إنه لغط كبير ذلك التي أثير حول برنامج تلفزي نعتت فيه وزيرة اسلامية ناشطا صحفيا ب "غير المتدين"، ثارت ثائرة هذا الاخير ومعه الماكنة الاعلامية التي تسانده لتصف الأمر بتكفير غير مباشر وتلويح بإمكان مقاضاة الوزيرة على ما اعتبر خرجة لسان غير محسوبة. في الحقيقة لا يستأهل الموضوع الانتباه ولكن غياب الدرجة الدنيا من الفهم الاكاديمي وما يؤدي إليه من بؤس السياسة وانخفاض مستوى النقاش بين الفاعلين يجعلنا نكتب هذه الأسطر ليس دفاعا عن الوزيرة ولكن تذكيرابعض أبجديات "علم الاديان المعاصر". نظرا للمعاني القدسية التي يكتسبها عند المؤمنين به، ولأنه أصبح من الرهانات الكبرى للقوى الاجتماعية، أصبح من الصعوبة استعمال كلمة دين معرض النقاش أو التحليل، لذلك يفضل استعمال أكثر تجريدا. وبالنسبة للحقل الاكاديمي، تتعدد الصيغ التي يعرف بها الباحثون كلمة دين بتعدد الحقول المعرفية تستعمل فيها، وفي علم الاجتماع الديني، فإن ما يجمع الباحثين وهو إضفاء معنى اجتماعي على كل ما يمكن أن يدخل تحت مسمى الظاهرة الدينية، هكذا يصبح الدين مؤسسة اجتماعية، والعبادة نشاطا اجتماعيا، والعقيدة قوة اجتماعية ( غيرتز). مع اعتبار كل هذه العناصر متغيرات سوسيولوجية، فليس ماهية الدين أو جوهره هو الذي يهم في التحليل السوسيولوجي، وإنما كظاهرة تتجلى في الزمان والمكان، تتأثر بكل ما يحيط بها من عوامل مختلفة اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية. من هذا المنطلق، يتيسر سانمال مفاهيم مركزيية كثيرا ما يستعملان في النقاش السياسي ويؤدي إلى أفهام خاطئة، ولا بد لكي يرتقي هذا الاخير إلى ممارسة وظيفته في التثقيف السياسي العام ، ان يستعملهما بما يكفل استعمالهما بشكل يخفف حمولتهما الايديولوجية التي لا تستهدف سوى توجيه الاتهام او رده، بما يكفل الانتقال بهما من الحقل الدلالي الديني والتعبير عنهما بواسطة اللغة السوسيولوجية، وهما: العقيدة والمذهب. تعني العقيدة الدينيةla croyance religieuse) ( الوسيلة التي يعبر بها الأفراد والجماعات عما يعتبرونه مقدسا. فقد يعبر عن المعتقدات الدينية بأشكال متعددة قد تصل إلى حد التعارض داخل الديانة الواحدة، و باللغة الأنثروبولوجية، يعتبر المعتقد الديني تمثلا يشرح ويبين طبيعة الأشياء المقدسة والمزايا التي تتمتع هذه الأشياء، تاريخها،علاقة بعضها ببعض، وعلاقتها مع غيرها من الأشياء غير المقدسة. و تبقى السمة الرئيسية للمعتقدات الدينية، مقابل أنواع المعتقدات الأخرى كالإيديولوجيات الدنيوية، أنها ذوات مستقلة وليست نتاج تجارب تقوم على أساس وعي اجتماعي أو تأمل فكري أو ملاحظة تجريبية، بل تقوم على اعتبارات سابقة على ذلك. فليست المعتقدات، بالنسبة للذين يؤمنون بها من طبيعة استقرائية أو براغماتية، وإنما هي دوغما، ليس مفروض عليها أن تقدم للعالم أي دليل على صدقيتها، وإنما هو ذاته شاهد عليه. أما المذهب الديني La doctrine religieuse) (، فهو حالة اعتقادية قوامها اكتفاء مجموعة من الناس بما يبلغ إليهم –دينيا- من سلوكيات خاصة يعبر عنها ب "التدين" يعتبر في نظر حامليها تنزيلا للعقيدة العامة التي تجمعهم مع الآخرين ، وتتقوى هذه التصورات وتغذى بواسطة الاستذكار المتواصل لتشكل حالة نفسية / ذهنية، وتكون بنية اجتماعية/ ثقافية متمايزة عن العوالم الاجتماعية الأخرى، فالمذهب ليس مرادفا ولا قسيما للدين، بل هو نوع خاص من تجلي الدين في الخارج ولدى الموالين له، رغم اعتياد المذاهب على ادعاء الأصالة والأحقية الحصرية بالدين. وبالنسبة لمضامين المذاهب الدينية، فإنها تكون قائمة على نسق متكامل من القواعد والمبادئ الحاكمة للاعتقاد من حيث الأصول والفروع، كما تختلف من حيث الأنواع بين من يحمل تفسيرات خاصة لأساسيات الدين العام تتميز عما يعتقده معظم أتباعه، وبين من يحمل تأويلات خاصة تتصل بالمضمون المادي للعقيدة المتمثل في ما يتصل بما تفرضه من بعض الأحكام الخاصة كالفرائض وقواعد السلوك، دون أن يصل اختلافه من أساسيات الدين كما تفهم من طرف عامة المؤمنين بها الى مبلغ الاصطدام الكلي، وكثيرا ما يفرز التطور التاريخي للمذاهب الدينية جمعا بين الخاصيتين معا، إذ يصبح أتباع المذاهب أصحاب رؤية عقدية خاصة، وفي نفس الوقت، حاملين لتصور خاص عن الممارسات التعبدية التي تقررها الديانة، أي أصحاب مواقف من واقع العقائد والممارسات كما هي معاشة. وأحيانا، تتحول العديد من المذاهب الدينية من مجرد تصورات ومواقف دينية إلى مذاهب اجتماعية تحمل تصورات عن الكون والحياة والعلاقات الاجتماعية ترسم من خلالها صورا مجتمعات بديلة، ويقع تبني هذه التصورات من طرف حركات اجتماعية أو مؤسسات رسمية.. على أن ما يهم الفاعلين والسياسيين والباحثين وعموم المتدخلين في النقاش العمومي الخاص بالمذاهب والأديان ( وليس رجل الدين المؤدلج) في معرض التحليل ليس مضمونهما التيولوجي، و لكن كتمثلات تعطي للفعل الاجتماعي معناه، تؤسسه، وتمده بالطاقة الضرورية له لتجعله فعلا تعبويا وتحريضيا. مما يوفر الإمكانية للتعامل معهما كظواهر اجتماعية ونفسية، وأن يقرآ قراءة تفسيرية ونقدية. في هذا الاطار المفهومي، كنا نتمنى ان يسير النقاش ويكز على مواضيع تفصيلية تتصل بهموم الناس وقضاياهم، لا الدخول في مناقشات استنفدت اغراضها بين مشاريع ايديولوجية مختلفة، وهكذا فوت الفاعلون الحاضرون في الحلقة، بما فيهم مهيئها، فرصة ومعرفة السياسة العمومية في القطاع الذي تسيره الوزيرة وتحليله ونقده في حدود ما يقتضيه الصالح العام.