قال محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن عجز خصوم حزب العدالة والتنمية عن مواجهته سياسيا نتيجة ما يحققه من نجاحات، جعلهم يلجأون إلى شماعة التوحيد والإصلاح ومهاجمتها. وأوضح الحمداوي في حوار للتجديد بخصوص ادعاءات البعض بكون «إيديولوجية التوحيد والإصلاح تزحف على حزب العدالة والتنمية» قائلا إن كان المقصود بهذه الإيديولوجية، الإعتدال والوسطية والتي أسست لها الحركة بكل فخر واعتزاز، في الوقت الذي كانت فيه حركات إسلامية في العالم انقلابية، فنحن معتزون بها وسنسعى إلى أن تعم جميع المغاربة، إسهاما في محاصرة فكر التشدد والغلو والوقوف في وجه التسيب والإباحية». رئيس الحركة أكد أن قيادات الحزب والتي تتولى مسؤولية الحكومة اليوم، هي التي نحتت هذه الإيديولوجية، ولا مجال للحديث عن أنها تتلقى الأوامر من هذا الباب، مشيرا إلى أن كل ما يسجل داخل العدالة والتنمية من حكمة ورشد ومشاركة واعتدال ووسطية، فأصلها هو التوحيد والإصلاح عندما استنبتها هؤلاء، على عكس ما يصور البعض من أن الحركة تمثل الجناح المتشدد. وعن الإصلاح في المغرب، قال الحمداوي إن مقارنته مع الدول التي حصلت فيها الثورات وبالخصوص على مستوى المتاح، أو ما يمكن أن ينجز في الواقع فهو متقدم عليها، مضيفا «كنا دائما مؤمنين بالتدرج في الإصلاح ولم يكن في منهجنا مسألة التغيير الجذري» وفيما يلي نص الحوار: ● عقدتم دورة استثنائية لمجلس الشورى، ما هي دواعي الانعقاد في هذا الوقت بالذات؟ ●● بسم الله الرحمان الرحيم، في ظل التحولات والتغيرات التي عرفتها المنطقة العربية بصفة عامة، ويعرفها المغرب بصفة خاصة، كان لزاما على الحركة القيام بمجموعة من الأعمال لمواكبة الواقع الجديد، فكانت هناك أعمال وتدابير آنية، قامت بها الحركة في حينها، لكن كانت هناك أيضا أعمال إستراتيجية كان لابد من الوقوف عليها وإعادة تقييمها، وعلى رأسها المخطط الاستراتيجي للحركة الذي يحتاج لمصادقة مجلس الشورى، فعقدنا دورة استثنائية خصيصا لمناقشة ومدارسة المستجدات والمصادقة على تحيين المخطط. ● من جملة الأمور التي ناقشتموها في هذه الدورة تحيين مخطط المرحلة 2010-2014، فما هي أولويات الحركة في هذه المرحلة؟ ●● من خلال قراءة إجمالية للتحولات الجارية في هذه المرحلة سواء على المستوى المنتظم الدولي الذي انتبه إلى ارتفاع تكلفة مساندة الأنظمة المستبدة، واقتنع بضرورة التعامل مع الإسلاميين، أو على المستوى الإقليمي بسقوط أنظمة الإستبداد، وتصدر الإسلاميين للمشهد السياسي العربي، أو على المستوى الوطني الذي تميز بإقرار دستور جديد، وتنظيم انتخابات تميزت بمنسوب معتبر من الشفافية والنزاهة، أوصلت حزب العدالة والتنمية الشريك الإستراتيجي للحركة إلى قيادة الحكومة. كل هذه المعطيات فرضت على الحركة إعادة ترتيب الأولويات ومجالات العمل والإشتغال، فكان لابد من التأكيد على ضرورة تجديد الخطاب الدعوي بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة، والتأكيد على دعم وتكثيف الإنتاج العلمي والفكري للمساهمة في الإجابة على الأسئلة الفكرية الراهنة، فضلا عن إضافة مجالين للمجالات الاستراتيجية، الأول هو مجال العمل المدني، والمجال الثاني هو مجال العمل الشبابي، خاصة في ظل المكانة التي أصبح يتمتع بها الشباب والعمل الشبابي في الدستور الجديد، وفي ظل الإقبال النوعي للشباب بصفة عامة على الإهتمام بالشأن العام. ● أكدتم على ضرورة أن يضطلع المجتمع المدني بدور أساسي في إنجاح هذه التجربة الديمقراطية وليس الاكتفاء بتسجيل المواقف، وأكدتم كذلك على ضرورة البحث عن المشترك مع باقي الفرقاء، هل اتضحت لكم الرؤية في هذا الإتجاه وما هي مبادراتكم؟ ●● فيما يخص الشق الأول من سؤالكم فإن الدستور الجديد مثلما نص على عدد من مؤسسات الديمقراطية التشاركية، مثل المجلس الأعلى للغات وثقافات المغرب، والمجلس الإستشاري للأسرة والطفولة، والمجلس الإستشاري للشباب والعمل الجمعوي...، حث جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية على المساهمة، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، كما فتح المجال أمام المواطنين والمواطنات لتقديم ملتمسات في مجال التشريع كما أقر بالحق في تقديم عرائض للسلطات العمومية ... كل هذه الإمكانات والمعطيات تفرض على المجتمع المدني أن يضطلع بدوره على هذا المستوى لإنجاح هذه التجربة التي تجمع بين الديمقراطية التمثيلية من خلال المؤسسات المنتخبة، والديمقراطية التشاركية من خلال المؤسسات التي أشرت إليها آنفا. أما فيما يخص الشق الثاني من سؤالكم والمتعلق بالبحث عن المشترك مع باقي الفرقاء، فإننا ثمنا عاليا هذه المقاربة، في رسالتنا الموجهة للأمناء العامين للأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، وهنأناهم على المنهجية التشاركية التي انتهجوها، وهذا ما كان ليتم لو لم يتم تغليب الجوانب البرنامجية على الجوانب الإيديولوجية، ولو لم يتم البحث عن المشترك بينها. وهذه المنهجية التشاركية والبحث عن المشترك هو ما يجب أن تعمل عليه أيضا جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، سواء عند مساهمتها من داخل مؤسسات الديمقراطية التشاركية أو في مبادراتها من داخل المجتمع بصفة عامة، وأن ينقب هذا البحث عن المشترك، مختلف الفاعلين الإجتماعيين سواءا كانوا مثقفين أو مفكرين أو فنانين أو إعلاميين أو علماء أو دعاة أو مربين أو جمعويين ...، من أجل التعاون بالأساس على التنزيل الديمقراطي للدستور الجديد. ● بعد هذه التجربة إلى أي حد تأكد لديكم جدوى المشاركة السياسية للحركة الإسلامية؟ ●● في الحقيقة كنا في مناسبات عديدة نواجه بهذا السؤال حول الجدوى من المشاركة السياسية، خاصة في ظل واقع التضييق الممنهج تارة والتلاعب في صناديق الإنتخابات تارة أخرى، وفي ظل سيادة العقلية الاستئصالية ومنطق التحكم والسلطوية، وبالرغم من ذلك بقينا صامدين ومتمسكين بخيار المشاركة وبأفضليته وجدواه بالمقارنة مع باقي الخيارات سواء كانت منها الداعية للمقاطعة السلمية كما فعلت بعض الحركات والجماعات الأخرى أو الخروج على الدولة وحمل السلاح كما فعلت بعض التيارات الجهادية. وها هو اليوم بحمد الله ومنته، وإن كان الأمر لا زال في بدايته، يتأكد بالملموس جدوى هذه المشاركة وضرورتها، ليس لنا وحدنا وإنما لجهات أخرى، وأطياف أخرى من الإسلاميين مثل السلفيين الذين شاركوا في الاستفتاء على الدستور وشاركوا في الانتخابات التشريعية، بل إن السلفيين في مصر أسسوا حزبا سياسيا وتقدموا للإنتخابات، وحتى الجماعات المسلحة المصرية قد تركت السلاح وأقبلت على العمل السياسي والمدني. ● عبرتم عن استعدادكم لدعم المبادرات النوعية للحكومة وإسناد خطواتها المتعلقة بالإصلاح، كيف تقيمون تجربة الحكومة بعد مرور مائة يوم؟ ●● أظن أنه عند تقييم أداء هذه الحكومة لابد من استحضار السياق الذي جاءت فيه، وهو على كل حال سياق استثنائي في ظروف استثنائية، سواء من حيث الظرف السياسي الذي ارتبط بالحراك الشعبي العربي، أو من حيث الظرف الاقتصادي الذي ارتبط بالظرف الاقتصادي العالمي الصعب، ومع ذلك فإننا نرى أنها تمكنت خلال هذه الفترة القصيرة من القيام ببعض الأعمال المقدرة، وإعطاء بعض الإشارات المطمئنة والمبشرة، من قبيل بعض الإجراءات المرتبطة بجانب الحكامة الجيدة وتعزيز الشفافية من خلال الكشف عن عدد من اللوائح في مجالات مختلفة، وكذا فيما يتعلق بالتركيز على الجانب الاجتماعي من قبيل إتمام وإخراج نظام المساعدة الطبية وتعميمه، والزيادة في منح الطلبة، وبالطبع انتظارات الناس هي أكبر من ذلك، ولكننا نعتبر أن الحكومة ما تزال في بداية مشوارها، ولذلك فإن الكثير من المتتبعين يعتبرون أن مائة يوم غير كافية لتقييم عمل هذه الحكومة. وعلى العموم فإن أغلب استطلاعات الرأي التي أنجزت لحد الساعة حول هذه الحكومة أو حول أعمالها، تبين أن مستوى ثقة المشاركين لا تنزل عن نسبة 80 %، وهذا مؤشر له دلالاته بطبيعة الحال. وأظن كذلك أن واحدا من نجاحات هذه الحكومة هو نجاحها وقدرتها على أن تتجاوز الإختلاف بين مكوناتها الفكرية والإيديولوجية، بالإلتفاف حول خط ناظم موجه عنوانه محاربة الفساد وتعزيز الشفافية، وهذا لا يقتصر على وزراء العدالة والتنمية فقط ، دون أن يلغي ذلك بطبيعة الحال الحق في التعبير عن الإختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا، لكن في المجمل الخط العام لحد الآن مطمئن. ● ظهر في الساحة الإعلامية ما بات يعرف بهيمنة إديولوجيا التوحيد والإصلاح على حزب العدالة والتنمية، ما مدى صحة هذه الإدعاءات؟ ●● هذا ليس بالأمر الجديد، وإنما فقط كلما عجز خصوم حزب العدالة والتنمية عن مواجهته سياسيا، أو الدخول معه منافسة شريفة، نتيجة ما يحققه من نجاحات، أو ازدياد جماهيريته وشعبيته، إلا والتجأوا إلى شماعة التوحيد والإصلاح ليعلقوا عليها فشلهم، وبدأوا بمهاجمتها، على أساس أنها مصدر كل هذا. وماذا يقصدون ب»هيمنة إيديولوجية التوحيد والإصلاح على حزب العدالة والتنمية»، فإذا كانوا يعنون بذلك، المرجعية الإسلامية ومنهج الإعتدال والوسطية والتمسك بخيار المشاركة، فإن الحركة تفخر بكونها أسست لهذا المنهج منذ أكثر من 30 سنة خلت، في وقت كانت فيه كثير من الحركات تتبنى خيارات أخرى إما انقلابية أو تطرح نفسها بديلا، فنحن معتزون بها، وسنسعى إلى أن تعم جميع المغاربة، إسهاما في محاصرة فكر التشدد والغلو والوقوف في وجه التسيب والإباحية». وإن كان المقصود هو ذلك القرار الشجاع المتعلق بحراك 20 فبراير حيث تبنت الحركة خيارا ثالثا مبنيا على المطالبة بالإصلاح مع المحافظة على الإستقرار من خلال إطلاقها لمبادرة نداء الإصلاح الديمقراطي، وإن كانوا يعنون بذلك حضورها القوي في النقاش الدستوري، وفي التعبئة لخيار المشاركة سواء أثناء الاستفتاء أو أثناء الإنتخابات، فهذا لا يعيبنا بقدر ما يشرفنا. أما من يقولون بهيمنة فكر الحركة على الحزب، فهم أول من يعرف أن قيادات الحزب التي تتولى مسؤولية الحكومة اليوم، هي أول من نحت هذا الفكر وهذه الإيديولوجيا واستنبتتها في حركة التوحيد والإصلاح، قبل أن تنتقل إلى الحزب وتستصحبها معها عند انخراطها في العمل السياسي. ويمكن اعتبار ما يتسم به حزب العدالة والتنمية من حكمة ورشد ومشاركة واعتدال ووسطية، منهج أصيل وراسخ مثل أصالته ورسوخه عند التوحيد والإصلاح، على عكس ما يصور البعض من أن الحركة تمثل الجناح المتشدد. ● كيف ستدبرون الشراكة الموجودة حاليا مع حزب العدالة والتنمية، في المستقبل؟ ●● أظن أن الجميع يعلم بأن العلاقة بين الحركة والحزب قد مرت بعدد من المراحل من سنة 1996، تاريخ المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، حيث عرفت هذه العلاقة ثلاث تحولات ابتدأت في الأول بمرحلة الدعم والاحتضان، ثم بعد ذلك مرحلة التنسيق والتعاون، إلى أن أصبحت اليوم في شكلها الحالي وهي علاقة الشراكة الاستراتيجية. كل هذه المراحل التي مرت كانت في ظل وجود الحزب في المعارضة، أما الآ ن وقد أصبح الحزب يقود الحكومة ويسير الشأن العام، فإنه لابد من الارتقاء بهذه العلاقة إلى مستوى آخر، خاصة وأن الحركة تنتمي لحقل المجتمع المدني، وبالتالي فإننا نرى أن العلاقة يجب أن تكون تحت عنوان «تمايز دون انسحاب وإسناد دون استلاب» وذلك بما يضمن الحفاظ على الاستقلالية ومواصلة الحضور في المجتمع وتفادي السقوط في التماهي مع العمل الحكومي، حتى وإن كان يقودها شركاؤنا في الحزب، وفي نفس الوقت تمكننا من إسناد هذه التجربة والمساهمة في إنجاحها ودعمها. ● هذا السؤال يجعلنا مجبرين لطرح سؤال آخر عن علاقة الدعوي بالسياسي في مشروع الحركة الإسلامية المشاركة في المغرب، كيف ستدبرون العلاقة بينهما، مع استحضار بعض التجارب الأخرى التي عرفت بعض المصاعب بسبب التماهي بين الدعوي والسياسي؟ ●● أظن أننا استطعنا في المغرب أن ننحت تجربة متميزة فعلا وربما متفردة على هذا الصعيد، بحيث أن العديد من الحركات الإسلامية الأخرى في العالم العربي والإسلامي عبرت عن اهتمامها وإعجابها وعبرت عن رغبتها في المزيد من الإطلاع والتعرف عليها، وإن كانت هذه الحركات لا زالت مترددة في تبني هذا النموذج عمليا بسبب الهاجس والتخوف الذي تبديه مما تسميه إمكانية انفلات القيادات السياسية أو العمل السياسي برمته، ولذلك فهي تتابع تجربتنا باهتمام بالغ وأولا بأول، أما نحن فقد حسمنا هذا الموضوع وانتهينا منه، ومن هنا أقول دائما أنه إن لم تحسم الحركات الإسلامية في هذه المسألة وتعطي الفرصة لرجالاتها لخوض التجربة السياسية بصلاحيات كاملة وحقيقية دون وصاية أو أبوية، فإن منطق التحكم سيفضي إلى الصعوبات والمشاكل التي نراها في عدد من النماذج التي اختارت فرض وصاية الجماعة على الحزب، أو تلك التي اختارت دمج الدعوي والسياسي بعضهما في بعض، بحيث أنها إما أن تكبل العمل السياسي وتقيده وتنقص من سرعته وفعاليته، وإما أن يتم تهميش الجانب الدعوي والتربوي بسبب طغيان الجانب السياسي وزحمة التدبير اليومي، لذلك فإن خيار التمايز والتكامل يضمن استقلالية كل عمل عن الآخر، وبالتالي تحرره من إكراهات العمل الآخر، وفي نفس الوقت يضمن التكامل والتعاون في إطار الإلتقاء على نفس المشروع المجتمعي. ● اعتبرتم في محاضرة لكم أنه من الخطأ الإستمرار في اعتماد منطق المظلومية، والكلام كثيرا عن وجود لوبيات وجيوب مقاومة، وهو ما اعتبرته بعض الجهات هجوما على الحزب، فهل كان ذلك فعلا هو قصدكم؟ ●● المحاضرة كانت حول التدافع الحضاري، وركزت فيها على اعتبار أنه ليس مجرد تدافع من أجل تحقيق تقدم سياسي أو نجاح انتخابي، وإنما الطموح يتعدى ذلك إلى مواكبة هذا النجاح الإنتخابي بفعل حضاري، وإشاعة لروح الطموحات الكبرى في كيان الأمة، وإشاعة التوتر الإيجابي والقلق المبدع، الذي يدفع الأمة لاستئناف نهوضها في مختلف المجالات. أما في الشق السياسي فأكدت على حتمية وجود جيوب المقاومة لأي عملية إصلاحية، وأن ذلك من طبيعة الأمور، حيث أنه حتى في نفس التنظيم تجد مقاومة لكل جديد، وتجد توجسا لدى المتلقي، فما بالك بمشروع إصلاحي يمس مصالح المنتفعين والمستفيدين من الفساد، ومن الريع السياسي، والريع الاقتصادي والريع الإعلامي وغيره، وبالتالي فإنه لا ينبغي أن يتفاجأ أحد بوجود جيوب مقاومة، وإنما يتوجب على المتصدر للإصلاح، الإستعداد نفسيا لمواجهة هذه الجيوب، وذلك بالعمل على ابتكار البدائل وتنويع الخيارات والحلول، والبدء في مباشرة العمل، وخاصة إذا كان في موقع الفعل، فإنه لا يقبل منه التصرف بنفسية رد الفعل، أو تبني خطاب المظلومية.