وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة تصدر بلاغا جديداً        جماعة طنجة تنظم مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    ترامب يتجه نحو رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. والحزب الجمهوري يسيطر على الكونغرس    أنشيلوتي بعد الخسارة أمام ميلان: "نشعر بالقلق.. والفريق لا يقدم نسخة جيدة على الإطلاق"    مديرية الأمن تعلن عن تدشين بنيات شرطية جديدة بالريف والصحراء    افتتاح فعاليات مهرجان الناظور الدولي للسينما تحت شعار "ذاكرة السماء والأرض"    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    أغناج ل" رسالة 24 ": نعيب على الحكومة ووزير العدل الاستقواء بالأغلبية الأتوماتيكية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مستشارون ينتقدون تدبير النفايات الخضراء بمدينة الرياط    حماس: فوز ترامب يختبر وعده بوقف الحرب خلال ساعات    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    اليماني يرد على وزيرة الإنتقال الطاقي بخصوص الطاقة الأحفورية    في خطاب النصر.. ترامب يتعهد بوقف الحروب وعودة العصر الذهبي لأمريكا    قطر تعلن إقرار التعديلات الدستورية    "الاشتراكي الموحد": تطوير العلاقات مع فرنسا ينبغي أن لا يكون على حساب ثروات المغرب واستقلاليته    مكتب الفوسفاط و"إنجي" الفرنسية يتجهان لإنشاء مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر في الصحراء    اتحاد طنجة يرفض طلب الوداد … !    "إنرجين" تصدم المغرب بخصوص كمية الغاز المكتشفة وتقرر الانسحاب    بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة..تراجع أسعار الذهب        العرائش: تدشين مشاريع تنموية بإلإقليم بمناسبة تخليد ذكرى المسيرة الخضراء    أمن الرباط يستعمل الصعق والرصاص    الجديدة: جزارو مولاي يخرجون للاحتجاج أمام مقر الجماعة    بعد احتفاء ترامب بالفوز في الانتخابات .. صعود الدولار يخفض أسعار النفط    نتنياهو: ترامب يحقق "عودة تاريخية"    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    "الشيوخ الجمهوريون" أغلبية في أمريكا    استئنافية البيضاء تحدد أولى جلسات محاكمة القاضية المتقاعدة    في آخر فرصة لهم.. وسيط المملكة يقترح على طلبة الطب حلين لإنهاء الأزمة    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    الرابطة البيضاوية تعزي في وفاة والدة هشام سهيل    بسبب تراجع مستواه … صابر بوغرين تتراجع قيمته السوقية    الجديدة : لقاء تواصلي حول برنامج GO SIYAHA بحضور فاعلين في مجال السياحة    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    لحماية القطيع.. وزير الفلاحة يمنع ذ بح الإناث القادرة على التكاثر    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا.. تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    أبطال أوروبا: هزيمة مفاجئة للريال في البيرنابيو وسيتي يسقط بالأربعة أمام سبورتينغ    ترامب: حققت فوزا تاريخيا وسنغلق الحدود أمام المجرمين    اختتام فعاليات الدورة التدريبية لحكام النخبة (أ)    كيوسك الأربعاء | مقترح جديد ينهي أزمة أطباء المستقبل    ذكرى المسيرة الخضراء.. الملحمة الخالدة        29 برلمانيا بمجلس المستشارين يصادقون على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وثلاثة يمتنعون        مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    مرحلة ما بعد حسم القضية..!    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)    خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيارات الدينية وتبادل الأدوار والخدمات
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2012

إن الأحداث الخطيرة التي عرفتها ولا زالت تونس وليبيا، منذ سقوط نظاميهما، وخاصة تلك التي استغلت الاحتجاجات على الفيلم المسيء للرسول الكريم ، حيث قُتل السفير الأمريكي وثلاثة من معاونيه في مدينة بنغازي ، فيما تم تخريب ونهب السفارة والمدرسة الأمريكيتين بتونس، وكانت الأحداث مرشحة لما هو أخطر لولا التدخل الأمني وإن جاء متأخرا الذي أسقط أربعة قتلى في صفوف المحتجين ؛ إن هذه الأحداث كشفت خطورة تبادل الأدوار والخدمات بين الحركات الدينية على اختلاف أطيافها وتوجهاتها . فالحركات المتشددة والجهادية التي تعتبر أن أسلوب العنف بكل أشكاله سيعجل من إسقاط الأنظمة "الطاغوتية" وإقامة نظام الخلافة الإسلاميةK تستفيد من سياسة غض الطرف عن أنشطتها حتى تلك التي تهدد الأمن العام مقابل دعم الأحزاب الإسلامية التي في السلطة والنيابة عنها في فرض مظاهر الأسلمة بالقوة على المجتمع والدولة والمؤسسات الإعلامية والسياحية والفنية والجامعية.
أما الحركات الإسلامية المعتدلة والتي قبلت بالانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات ، فتعتبر أن أسلوب المشاركة السياسية يمكنها من اختراق مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة لتحقيق أهداف سياسية هامة ، في مقدمتها التصدي للتشريعات التي تراها منافية للدين ، وفي نفس الوقت تمرير تشريعات تعتبرها مستمدة من الشرع . فهذه الحركات المعتدلة تنطلق من ضرورة أسلمة المجتمع والدولة تدريجيا للوصول إلى أسلمة نظام الحكم . وهذا ما نجده في المغرب مع حزب العدالة والتنمية الذي اندمج في مؤسسات الدولة ويعمل على أسلمتها عبر وضع تشريعات يراها مستمدة من الدين ومنع أخرى دون أن يدخل في صدام مع نظام الحكم.
فقد منع بث الوصلات الإشهارية للقمار واليانصيب في وسائل الإعلام العمومية ، كما حظر إشهار الخمور ؛ ويسعى أيضا لاستصدار قوانين عبر البرلمان في موضوع منع الإجهاض والترخيص للأبناك الإسلامية الخ . وبيّنت التجربة السياسية في المغرب وتونس أن الحركات الدينية جميعها تساند بعضها البعض وتتبادل المصالح رغم الاختلاف الموجود بينها في المواقف من النظام السياسي وأسلوب العمل . ففي المغرب لعب حزب العدالة والتنمية دورا رئيسيا في الدفاع عن التيار السلفي الجهادي والحركي ، حيث أسس هيئات حقوقية تتبنى فقط ملفات عناصر هذا التيار المعتقلة على خلفية الإرهاب ، كما وفر مظلة إعلامية وسياسية وحقوقية لنشطاء التيار قصد ممارسة الضغط على الدولة لإطلاق سراحهم . وظل يَعِدهم بإيجاد حلول لملفاتهم في حالة وصوله إلى الحكومة . وكذلك كان ، فقد وضع وزير العدل والحريات المنتمي لحزب العدالة والتنمية أسماء المعتقلين من شيوخ هذا التيار على رأس اللائحة التي قدمها للملك يلتمس منه العفو عنهم . كما أعلن الحزب مساندته المطلقة للتيار السفلي حين أغلقت السلطات المغربية دُور القرآن التابعة للشيخ المغراوي.
في مقابل هذه المساندة والخدمات التي يقدمها حزب العدالة والتنمية ، قررت الحركات الدينية الراديكالية دعم الحزب عبر التصويت لصالح مرشحيه في الانتخابات التشريعية ، والتي بفضلها حصل الحزب على مقاعد برلمانية إضافية أهلته لتصدر الانتخابات ، ومن ثم رئاسة الحكومة . وتدخل هذه المساندة المتبادلة في إطار المبدأ المعمول به بين الحركات الدينية "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". فالحركات الدينية تعتبر المعركة الانتخابية التي يخوضها أحد فصائلها ضد أحزاب سياسية لها مشارب فكرية مختلفة ( ليبرالية ، يسارية ، علمانية ) تعتبرها "جهادا"ونُصرة . كما أن الأحزاب الإسلامية التي تقود الحكومات تعتبر مناصرة باقي الحركات الدينية "فريضة دينية " من أجل تقوية الصف الإسلامي ضد "تيارات التغريب والعلمانية".
وهذا ما شدد عليه السيد أحمد الشقيري الديني القيادي في حزب العدالة والتنمية بالقول ( بعد إغلاق دور القرآن على إثر الضجة التي أثارتها فتوى تزويج الصغيرة التي نسبت لشيخ السلفيين هناك بن عبد الرحمن المغراوي، ومع بروز الربيع العربي/الديمقراطي، تغيرت عدة مفاهيم عند هذا التيار الذي أصبح يرى في التصويت على مرشحي حزب المصباح ضرورة شرعية تفرضها اعتبارات موازين القوى الجديدة التي تشكلت بعد الربيع العربي في العديد من الدول، وبروز التيار السلفي باعتباره قوة صاعدة تعوزها الخبرة السياسية. )( هسبريس 7 /10/2012) . ونفس الأمر تعرفه تونس حيث صوت السلفيون لصالح مرشحي حركة النهضة مقابل فتح المجال أمام عناصر التيار لممارسة أنشطهم . وبسبب هذا التواطؤ تَغَوّل التيار الجهادي وانتقل إلى ممارسة العنف والتخريب ضد المواطنين ومؤسسات الدولة كما حدث ليلتي 11 و 12 يونيو 2012 ، حيث تم إحراق مقر المحكمة الابتدائية ومركز الشرطة . كما امتد عنف التنظيمات المتطرفة ليشمل الأحزاب السياسية التي مُنعت بالقوة من عقد اجتماعاتها التنظيمية بكثير من جهات تونس.
وتجاوز العنف هذا المستوى إلى ما هو أخطر . ففي جندوبة مثلا أحرقت مجموعات سلفية بالزجاجات الحارقة مكتب "الاتحاد العام التونسي للشغل" ، ومقار أحزاب يسارية هي "الوطنيون الديمقراطيون" و"الديموقراطي التقدمي" و"التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات". أما بخصوص العنف الذي استهدف الأنشطة الفنية ، فقد قدم مهدي مبروك وزير الثقافة في الحكومة المؤقتة احصائيات تهم العروض الصيفية المهدورة ، إذ من بين 2560 عرضا ثقافيا تم الغاء 11 عرضا لأسباب أمنية منها 6 عروض ألغيت بسبب اعتداءات قام بها محسوبون على التيار السلفي . فضلا عن إحراق مقاهي وفنادق بدعوى بيعها للخمور. الأمر الذي جعل كثيرا من المراقبين يؤكدون ان "سلفيي تونس يعتقدون أن ظهورهم أصبحت محمية" منذ فوز حركة النهضة الإسلامية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
وجاءت تصريحات سمير بالطيب ، النائب بالمجلس التأسيسي، مؤكدة هذا التواطؤ حين تحدث عن إطلاق سراح 480 سلفيا من جملة 500 تم إيقافهم . فضلا عن فشل شرطة مكافحة الشغب وقوات مكافحة الإرهاب في اعتقال "أبو عياض" ، القيادي السلفي المتشدد، بعد ظهوره العلني في جامع الفتح رغم محاصرتها له . كما كشف حادث إحراق السفارة الأمريكية ومقتل السفير في بنغازي المدى الخطير الذي باتت عليه الميليشيات المتشددة في ليبيا، والتي استفادت من ضعف الحكومة الانتقالية وتواطؤ القيادة السياسية التي سمحت للميليشيات بامتلاك السلاح والعبث بالأمن بحجة أنها شاركت في الثورة حتى خرج جلها عن الطوق.
ولم تدرك الحكومة في تونس وليبيا أنهما تلعبان بالنار حينما تواطأتا مع التنظيمات المتشددة إلا بعد الهجوم على السفارة الأمريكية الذي أظهر تونس وليبيا كدولتين أخلتا بالتزاماتهما الدولية في حماية الدبلوماسيين ؛ الأمر الذي يتهددهما بعقوبات اقتصادية أو تدخل عسكري لحماية المصالح الأمريكية والانتقام لدبلوماسييها ما لم تغير الحكومتان أسلوب تعاملهما من التنظيمات المتطرفة. ولن يكفي اعتذار حكومة تونس وليبيا في تهدئة غضب الأمريكيين إذا لم يرافقه اتخاذ خطوات حازمة لتفكيك الميليشيات المتطرفة ومعاقبة الجناة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.