أميرات وقراصنة٬ ملائكة وأشباح٬ جنيات البحر وفرسان من العصور الوسطى٬ يتنقلون كل حسب زيه التنكري ٬ من بيت لآخر بمختلف الأحياء السكنية لمدينة واشنطن٬ بل بجميع مدن وبلدات الولايات الأمريكية٬ وبحوزتهم أكياس وسلال يتوخون ملأها بالشكولاتة والحلوى٬ وكل من يمتنع عن تلبية طلبات الأطفال المتنكرين طاردته الأرواح الشريرة٬ ولحقه الأذى. إنه الهالوين٬ أو عيد جميع القديسيين٬ الذي يصادف اليوم الأخير من شهر أكتوبر٬ والذي يمثل لأطفال الغرب المسيحي مناسبة بهيجة يترقبونها بلهفة بالغة لارتداء أنواع مختلفة من الأزياء المضحكة أحيانا٬ والمخيفة أحيانا أخرى٬ يطوفون بها على بيوت أحيائهم السكنية٬ في طقس يطلق عليه "حلوى أو خدعة" (تريك أور تريت). إنه تهديد طفولي يحمل شعار "أعطني حلوى أو سأخدعك". وغالبا ما تقدم العائلات أنواعا مختلفة من الحلوى لهؤلاء الأطفال٬ مخافة أن يلجؤوا إلى بعض التصرفات "الانتقامية "٬ ككسر قرع العسل "اليقطينة"المنحوتة٬ التي يتم بها تزيين مداخل وأبواب المنازل٬ أو العبث بباقي أمور الزينة٬ كالأشباح والهياكل العظمية٬ والخفافيش والقطط السوداء والعناكب٬ التي اختارها سكان المنازل للاحتفال بهذا العيد. وبمناسبة الهالويين يقوم عامة الأمريكيين ٬ باختلاف ثقافاتهم وأديانهم٬ بتزيين البيوت والشوارع باليقطين (القرع)٬ والألعاب المرعبة والساخرة. ويتنكر الجميع من كبار وصغار لكي لا تعرفهم الأرواح الشريرة٬ لأن الأسطورة تقول بأن كل الأرواح تعود في هذه الليلة من البرزخ إلى الأرض حيث تسود حتى الصباح الموالي . لكن كيف أصبح اليقطين رمزا لعيد الهالوين في القرن التاسع عشر وخلال ما عرف ب"مجاعة البطاطا الإيرلندية"٬ وصل 700 ألف مهاجر إلى أمريكا حاملين معهم عاداتهم ومنها الاحتفال بعيد يسمى عيد (الهالوين أو القديسين أو عيد مصباح جاك) كما يسميه بعضهم. وكان الايرلنديون يصنعون هذا المشعل أو المصباح من اللفت أو البطاطا أو الشمندر (البنجر)٬ ويضيؤونه بشعلة من الفحم أو الشمع وفاء لأرواح الأموات الأحباء٬ وكانت توضع على النوافذ أو الشرفات أو العتبات لسببين ٬ إما للترحيب بتلك الأرواح التي تأتي لزيارة أحبائها في العيد أو لطرد العفاريت والأرواح الشريرة الهائمة. وبما أن اللفت والبنجر والبطاطا لم تكن متوفرة في أمريكا فكانت الاستعاضة عنها بالقرع أو اليقطين لأنه بديل مناسب ومتوفر بكثرة٬ فوجدوا أنه أفضل وأكبر حجما ومن يومها أصبح الاحتفال بالهالوين مرتبطا برمزه الأساسي (اليقطين) في كل أنحاء العالم. وهكذا٬ أصبح الناس يضعون المشاعل على نوافذهم وشرفاتهم من الخارج حتى إذا احتاجت الأرواح التائهة لمصباح في ظلمة رحلتها الأبدية أخذته من الخارج دون أن تدخل فتضايق أهل البيت وتخيفهم. ولا تقتصر احتفالات الهالوين على الأطفال بل يشارك فيها أيضا الراشدون الذين يحضرون حفلات تنكرية بأزياء يحاكون بها شخصيات شهيرة٬ تاريخية أو سياسية أو نجوم في عالم الفن والأدب. ومع مرور الزمن أصبح الهالوين جزءا من الحياة الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالامريكية ٬ حيث يعتبره البعض أهم احتفال بعد عيد الميلاد٬ فيما تؤكد فئة التجار أنه يمثل مصدرا للربح من خلال المبيعات الضخمة من الحلوى وملابس الزينة وسلع الاحتفال بهذا العيد. لكن أقلية من الأمريكيين هي وحدها التي لا تخفي امتعاضها من هذا الطقس الاحتفالي لما ينطوي عليه من دلالات الشر. ومهما اختلفت الاراء بشأنه ٬ يبقى الهالوين عيدا ذا شعبية كبيرة٬ يترقبه الأمريكيون بشغف كبير٬ ويجعل مدنهم تكتسي طابعا أسطوريا ينزع عنها رتابتها ولو ليلة واحدة.