وأنا بصدد قراءة جريدة البايس الاسبانية لعددها يوم 26/10/2012، في ما تتناوله من مواضيع تهم أفريقيا وخاصة ذات العلاقة بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء وشمال أفريقيا بما فيها المغرب، أثار انتباهي مقال موقع من قبل السيد أحمد البوخاري بصفته ممثلا لجبهة البوليساريو بمجلس الأمن بعنوان: "الصحراء الغربية ومقترحين للحلّ"، عرج فيه القيادي في جبهة البوليساريو على جزء يسير من أهم محطات الملف كما استعرض مقترحي الطرفين المغرب والبوليساريو لسنة 2007، ووصف مقترح المغرب بالحكم الذاتي ب"المغلق" وإنه مجرد "محاولة من المغرب لتأكيد ضم الاقليم إليه وأن المغرب يتخذ المفاوضات غاية لذلك الضم". وفي مقابل ذلك وصف مقترح البوليساريو ب"المنفتح" على كافة الصيغ المعترف بها في منظمة الأممالمتحدة، وفي الأخير خلص إلى كون مقترح المغرب "يقوض من فرص تقرير المصير". الشيء الذي حرك فينا رغبة وإرادة الكتابة، ليس ردا على وجهة نظر المعبر عنها ولا ترجيحا لمبادرة المغرب بسبب ذاتي بالانتماء كما فعل هو، بل وقوفا عند القرارات والمحطات والتقارير والوقائع والتصريحات ذات مصدر دولي مؤهلة ومختصة التي كشفت عن جدية المقترح المغربي وجعلتها تصمد أمام إرادات ورغبات رسوبها بتحوير واسقاط مبادئ وقواعد وآليات القانون الدولي على قضية غير قائمة وضدا على إرادة شعب قرر مصيره من ذي قبل. فكتبنا ما يلي: إحتلت إسبانبا إقليم الصحراء سنة1884 بذريعة أنه الأرض التي لا مالك لها، السبب الذي دحضته محكمة العدل الدولية بمقتضى الفتوى بتاريخ 16 أكتوبر 1975، حيث أكدت أن الأقليم يقطنه وقت الإستعمار الإسباني سكان من البدو والرحل، منظمين إجتماعيا وسياسيا في قبائل يرأسها قائد، مرتبط بالولاء والبيعة للسلاطين، وفق ما أثبتثه ظهائر تعيينهم ووثائق فرض الضرائب وجبايتها لفائدة السلطة المركزية لبلاد المخزن، وأكدته أعمال مقاومة المد والتغلغل الأجنبي في المنطقة بقيادة أو بدعم من السلطان. وكل ذلك معضد باعتراف وإقرار مجموعة من الدول الأجنبية لنفوذ السلطان على تلك القبائل وذلك الإقليم منها، إسبانياوالولاياتالمتحدة وبريطانيا العظمى. وهي الدلائل الواقعية ذاتها، التي وقفت عندها محكمة العدل الدولية، فقررت بأغلبة 14 صوتا مقابل صوتين الإستجابة للطلب الموجه إليها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى قرارها عدد4292 د.29 وبسعي من المغرب، بتأكيد وجود روابط قانونية بين هذا الإقليم والمغرب. وبمقتضى هذا القرار، الذي يحاول الطرف الآخر، وبالضبط الجزائر والبوليساريو ومجموعة دعمهم الدولية تفسيره تفسيرا يتناقض ووضوح جواب محكمة العدل الدولية عن الأسئلة موضوع الإستشارة. فهو لا يطرح أية معضلة ولا إبهام في ألفاظه ومعانيه وتعابيره، من شأنها أن تستعصي فهمه وتحديد ما يتضمنه من تقدير بين على إثر الأسئلة موضوع الإستشارة. صحيح أن المحكمة خرجت بعد جوابها بتأكيد روابط قانونية بين الإقليم والمغرب عند حدود الطلب الموجه إليها، إلا أن ذلك لا ينال من جوابها التأكيدي والصريح، ويجعل من كل المٌثار من قبلها بعد الجواب عن السؤال باطل طبقا لقاعدة، أن المحكمة ملزمة بالبث في حدود طلبات الأطراف، ولأن خوضها خارج الطلب أو في أمور لم تكن من إختصاصها ولا ولايتها لا يعتد به ولا تأثير له على صحة الجواب. وهكذا، فإن إسبانيا التي أدركت وفهمت فحوى وحقيقة ما كشف عنه قرار محكمة العدل الدولية ووقفت عند إصرار المغرب الأكيد على استرجاع الإقليم وإنهاء استعمارها له، وتأكدت من عزم وإرادة الحسن الثاني الأكيدين على تنظيم مسيرة سلمية إليه، الذي لم يثنيه عنه قرار مجلس الأمن. كل ذلك أرغم إسبانيا على عهد فرانكو، الذي كان وقتها يحتضر، وتفاديا منها لحرب وشيكة مع المغرب، فآثرت وفضلت التفاوض مع المغرب في إطار ما تنص عليه المادة33 من ميثاق الأممالمتحدة، وخلصوا إلى عقد اتفاق مدريد بمشاركة موريتانيا، وذلك بتاريخ 14 نونبر 1975، حيث إلتزمت الدولة المستعمرة اسبانيا بإنهاء وجودها في الإقليم بشكل نهائي في أجل أقصاه 28 فبراير1976، وهو الشيء الذي تم حينئذ. هذا الاتفاق، لم يلق قبول رئيس الجزائر هواري بومدين، الذي لم يرق له عدم استشارته و عدم دعوته لحضور الاتفاق من جهة، فأحس بتهميشه، ففسر الاتفاق المغربي الاسباني بإنهاء الإستعمار للاقليم، بأنه تغيير في الخريطة الإقليمية لصالح المغرب، الشيء الذي سيحرم الجزائر حسب اعتقاده من الزعامة الجهوية، ومن تحقيق تطلعات الجزائر التوسعية من جهة أخرى، لأنه يطمع في منفذ بحري على الأطلسي، وقد يكون السبب الرئيسي من غيضه. ولأن بومدين غير متيقن من نتائج تكرار تجربة 1963، بعد مرور عقد ونيف على حرب الرمال بتاريخ اتفاق مدريد. فإنه أجبر على تغليف رفضه بقناع حق سكان الاقليم في تقرير المصير، مدعيا بأن جزائر المليون شهيد تساند من حيث المبدأ كل حركات التحرر الوطني، وفي وقتها كان هواري بومدين زعيما لها، وتبعا لذلك فإن الجزائر تؤيد سكان الإقليم المحرر من قبل المغرب في إعادة تقرير مصيرهم. هذه الذريعة في قناع مبدأ، أظهرت وقائع داخلية جزائرية مسترسلة تناقض سلطتها وعدم انسجامها معه، من خلال قمعها لرغبة القبائل في الإستقلال وفي تقرير مصيرها( أحداث الربيع الأمازيغي20 أبريل 1980 ) وكذا مصادرة إرادة الشارع الجزائري الحرة في اختياره لجبهة الإنقاد الاسلامي في انتخابات دجنبر 1991، وممارستها لإرهاب الدولية خلا سنوات ما بعد رسوبها في اول اختبار على درب الديمقراطية بفعل فاعل، الذي أقبر التعددية والحرية لصالح الرأي والحزب الواحد بادعاء أحقية قواد وأحفاد الثورة في الحكم عن طريق امتطاء آلية وأسلوب شرعية الثورة المبتذل للانفراد بالحكم والاستبداد به. وهي تصرفات تتقاطع مع مواقف الجزائر في علاقتها مع محيطها الاقليمي في آثارها، دعم المرتزقة في عدوانها ضد المغرب، ومحاولاتها الانفراد بكافة المبادرات الدولية والاقليمية لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وآخرها التلكؤ عن مساندة ثورة ليبيا والتأخير في الإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي الليبي ورفض إعلان استقلال أزواد بشمال مالي. وبهكذا تبرير(تقرير المصير) وفر بومدن الملجأ لدعاة الإنفصال في موازاة الدعاية الإقليمية والدولية للإعتراف بهم بمساهمة العقيد كما أعد لهم العدة والعتاد والتدريب لشن عدوان على اقليم المغرب، لم تتوقف إلا بعد سنواتن من الحرب وبعد عودة اهتمام الأممالمتحدة بالملف على إثر القرار632 وتاريخ 1988، حيث اتفق المغرب وجبهة البوليساريوعلى وقف إطلاق النار سنة 1991، حقبة حقق فيها المغرب تقدما وبسطا شبه كلي لسيادته على الاقليم على الأرض عزز بها مركزه في مفاوضات من أجل استفتاء يؤكد مغربية الصحراء وينفي رغبة الإستقلال(موقف المغرب) بينما تنظر إليه البوليساريو على أنه استفتاء من أجل الإستقلال وتقرير المصير(موقف البوليساريو). وبعد نزول بعثة الأممالمتحدة لإجراء الإستفتاء في الصحراء( المينورسو) لتحديد الوسائل الواجب اعمالها بغية كفالة تنظيم الإستفتاء ومراقبته من قبل الاممالمتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية، التي سميت فيما بعد بالاتحاد الافريقي، واجهت مشاكل بين الطرفين حول تفسير وتطبيق معايير أهلية الناخبين، والتي أوردها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره بتاريخ 19 ديسمبر 1991(س/25170)، استغرق الأمم المتحذة لتذليلها سنوات عديدة، تطورت خلالها وغذاتها مواقف كافة الأطراف. فالمغرب تقدم رسميا إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007 بمقترح الحكم الذاتي في إطار سيادته. المقترح، الذي وصفه مجلس الأمن بالمقترح المتسم بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية. وهوالتنويه والوصف الذي سار ودأب عليه مجلس الأمن منذ قرار1783 و1754/2007و1813/2008و1871/2009 ، خلافا لما حاول أحمد البخاري، ممثل عن جبهة البوليساريو بمجلس الأمن في جريدة إلبايس الاسبانية يوم 26 اكتوبر2012 تجاهله ونفيه فيما كتبه sin calificar a ninguna de ellas de “seria o creíble” como lo quiere hacer ver Marruecos. No hay más que leer el texto de la Resolución 1754 (2007).. ونحيله بدورنا على قرارات مجلس الأمن. كما أن المقترح المغربي لقي دعم الدول الكبرى، فرنسا أمريكا واسبانيا، ولو بتعابير وأوصاف مختلفة أقواها الموقف الفرنسي المؤيد. ووصفه المبعوث السابق للأمين العام السيد أيريك جانسون أنها مبادرة نحو حل النزاع و دعا البوليساريو بالمقابل بالتخلي عن طموحاتها. كما أن موقف الأممالمتحدة تطور بدوره بشكل كبير، على إثر وقوفها على حقيقة النزاع واحتكاكها بالواقع واشرافها على جولات مفاوضات الأطراف، التي بلغت عشر، فقد تغير موقفها ما بين خطة التسوية والسلام بقبول الأطراف بوقف إطلاق النار1991، التي جعلت آنذاك من الإستفتاء الآلية الجوهرية لتقرير المصير وإنهاء النزاع. وبالرغم من عدم تغيير في آلية وقناة إقرار الحل خلال انتداب الديبلوماسي الأمريكي جيمس بيكر، الذي عين مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة عن سنوات (1999و2004) . فإن الفضل يعود له في انفتاح الأممالمتحدة على خيارات متعددة، استقاها من الصعوبات والعراقيل التي أبان عنه الإقتصارعلى حصر إستشارة سكان الإقليم في سؤال واحد، فاقترح بيكر خيارات ثلاث (الإنضمام، الحكم الذاتي و الإستقلال). إلا أنه فقد ثقة المغرب بتوجيه الأخير لمذكرة إلى الأمين العام سنة 2003، ضمنها إعلانه أن الإستفتاء أصبح متجاوزا. فقدم على إثرها بيكر استقالته. وغذاته تم تعيين الهولندي بيتر فان فالسم خلفا له (2005ٍٍٍ-2009)، الذي خلص بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل مع الأطراف إلى تبني مقترح الحكم الذاتي المغربي والتصريح بأن خيار الإستفتاء غير واقعي يجب تجاوزه وحذفه من طاولات المفاوضات. موقف جعله يفقد ثقة الوليساريو ونال غضب وانتقاد الجزائر وداعمي البوليساريو، والحال أنه موقف ينسجم و دعوة القرار الأممي عدد (1754/2007) إلى ايجاد حل سياسي يقبله الأطراف . وهي نفس سابق ما توصل إليه بطرس غالي من ذي قبل، وبالضبط دجنبر 1995 بقوله"بأنه لم يعتقد أبدا بأن الأستفتاء سيتم إجراؤه"، و نفس المنحى، الذي عبر عنه إيريك جانسون سنة 2008 في شهادته أمام اللجنة الرابعة. أما موقف البوليساريو، وبالرغم من التطور الطفيف الذي عبر عنه من خلال قبوله بمناقشة المقترح المغربي (206/2007/س) واستعدادها لقبول الحكم الذاتي كأحد الخيارات المطروحة، و هو المقترح الذي أعلنه الملك في 30 يونيو 2007، بمناسبة الذكرى الثامنة لتوليه الحكم بالمغرب، من خلال تصريحه، أن المغرب مستعد للتفاوض على أساس حل توافقي يقوم على الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب،. فإن قبول البوليساريو بالحكم الذاتي، الذي عبرت عنه، إنما اتخذته ما دام الإستقلال أحد تلك الخيارات المطروحة أيضا. وحقيقة الأمر أن البوليساريو لم تغير من موقفها قط، لما تبين من مناوراتها خلال كافة جولات المفاوضات لتوجيه المحادثات صوب خطة جيمس بيكر، التي رفضها المغرب صراحة من جهة ولكون مجلس الأمن تجاوزها من جهة أخرى من خلال دعوته الأطراف إلى البحث عن حل سياسي منذ 2007 و لأنها تآكلت مع ما توصل إليه خلف بيكر السيد بيتر فان فالسم بكون خيار الإستقلال غير واقعي من جهة ثالثة ولأن مجلس الأمن ما فتئ ينوه بمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وطبعها بطابع الجدية والواقعية من جهة رابعة. وبالرغم من الزخم الذي أضفته المبادرة المغربية للحكم الذاتي للمفاوضاة، وأعطتها حركية وديناميكية خاصة كسرت بها جمود السنوات، وجعلت المجتمع الدولي بما فيه على الأقل دولة لها صفة العضو الدائم وتملك حق النقض، فرنسا يقتنع به، ونالت تشجيع مجلس الأمن الذي وصفها بالجدية والواقعية، واوصى على إثرها بالبحث عن حل سياسي يلقى قبول الطرفين. فإن تعيين كريستوفر روس مبعوثا شخصيا للأمين العام منذ 2009 وميله بسوء نية أو على الأقل بسوء تقدير وعدم إلمام كان مفترضا فيه بما آل إليه وبلغه موقف مجلس الأمن من تطور تجاوز بمقتضاه الإستفتاء نحو البحث عن حل سياسي يتفق عليه الطرفان عبر التفاوض. جعل هذه الأخيرة تتعثر لاهتمام روس بأمور ثانوية ولتراجعه عن ما وصله موقف مجلس الأمن من تقدم. وعوضا عن الإقرار والاعتراف بأسباب التعثر الحقيقية، فقد أرجعه روس إلى انعدام الإرادة السياسية لدى الأطراف، الشيء الذي تضحده مبادرة المغرب، وهو موقف وراءه ما وراء الأكمة، الذي كشفت عنه مراسلة روس لأسبانيا وأربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن سنة 2010، والتي عزى فيها تعثر المفاوضات إلى رفض المغرب مناقشة مقترح البوليساريو. وهو حكم غير مقبول في ما يجب ان يكون عليه سلوك وسيط اممي يشرف على مفاوضات من موضوعية، كما أن تقديره الوارد في تلك المراسلة ولئن هي سرية، فإنه ينم عن ميل وجنوح مشبوه نحو اعتماد موقف البوليساريو، ضدا على مبدأ الحياد، ورغبة منه في إقصاء مبادرة المغرب، واعتماد الإستفتاء وحيدا، وهو ما أكده التقرير الأخير (249/2011/س) في الباب السابع الخاص بالملاحظات والتوصيات نورد منه مختصرات وعبارات توضح رؤية روس: "...وبعد مرور أربع سنوات وعقد 10 جولات من الإجتماعات بين الطرفين، لا تزال هذه العملية أمام طريق مسدود...وما زال كل من الطرفين يرفض مقترح الطرف الآخر...ولم يتخذ أي منهما حتى الآن خطوات من شأنها أن تشير إلى استعداد للتحرك صوب التوصل إلى حل وسط مقبول...ومن المرجح أن يظل الطرفان ملتزمين بجوهر مقترحيهما...والواضح أن الوصول إلى وضع نهائي لم يعرب هؤلاء السكان عن رأيهم بشكل واضح ومقنع سيولدعلى الأرجح توترات جديدة...وإقرارا بهذا الواقع، قد يود مجلس الأمن أن يوصي...ضم ممثلين للسكان للنظر في المسائل المتصلة بالوضع النهائي وممارسة الحق في تقرير المصير ومناقشتها...ومن المفيد...ملاحظة أن مقترحي الطرفين معا يتوقعان، رغم الإختلاف في الشكل إجراء استفتاء سيكون بمثابة ممارسة حرة للحق في تقرير المصير؛...مناقشة مجموعة واسعة من مسائل الحكم... ...ومع أن استفتاء تقرير المصير يشكل عنصرا أساسيا في ولاية البعثة (المينورسو) ، فإن جميع أنشطة التحظير له قد علقت بسبب الإختلاف بين الطرفين. وتوضح التحديات التي تواجهها البعثة في حرية التنقل والعمليات داخل الإقليم،... على تنفيذ ولايتها...ويشمل...رصد التطورات في الصحراء والإبلاغ عنها لأنها تؤثر تأثيرا مباشرا على الوضع السياسي والأمني،...ألتمس إعادة تأكيد دور البعثة...كي تنجح في أداء أعمالها..." وتكشف هذه العبارات نية كريستوفر روس في العودة إلى مرحلة الإنطلاق الأولى بتاريخ القبول المبدئي باتفاق التسوية لتنظيم الاستفتاء، الذي تطور نحو الدعوة إلى البحث عن حل سياسي، ملتفا بذلك حول مبادرة واقتراح المغرب في منح الاقليم إدارة خاصة. مبادرة لها مرجعية في القانون الدولي، فهي تمزج بين صيغتين من ثلاث للحل: الانضمام والاستقلال وتبعد الانفصال فقط ، وهي صيغة في شكل تجربة قائمة في دول كثيرة لها اسم ضمن الديمقراطيات المعروفة، منها الجارة اسبانيا، وهي مبادرة تعبرعن إرادة سياسية في البحث والتعاون من أجل الحل، وهي فرصة حقيقية لحل سياسي. وقد تعمد روس وبسوء نية تعداد جولات المفاوضات غير الرسمية وعددها تسع وفي زمن وجيز ما بين غشت 2009 ومارس 2012 وفي أمكنة مختلفة ،في دورنشتاين، النمسا، في يومي 9 و 10 غشت 2009 وفي مقاطعة ويستشستر، نيويورك، الولاياتالمتحدةالأمريكية في يومي 10 و 11 فبراير 2010، وفي لونغ آيلند، نيويورك، في الفترات من 7 إلى 10 نونبر 2010 ومن 16 إلى 18 دجنبر 2010 ومن 21 إلى 23 يناير 2011 وفي مليها، مالطة في الفترة من 7 إلى 9 مارس 2011، وفي لونغ آيلند، في الفترتين من 5 إلى 7 يونيه 2011 ومن 19 إلى 21 يوليه 2011، وفي غرينتري ايستيت، نيويورك، في الفترة من 11 إلى 13 مارس 2012، للتحضير للجولة الخامسة من المفاوضات، لتمويه واقناع المجتمع الدولي بجمود في إرادة الأطراف، بالرغم من المجهودات التي يسوق لها لعله ينجح في إعتماد مجلس الأمن لإطار جديد للتدخل او تطوير في الصيغة الحالية على الأقل. وقد يكون الاحتمال الأخير هو الأكثر حظا من الأول. وهو السر الذي لم يمتلك روس نفسه طويلا للبوح به، إذ طلب من مجلس الأمن بمقتضى تقرير أبريل 2012 إعتماد توصية بتوسيع مهمة بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في محاولة منه لفرض قيود على سيادة المغرب القائمة على إقليمه. وبالرغم من الظرفية الدولية والاقليمية الدقيقة، واللذين اختارهما روس بدقة وعناية متناهية عنوة وبقصد المناورة بمخطط مشبوه وغير بريء في انتظار حتمي منه أن يأتي بنتائج عكسية ضد موقف ومبادرة المغرب وحشد المجتمع الدولي ضده. فإن الحكومة المغربية غامرت بقرار جريء بسحب الثقة من روس نتيجة لذلك غير آبهة بالنتائج، وقطعت بذلك الطريق أمام روس في انهاء مخططه، ليبقى رأي المجتمع الدولي لمدة تراوحت أربعة أوخمسة أشهر بين مؤيد لروس وساكت وبين مناوئ أورافض أو مؤيد محتشم لقرار المغرب، نفسه النقاش الذي طبع أروقة مجلس الأمن ومكاتب سفراء الدول لديه وموضوع برقياتهم مع دولهم. قبل أن ينتهي تعليق تعامل المغرب بروس، حسب الإعلام المغربي بمكالمة بين الملك والأمين العام الأمين العام. إذ قبل المغرب التعامل مع روس من جديد، وها هو يحل بالمغرب دون أن تصدر الخارجية بلاغا بالقبول، ولا ندري سر هذا التراخي؟ وسر القدوم ؟ وسر الحوار الاستراتيجي عن القضية؟ وسر ما قد تأتي به الانتخابات الأمريكية من جديد على الملف؟ إلا أنه وعلى ما يبدو فإن المغرب، الذي اختار أو أجبر على إجراء خطوة إلى الوراء من خلال القبول بعودة روس بالرغم من سابق سحب الثقة منه، قد حقق تقدما بخطوتين إلى الأمام بعد القرار الأخير للجنة الرابعة، معقل البوليساريو المفضل في قرارها المؤيد صراحة لعملية المفاوضات التي بدأت بموجب قرار مجلس الأمن 1754 (2007) واستمرت بموجب قرارات المجلس 1783 (2007) و 1813 (2008) و 1871 (2009) و 1920 (2010) و 1979 (2011) و 2044 (2012) من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يقبله الطرفان. وهو انتصار لصالح موقف المغرب لأنه قرار يحث على البحث عن حل سياسي ويعتمد ولأول مرة قطيعة ابستمولوجية مع حيثياث وأسس سابق قرارات نفس اللجنة منذ 1960،وبالضبط منذ 15 شتنبر، التي كانت تجعل من القانون الدولي وآلياته، أي الاستفتاء السبيل الوحيد للحل. كما أنه قرار لصالح المغرب لأنه إعتمد في تعليله على قرارات مجلس الأمن منذ2007 بمقتضى القرار عدد1754. وهوتاريخ صادف تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي أمام مجلس الأمن ونظر فيه ووصفه بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية، وفي ذات الوقت قرار ضد رغبة البوليساريو والجزائر والدول التقليدية المؤيدة لهم، كما أنه قرار يعاكس رغبة المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس، الذي لاشك أنه حل بالمغرب وهاجسه الوحيد متى يغادر؟ أملي أن يستثمر المغرب هذا التطور في رأي أشخاص القانون الدولي دولا ومنظمات إزاء قضيتنا وأن يحصن الجبهة الداخلية بمزيد من الديمقراطية، الديمقراطية التشاركية، التي جاء بها الدستور الجديد، التي تعطي مكانا لصوت المجتمع المدني، في التعبير عن الرأي والمشاركة في اتخاذ القرار. هذا الأخير الذي لا يمكن أن يتخذ في إتزان و في غياب الحق في المعلومة، ومنها بطبيعة الحال المعلومات عن هذا الملف الذي يهم كافة المغاربة وليس سكان الاقاليم الجنوبية للبلاد فقط. *محام بهيئة مكناس ورئيس المركز المغربي للحريات والحقوق