتها بلادنا وعدد من دول الربيع الديمقراطي في العالم العربي .
ومن الضروري ان نذكر ببعض البدهيات والأساسيات في منهج الاصلاح والتي بدونها قد نسقط في فخاخ عدد من المتربصين والادعياء الذين يظهرون غيرة كاذبة على البلاد ويذرفون على اقتصاده واستقراره والمخاطر الاقتصادية التي تتهدده دموع التماسيح ، والواقع انهم انما يتربصون به من اجل العودة به الى عصر الاستبداد والتحكم والى استدامة عدد من المصالح الربيعية في مجال الاقتصاد والإعلام وبعض منهم قد تحمل مسؤوليات في تدبير شانه العام وكانت نتائج تدبيره نكسات وإخفاقات متتالية كرست الفوارق الطبقية والمجالية والاحباطات الاجتماعية والخصاص الفظيع في الخدمات والبنيات الاساسية.
وهي ضرورية حتى لا نسقط ضحايا القصف والتضليل الإعلامي الذي هو اخر القلاع غير الحصينة التي لاذ بها اهل الخيبة والفشل من فلول الاستبداد والفساد ، ونستثني بطبيعة الحال منهم الوطنيون المخلصون في المعارضات الوطنية الصادقة التي تسعى للقيام بدورها الدستوري النبيل .
اولا : عناصر في منهج الاصلاح
هناك سنن وقوانين موضوعية تحكم الاصلاح وهي لا تحابي أحدا ولا تنطبق على حالة اجتماعية دون اخرى بل هي سنن مطردة لا تتغير ومن حاول القفز عليها فلا بد ان يصطدم بالواقع العنيد . وفي هذا الصدد يمكن ان نستحضر المعطيات التالية :
1 - معامل الزمن او اجل الاصلاح
معامل الزمن او اجل الاصلاح معامل أساسي في الاصلاح والتغيير . ومعطى الزمن معامل محدد في كل الظواهر إذ انها تولد وتتطور وتنضج وتشيخ انها تتطور عبر مراحل يجري عليها قانون الزمن وسنة الأجل المسمى بما في ذلك الاصلاح ونهضة المجتمعات وانحطاطها وهذا الامر واضح في عدة آيات من القران مثل قوله تعالى " ولولا كلمة سبقت من ربك و اجل مسى " وقوله تعالى " لكل اجل كتاب ".
لكن البعض يسعى الى القفز على عامل الزمن ويريد ان تتحقق المعجزة في عصر حكم الإسلاميين و " يريد " للإسلاميين ان يحققوا في تسعين يوما او في سنة او في ولاية حكومة ما لم تحققه كافة الحكومات المتعاقبة منذ استقلال المغرب او ان تصلح ما نتج عن سوء تدبيرها من اختلالات. في مجالات حيوية مثل قطاع التربية والتكوين والتشغيل والصحة والحماية الاجتماعية والبنيات الاساسية وهلم جرا.
من الطبيعى ان يطلب من حزب وصل الى سدة تدبير الشان العام ان يعطي منذ البدايات الاولى إشارات دالة على وجهته الإصلاحية ، وذلك ما ينبغي ان يحًص عليه ، لكن منطق التداول الديمقراطي يقول ان محاسبة اداء تدبير حكومي يكون اولا بالمقارنة مع وضعية الانطلاق اي من خلال قياس المسافة بين ما كانت عليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وبين ما صارت عليه عند انتهاء الولاية .
وثانيا يكون بادخال بعد الزمن وهو في هذه الحالة الزمن الحكومي اي الولاية الحكومة الممتدة على مدى خمس سنوات ، وان من يملك صلاحية التقويم الحقيقي هو الشعب من خلال الية موضوعية ومحايدة الا وهي صناديق الاقتراع التي ينبغي ان تكون لها الكلمة الاولى والأخيرة في نفس الوقت . وقديما قال بعض الصوفية : " من أراد ان يستحدث شيئا قبل حلول أوانه لم يترك من الحمق شيئا ".
ان معامل الزمن معامل أساسي في شبكة التحليل واخذهاىبعين الاعتبار يساعد على كشف المغالطات التي تسعى الى التشكيك في جهود ومبادرات الاصلاح وتصدر الأحكام المسبقة بالإعدام على التجربة وهي في خطواتها الاولى تبني عدتها وخطتها وتهيئ الشروط التشريعية والتنظيمية والإدارية لتنزيل مضامينها .
ينبغي حين نتساءل عما تحقق في معضلة من معضلات الاقتصاد والاجتماع ان نستحضر قبل ذلك الزمن المفترض والملائم من اجل تجاوز تلك المعضلة خاصة وان مسار الاصلاح يقتضي عدة تدخلات تبدأ بالتشخيص ثم اقتراح الحل واتخاذ القرار السياسي ثم القرار التشريعي القانوني والتنظيمي ثم التنزيل الإدراي والتجاوب المجتمعي ، وهي مراحل وعمليات مرتبطة بالزمن ومن المكابرة السعي للقفز على هذا المعطى.
إنه من الصحيح أن الإرادة السياسية يمكن ان تسهم في تسريع وتيرة الإنجاز لكن المستوى السياسي والإرادة السياسية ليست المعطى الوحيد بل ان هناك مداخل اخرى للإصلاح ومسؤوليات اخرى عن الاصلاح ومقامات للإصلاح لكل منها كلفة زمنية .
2 - التدرج والتراكم
وفي الارتباط بمعطى الزمن وسنة الأجل المسمى تأتي سنة كونية واجتماعية أساسية ومحددة في عامل الاصلاح الا وهي سنة التدرج .
وكما هو معلوم فانه لا يحدث التغيير الفجائي الانقلابي الا في حالة واحدة هي حالة الهدم او قلب أوضاع قائمة . اما عملية البناء فهي دائماً عملية تدريجية .
هي سنة كونية تنطبق على كل ظواهر الكون حيث ان اي قفز على مراحل النمو والتطور التدريجي لا بد ان يؤدي الى الاصطدام بقوانين غالبة قاهرة ، وهي سنة تشريعية روعيت في تنزيل الأحكام وفي بناء معمار الدين في النفوس فبدأت الدعوة الاسلامية بغرس معاني العقيدة ثم تدرجت في تشريع العبادات وفي الاحتكام وفي بناء مؤسسات المجتمع الاسلامي وكيانها ، كما تدرجت في تغيير ما كان عليه المجتمع من " جاهلية " في العقيدة والأخلاق والأوضاع القانونية والاجتماعية والأخلاق.
والواقع ان عددا من النظريات الفلسفية والتصورات العلمية لم تعترف بمفهوم الطفرة وذهبت انها ليست سوى تحول كيفي ناتج عن تحولات كمية متراكمة وصلت الى درجة استدعت التحول الى كيف جديد . فالماء إذ يتحول الى بخار لم يتحول بطريقة فجائية او على شكلً طفرة بل ان ما يبدو تحولا كيفيا جذريا في ماهية الماء ما هو الا تحول تدريجي في درجة حرارة الماء ووصوله الى درجة استدعت ذلك التحول ، وذلك التحول الى كيف جديد يحدث نفسه تدريجيا في الماء المتحول الى بخار إذ انه لا يتحول كله دفعة واحدة الى بخار بل ان التحول الكيفي ناتج عن تراكم وتدرج .
انه على فرض وجود تحولات فجائية على شكل طفرات فإنها استثناء يؤكد القاعدة والناذر لا حكم له كما يقال .
ان قوانين الطبيعة ونواميس الاجتماع البشري والحكمة البشرية الناتجة عن الخبرة التاريخية الطويلة كلها تقول انه لا يوجد شيء يحدث وان ما يبدو وكانه طفرة ليس سوى تحول كيفي ناتج عن تراكم لتحولات كمية متراكمة وصلت الى درجة أعطتنا تحولا من الكم الى الكيف .
والواقع انه على فرض وجود تحولات فجائية على شكل طفرات فإنها استثناء يؤكد القاعدة والناذر لا حكم له.
اما الذين يريدون مساءلة تدبير الحكومة من خلال " بدعة " 90 يوما الاولى أو 9 أشهر من عمر الحكومة فانهم:
- بالاضافة الى القفز على سنة التدرج وسنة الأجل المسمى كسنتين حاكمتين لعمليات الاصلاح الاجتماعي - يضيفون الى ذلك غلطا او مغالطة اخرى ، وهي ان هذا التقليد ان جاز التسليم به - وهو غير كذلك ما دام تعاقد حزب العدالة والتنمية والأحزاب المشاركة معه في الحكومة هو تعاقد على اساس بًرنامج حكومي وزمن البرنامج الحكومي هو خمس سنوات وليس تسعين يوما - كما يتناسون ان هذا تقليد معمول به في الدول الديمقراطية العريقة التي تم فيه التطبيع الديمقراطي بشكل نهائي فاصبح فيها التداول على الشان العام أمرا عاديا والإدارة محايدة سياسيا ولا يتحكم في مفاصلها الاساسية من هو مرتبط او منفذ لاجندات جهات مقاومة للإصلاح وتتربص وتحرك خيوطها وأدواتها في اجهزة الاعلام والإدارة.
وباختصار انه تقليد ان كان يصلح لدول أنجزت تطبيعا نهائيا مع الوضع الديمقراطي، فانه لا يصلح في دولة تعيش وضعا اقرب الى الانتقال الديمقراطي ، ولا يزال هناك حنين لدى عدد من الأطراف الى عصور التحكم كما لا يزال هناك عند البعض الاخر ضعف فظيع في الثقافة الديمقراطية.
ان اهم إنجاز في هذه الحالة يبقى هو تطبيع الوضع الديمقراطي قانونيا ومؤسساتيا والتصدي لإغراءات النكوص الى عصور التحكم الفاحش او التحكم الناعم ، وفي هذه ينبغي ان يلتقي كل الديمقراطيين سواءً كانوافي الأغلبية او في المعارضة.
3 - التشاركية وإكراهاتها
يستمد مفهوم التشاركية أهميته من ان العملية الإصلاحية عملية مركبة متعددة الواجهات والتجليات ، ومن ثم فهي عملية تحتاج الى التعاون ومتكاثف الجهود.
وتأخذ التشاركية شرعيتها من اصول شرعية منها ان التعاون مبدا إسلامي أصيل ، التعاون في البر والتقوى ، والتعاون على الخير مع الغير ولو كان مختلفا معنا في الانتماء العقدي او الأيديولوجي ، التعاون لان مبادرات الاصلاح وإرادات الاصلاح ليست حكرا على جهة من الجهات او حزب من الاحزاب ، فالخير موجود بدرجات متفاوتة وهناك .
والنبي صلى الله عليه وسلم اخبر انه شهد في دار عبد الله بن جذعان حلفا احب اليه من حمر النعم ولو دعي به في الاسلام كما جاء في الحديث لإجاب وهو حلف فيه تداع بين قبائل العرب على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وغيرها من القيم الانسانية النبيلة.
وتزداد اهمية التشاركية منهجا للعمل في ان عمليات الاصلاح في المجتمعات المعاصرة قد اصبحت عمليات معقدة لا يقوى على مواجهتها طرف لوحده بل وجب ان تتضافر فيها الجهود وتتكاثف ، وهذه المقاربة تتاكد في المراحل الانتقالية والمراحل التاسيسية.
وقد برهنت انتفاضات الربيع الديمقراطي في عدد من الدول العربية وما بعدها ان المقاربة التشاركية والنضال على ارضية مشتركة وانطلاقا من كلمة سواء على فاعليتها ونجاعتها ، وان منطق الاستفراد او الاستغناء والاقصاء كل ذلك لم يؤد الا الى فسح اليد الطولى للاستبداد والفساد.
وكثير من التجارب التاريخية بما في ذلك التي تبنت مقاربات ثورية أكدت على اهمية التشاركية في الإنجاز حين ميزت بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية اي إمكانيات الالتقاء في اداء المهام التاريخية بين قوى اجتماعية وسياسية ليست لها نفس المنطلقات العقدية او الأيديولوجية او السياسية.
تأخذ التشاركية ضرورتها- فضلا عن ذلك - من ان النظام الانتخابي لا يزال يتضمن في أحكامه وتوجهاته قدرا معتبرا من تكريس البلقنة السياسية ولا يساعد في إفراز اغلبية قوية قد تكون من حزب او حزبين كما هو جار به العمل في الديمقراطيات الحديثة.
وينبغي ان ننتبه الى ان لمنطق التشاركية كلفة سياسية وأيديولوجية ، كما ان له أيضاً كلفة زمنية ، وان ترتيب التوافقات من اجل ترسيخ منطق التشاركية وأسلوب عملها رغم كلفته تلك لا غنى عنه ، وانه يتطلب تقديم تنازلات أيديولوجية وسياسية وتنازلات على مستوى المكاسب المستحقة او المفترضة في شغل مواقع القرار التدبيري من اجل إنجاز القدر المشترك والمتوافق حوله.
تبعا لذلك قد يكون من غير الموضوعي في مثل هذا السياق محاكمة اداء حزب سياسي وصل الى التدبير بناء على برنامجه الأيديولوجي او السياسي او الاقتصادي الاجتماعي ، بل وجب محاكمته على ضوء البرنامج المشترك وفي ضوء اكراهات العمل الائتلافي والتشاركي.
ويمكن ان نقدم على ذلك أدلة عملية في كل تجارب الحراك الديمقراطي في العالم العربي لكننا نكتفي بالتجربة المغربية التي أنجزت وبيعها بطريقتها الخاصة.
4 . منطق الاصلاح ومنطق الثورة
ينبغي ان نتذكر ونحن نسعى الى تقييم الاداء الحكومي في الحالة المغربية ان نحاكمه الى منطق الاصلاح لا الى منطق الثورة . فاعتماد احد المنطقيين في تقييم تجربة اصلاح تمت بمنطق مغاير هو مناكفة ومزايدة غير مجديتين من الناحية العلمية والعملية.
ينبغي ان نضع في الاعتبار اولا ان المغرب انجز ربيعه الديمقراطي من منطق الاصلاح وليس من منطق الثورة وينبغي ان لا نحاكم تجربته الاصلاحية بمنطق الثورة .
قد يجوز لبعض الحركات الراديكالية التى ترفض منطق المشاركة السياسية من خلال المؤسسات القائمة - والتي انتهى بها الامر الى الهامشية والانكفاء في عالم الأحلام الثورية او نبوءات وتهيؤات القومة المنتظرة - ان تصدر أحكامها بالاعدام على الاداء الحكومي انطلاقا من تطبيق معايير جذرية في الحكم تنطبق اكثر على سياقات ثورية وليس على سياقات إصلاحية ، مع الاشارة الى ان مثل هذه الحركات تصدر في العادة أحكامها على التجارب الإصلاحية دون ان تنتظر بداية التجربة او نهايتها لتقيم النتائج الصادرة عنها من منطق المكتسبات والاخفاقات والموازنة بين الكفتين.
قد يجوز لبعض الإعلاميين او الصحفيين" المستقلين " ان يفعلوا ايضا ذلك من منطلق انهم سلطة رابعة و"ضمير" اجتماعي، وان يدبجوا ما يشاءون من التحاليل في تصورهم لمسار الاصلاح وايقاعه ،
لكن يوجد بون شاسع بين ان تلقي دروسا في السباحة او ان تمارس السباحة فوق الرمال، وبين ان تمارس السباحة وسط الامواج او في اعالي البحاري .
والاكثر من ذلك فرق بين ان تسبح بمفردك او تمارس رياضة التزلج فوق الأمواج العاتية بمفردك وبين ان تكون قائدة لسفينة في أعالي البحار ، في الحالة الاولى يمكن لك ان تقدم على ما تشاء من المغامرات والتهورات .
اما في الحالة الثانية ستكون ملزما ان تفكر بمنطق الخروج بالسفينة امنة الى شط النجاة . ونحن نتكلم عن الحالة التي يكون فيها الصحفيون مستقلين صدقا وفعلا ومهنيون صدقا وفعلا لا في حالة الصحفيين المؤدلجين او الذين ينطبق فيهم مقولة " صوت سيده".
على ان التمييز بين منطق الاصلاح ومنطق الثورة ينبغي ان يغيب عن إنظارنا واعتبارنا ان ثورات الربيع العربي و قد نجحت في تغيير الحكام وإسقاطهم فانها في عدد من الحالات او مجملها لم تؤد الى التغيير الشامل للأنظمة وان مفهوم الثورة بمعنى القطيعة الكاملة والانقلاب الجذري في الأوضاع غير متحقق في هذه الحالة بل انه لم يتحقق حتى بالنسبة للثورات التاريخية الكبرى وهو ما يعني تنسيق مفهوم الثورة نفسه وهذا موضوع اخر سبق ان خصصنا لف فصلا في كتابنا " نظرية الاصلاح الثقافي " .
ففي الحالات الاخرى التي انتهت بالتغيير الشامل للنظام كما هو الامر في الحالة الليبية فان ذلك لا يعني الانتقال الى تحقيق الاصلاح في العادة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بل لا تزال مخاطر عدم الاستقرار وعوامله قائمة .
كما ان التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال كبيرة في الحالة التونسية.
والفرق هو انه كما ان الاصلاح يتسم بطابعه الهادئ والمتدرج والتراكمي الذي يراهن على الزمن فان مال التجارب الثورية ينتهي الى تبني منطق الاصلاح والفرق ربما يكون في السرعة والوتيرة ويبقى مسار الاصلاح في الحالتين مهددا بمخاطر الانتكاس وانبعاث القوى المناهضة الاصلاح وعناصر الثورة المضادة حيث ان كل ثورة تستدعي ثورتها المضادة كما ان كل إصلاح يستدعي مقاومات قوى مضادة له تسعى للعودة الى الوضع القديم.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.