هناك جملة من المؤشرات التي تؤكد بأن المقاربة التشاركية التي تبنتها الحكومة وأعملتها سلوكا سياسيا وحكوميا، ليست مجرد شعار للاستهلاك، ولا حتى تكتيكا ظرفيا يقصد منه مواجهة تحديات مرحلة.فما تراكم من رصيد التجربة الحكومية على محدودية فترتها الزمنية، يؤكد حضور هذه المقاربة سواء على مستوى التأسيس، إذ تم اعتماد هذه المقاربة كأساس ومرجعية لبناء التحالفات وتوزيع الحقائب وصياغة ميثاق الأغلبية وصياغة برنامج الحكومة، أو على مستوى التدبير الحكومي، أو على مستوى الآليات التي تم اعتمادها لفك الاختلافات الطبيعية التي قد تنشأ بين مكونات التحالف من خلال الممارسة الحكومية. فحضور المقاربة التشاركية كمرجعية لبناء التحالف الحكومي، وآلية لرسم سياسات العمومية، وأداة لتدبير الخلافات الطبيعية بين مكونات التحالف، إن كان ينظر إليه على أساس أنه يعكس تحولا في الممارسة الحكومية في المغرب، إلا أنه في العمق يعبر عن نضج ثقافة سياسية جديدة ليس فقط عند الحزب الذي شكل الحكومة، ولكن عند كافة مكونات التحالف، وهي الثقافة التي بدأت تنساب تدريجيا داخل الحقل السياسي والمدني، وبدأت تحتل جزءا من المساحة التي احتلتها في التجارب السابقة ثقافة الهيمنة والاستقواء والتحكم. بالنسبة إلى الحركة الإسلامية، التي غالبا ما ينتقدها بعض خصومها بالنزوع نحو الهيمنة، تظل هذه المؤشرات ليس فقط دليل إثبات على عدم صحة هذه الانتقادات، بل على العكس من هذه الانتقادات تماما، فهي تؤكد إسهامها في التأسيس لهذه الثقافة السياسية الجديدة التي تعتبر المقاربة التشاركية من أهم لوازمها. ومما يؤكد حضور هذه الثقافة السياسية الجديدة، ورسوخ المقاربة التشاركية في فكر الحركة الإسلامية، أنها كانت محط نقاش قوي في الحوار الداخلي الذي انطلق آخر الأسبوع في اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية. فبالرغم من كون اللقاء خصص أصلا لبحث الأطروحة الجديدة لحزب العدالة والتنمية والتي تناسب طبيعة المرحلة والتحولات التي جرت، سواء على المستوى الدولي أو المحلي أو على مستوى موقع الحركة الإسلامية، إلا أن المقاربة التشاركية ومنطق الاستيعاب وإدماج النخب كان حاضرا بكل قوة. فمع أن اللحظة هي لحظة تفكير استراتيجي، فإن النقاش تركز بشكل مستفيض على أهمية المقاربة التشاركية وفاعليتها، ودور الاستيعاب وإدماج النخب في التحول السياسي وتحقيق الإنتقال الديمقراطي. هذه المؤشرات كلها تجتمع، لتؤكد رسوخ فكرة المقاربة التشاركية التي أسست لها الحركة الإسلامية في أوائل تجربتها من خلال مبدأ التعاون مع الغير من أجل الخير، وهو المبدأ الذي انطلقت منه الحركة الإسلامية للتأسيس لمنطقها ليس فقط في الاستيعاب ولكن أيضا في التدافع. بكلمة، إن تبني الحركة الإسلامية اليوم للمقاربة التشاركية ما هو في الحقيقة إلا وفاءا للمبادئ التي أسست لها في بداية التجربة، واستمرار في الالتزام بمقتضياتها، واجتهاد سياسي في عملية التنزيل والاستصحاب.