يتيح الاتصال السياسي للحكام و المسؤولين تسويق صورتهم وأنشطتهم وإنجازاتهم بالشكل الذي يضفي عليها كل المظاهر الإيجابية الممكنة. ولعل أحد أكبر "المعارك" التي يخوضها الساسة في هذا الباب هي إنتاج صورة إيجابية عن الواقع الذي يعيشه المواطنون أو تحويل علاقتهم به من خلال قوة الصورة المسوقة عنه. وتعد النشرات الإخبارية والتصريحات الصحافية والمشاركة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ذات الصبغة السياسية والحوارية من القنوات الأساسية التي يتم داخلها وبواسطتها إعادة رسم صورة الواقع المعيش وتقويته وإضفاء الطابع الإيجابي عليه أو على منجزات الساسة وأعمالهم. هكذا، إذا كان الواقع يتسم بتفشي مظاهر الفقر والحاجة إلى أبسط المتطلبات الضرورية للعيش فيه هذا القرن، فإن الصورة التلفزيونية من خلال تغطية نشاط حكومي عاد، مع ما يصاحبها من تعليق وتصريحات ينتج صورة قوية للنشاط الحكومي وبالتالي فعلا سياسيا يمجد العمل الذي تم القيام به، ومعنى جديدا إيجابيا يحل محل واقع البؤس الذي لا يرتفع ! ذلك ان للتلفزيون قوة كبيرة في "خلق الواقع" و انتقاء الأخبار و الأحداث و التحكم في زوايا المعالجة و غربلة العناصر بالإبقاء على تلك التي تخدم السياسة العامة المتحكمة في القناة أو من يمولها.و هذا ما تكون له أثار عميقة و بعيدة المدى على مبادئ التقسيم و التمييز و الحكم عند المشاهدين العاديين الذين يروا العالم و الواقع، كما يراه التلفزيون، لا كما هو فعلا. لا شك ان السلطة السياسية تفقد سيطرتها تدريجيا رويدا رويدا عن التلفزيون في العالم كله، حتى انه صار ألعوبة في يد قوى المال و الأعمال. و ما ديكتاتورية نسب المشاهدة إلا حق أريد به فرض أذواق معينة تخدم الرأسمال و الشركات الكبرى و من يتحالف معهم من "ساسة" يريدون تدجين الشعوب و إلهائها.لذا فان الصورة التي تنقلها القنوات التلفزيونية ما هي إلا صورة من صنيع المتحكمين في المعنى الذي يراد ان يصل الى المشاهدين. من ثمة، تبرز أهمية السياق وتأطير الصورة عبر وضعها في مكانها الحقيقي وإعادة بناء معناها بدل ابتلاع المعنى الذي يراد لها من قبل الساسة ومريديهم الإعلاميين. وحتى وإن كان جون بودريار قد سبق له أن أعلن عن موت الواقع وسقوط الثنائيات، فإن محبة المعنى وصداقة الإنسان والحياة، يتطلبان منا ألا نحل الضعف السياسي محل قوة الواقع الصارخة، ولا أن نبيع قناعاتنا ونغمض أعيننا عن بؤس الواقع مهما زينت الصورة المقدمة عبر التلفاز. إن قوة السياسي تكمن في قوة اعترافه وتغييره للواقع لا في قوة تجميله والركوب الانتهازي عليه !