أكد محمد ضريف الخبير في الحركة الإسلامية، أن العنوان الكبير في علاقة الإسلاميين بالسلطة هذه السنة يمكن تلخيصه في نوع من الانفراج الحذر، وأضاف أن هذا الانفراج جسدته بعض الإشارات الواضحة، أجمعها في تدبير ملف المعتقلين السلفيين وعودة المغراوي، ومبادرة 14 أبريل التي استفاد بموجبها رموز السلفية من أمثال الفيزازي والشادلي من عفو ملكي، ثم إطلاق سراح المعتقلين الخمسة في ملف بليرج، ورفع التحفظ الذي واجه العدالة والتنمية، والتطبيع الكامل مع الحزب. وأشار ضريف أستاذ العلوم السياسية في حوار مع «التجديد»، أن الحركة الإسلامية في المغرب صنعت الحدث ليس فقط في سنة 2011، وإنما قبل عقد من الزمن، بصرف النظر عن النتائج المحصل عليها من طرف العدالة والتنمية في الانتخابات والدور الذي لعبته العدل والإحسان في حركة 20 فبراير. ● كيف تقرؤون حصيلة الحركة الإسلامية في المغرب خلال سنة 2011؟ ●● العنوان الكبير في علاقة الإسلاميين بالسلطة هذه السنة يمكن تلخيصه في نوع من الانفراج الحذر، والذي جسدته بعض الإشارات الواضحة، يتعلق الأمر بتدبير ملف المعتقلين السلفيين، وعودة المغراوي من السعودية إلى المغرب بعد سوء التفاهم الذي وقع في إطار فتوى أو رأي في زواج ذات التسع سنوات. كما يمكن التعبير عن هذا الانفراج بمبادرة 14 أبريل، التي استفاد منها بعض المعتقلين من عفو ملكي، ونشير هنا بالخصوص إلى رموز التيار مثل الفيزازي وعبد الكريم الشادلي. وتميزت سنة الانفراج بإطلاق سراح المعتقلين الخمسة في إطار شبكة عبد القادر بليرج، يتعلق الأمر بالمرواني والمعتصم و الركالة الذين حضوا بعفو ملكي. وبلغ الانفراج ذروته برفع التحفظ الذي واجه العدالة والتنمية وأصبح التطبيع الكامل مع هذا الحزب، تجلى ذلك باحترام ما أفرزته صناديق الاقتراع والتأويل الديمقراطي للدستور وتعيين بن كيران الأمين العام رئيسا للحكومة. من جهة أخرى، تميزت هذه السنة أيضا بانفراج كبير لجماعة العدل والإحسان، إذ أصبحت مضطرة إلى توضيح مواقفها من الحراك الشعبي، بعد أن اتهمت في وقت سابق بأنها تحمل فكرا يناهض الديمقراطية ويسعى إلى إقامة الدولة الدينية. فالعدل والإحسان في إطار مساندتها لحركة 20 فبراير كانت واضحة جدا، تجلى ذلك في دفاعها عن شعار الدولة المدنية والدستور الديمقراطي. وأعتقد أن الجماعة عندما عبرت عن قبلوها بالمكلية البرلمانية ومطالبتها بالدستور الديمقراطي كانت تبعث برسائل أنها ترغب في العمل من داخل الدولة وليس من الخارج. أما فيما يخص علاقة الإسلاميين بالأطراف السياسية الأخرى، فالانفراج بدا واضحا من خلال تطبيع حزب العدالة والتنمية العلاقة مع مختلف الأطراف السياسية باستثناء حزب واحد محكوم باعتبارات سياسية، والجميع رحب بفوز العدالة والتنمية مما أعطاه شرعية انتخابية، كما أصبحنا نتوفر –لأول مرة- على مؤشر واضح في تصنيف الأحزاب، وتجلى هذا الانفراج أيضا لما قبلت كل الأحزاب بالتحالف مع الإسلاميين وتشكيل حكومة مشتركة. وفي نفس السياق، بدا الانفراج بين الإسلاميين والقوى الأخرى واضحا داخل حركة 20 فبراير، أي بين العدل والإحسان واليسار الراديكالي، إذ كان من الصعب تصور حصول تقارب بين الطرفين وقبول العمل في إطار واحد، مما طرح تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى نوع من التعايش بين الجماعة ومكونات اليسار داخل الحركة. خلاصة الأمر، إن سنة 2011 مثلت للحركة الإسلامية انفراجا على مستويين اثنين؛ في علاقتها بالسلطة ثم في علاقتها مع القوى السياسية بمختلف أطيافها. ● هل يمكن القول أن سنة 2011 شهدت تحول الإسلاميين من الهامش إلى المركز؟ ●● بصرف النظر عن النتائج المحصل عليها في الانتخابات من طرف العدالة والتنمية، والدور الذي لعبته الجماعة في حركة 20 فبراير، يمكن أن نجزم أن الحركة الإسلامية صنعت الحدث في المغرب في أكثر من عقد من الزمن، وحتى عندما نرجع إلى خلفيات تشكل حكومة التناوب نجد أن جزء من الخلفيات مرتبط بمحاولة احتواء الإسلاميين، من خلال دفع الأحزاب السياسية إلى ما سمي بحكومة التناوب التوافقي. وظلت الحركات الإسلامية تصنع الحدث بعد ذلك. إذ يتذكر الجميع نتائج الانتخابات في 2002، رغم التساؤلات المطروحة حول حقيقة النتائج، وحصوله على المرتبة الأولى في عدد الأصوات في انتخابات 2007. إذا ظل الإسلاميون يصنعون الحدث سواء من داخل المؤسسة البرلمانية أو خارجها، أقصد العدل والإحسان. ● ما هي العوامل التي ساهمت في التحول الذي عرفته الحركة الإسلامية هذه السنة؟ ●● أعتقد أن أهم عامل في تغيير الصورة، هو أن الغرب بدأ يعيد طريقة التعامل مع عناصر المعادلة الاجتماعية في المجتمعات العربية، هذا التحول دفع الأنظمة الحاكمة إلى السماح بهامش للتيار الإسلامي، كما حصل في المغرب، إذ سمح للحزب بالمشاركة لكن كانت تفرض عليه شروط من أجل الضغط عليه حتى لا يحقق نتائج تمكنه من وتصدر الانتخابات. ثاني العوامل، هو الربيع العربي الذي شكل نهاية مخاض يتم فيه تفكيك منظومة سياسية كانت تستعمل «الفزاعة الإسلامية» بشكل مبالغ فيه، والعالم العربي أثبت أنه ليس في حاجة إلى مسكن وخبز فقط، وإنما إلى الحرية والكرامة.. وهناك عوامل تداخل فيها ما هو سياسي بما هو اجتماعي. ● يرى مراقبون أن حركة التوحيد والإصلاح حققت مكتسبات عديدة خلال السنة الماضية، ما هو تقييمكم لحصيلتها؟ ●● الملاحظ أنه خلال سنة 2011، ظلت حركة التوحيد والإصلاح حريصة على إبقاء مسافة تفصلها عن حزب العدالة والتنمية، بفعل الاتهامات التي كانت توجه للحزب والحركة معا، بكون هذه الأخيرة هي التي تتحكم في الحزب وتشكل قوته الأساسية. طبعا، إن المسؤولين على الحزب ظلوا حريصين على إبراز ذلك التمايز الوظيفي بينه وبين الحركة. كما أن الحركة سايرت التحولات التي عرفها المغرب هذه السنة، من خلال تعبيرها عن مواقفها من الأحداث (خطاب 9 مارس والإصلاح الدستوري وكل ماجرى في المغرب انتهاء بفوز الحزب بنتائج الاقتراع وتكليف الحزب بتكشيل الحكومة..). ● من أجل التدقيق أكثر، ما هو التحول الذي يمكن رصده في سلوك ومواقف السلفيين هذه السنة؟ ●● بداية، لابد من التأكيد على أن أغلبية السلفيين في المغرب كانت لهم مواقف واضحة مقارنة مع إخوانهم في دول عربية أخرى، إذ لالحظنا في الحالة المغربية، منذ انطلاق حملة الاعتقالات في صفوف السلفيين أنهم كانوا يتبرؤون من العنف ويدافعون عن الدولة والملكية، وفي هذا الصدد، نتذكر آخر كلمة قالها الفيزازي قبل أن يصدر الحكم ضده. وفي نفس الاتجاه، فقد ظل السلفيون يرفضون هذه التسمية ويعتبرون أنفسهم أهل السنة والجماعة ويرفضون رفضا مطلقا أن يصنفوا في خانة السلفية الجهادية، مع وجود استثناءات قليلة دافعت عن العنف كحالة يوسف فكري، ولذلك انبرت بعض القوى السياسية كحزب العدالة والتمية والقوى الحقوقية للدفاع عن براءة هؤلاء، ومطالبة الدولة بتوفير شروط المحاكمة العادلة. أنا لا أعتقد أن هذه السنة غيرت مواقف السلفيين في المغرب، هي ربما صححت سوء تفاهم مع ما يسمى السلفية الجهادية ممثلا في الفيزازي بشكل أساس، أو مع التيار السلفي التقليدي ممثلا في محمد بن عبد الرحمان المغراوي. لكن اعتقد ان هذه السنة، جعلتنا نرصد الرغبة في المشاركة السياسية التي كانت غير موجودة في السابق، ربما كان السلفيون يرغبون في العمل داخل الجمعيات كجمعية القرآن والسنة للمغراوي، وكنا نعلم أن الفيزازي قبل اعتقاله كان يسعى إلى الحصول على اعتراف قانوني بتأسيس جماعة أهل السنة والجماعة. لكن ما ميز التوجه السلفي سنة 2011، وارتباطا بما يحصل في مصر، انتقلت السلفية إلى الاهتمام بالشأن السياسي إلى جانب الدعوي، فالفيزازي الذي كان يقدم نفسه كفاعل دعوي، يركز اليوم أنه فاعل دعوي وسياسي في نفس الوقت، وقد دعا منذ خروجه من السجن إلى حركة تصحيحية من داخل حركة 20 فبراير، ومؤخرا لوّح بتأسيس حزب سياسي، كما أن هناك مجموعة من السلفيين أسسوا ما سمي بالحركة السلفية المغربية من أجل الإصلاح وجعلوها إطارا يمهد لتأسيس الحزب في المستقبل. ● ما هي التحولات التي يمكن رصدها في سلوك العدل والإحسان هذه السنة؟ ●● دائما عند الحديث عن جماعة العدل والإحسان، أنطلق من فكرة بسيطة أومن بها من خلال قراءتي لأدبيات الجماعة ومن خلال معرفتي الشخصية بكثير من رجالها سواء في القيادة أو القاعدة، الجماعة تشتغل من منظور إصلاحي، أي تشتغل من داخل الدولة وطبعا لها شروط من أجل تأسيس حزب سياسي، مع العلم أنها أسست «حزبا سياسيا» في يوليوز سنة 1998، اسمه الدائرة السياسية، كما أصبحت الجماعة تعبر عن مواقف واضحة وتقدم نفسها كقوة إصلاحية وليست سلطة زاحفة. وبالتالي فالعدل والإحسان فعلت الكثير للتقرب من السلطة، بالمقابل، هناك بعض الجهات من داخل مربع القرار تحرص على تقديمها على أنها جماعة متطرفة وتناهضها كما ناهضت حزب العدالة والتنمية. ما ميز سنة 2011، أولا، أن الجماعة أوردت مواقفها بشكل واضح فيما يخص الدولة المدنية واللجوء إلى صناديق الاقتراع، واعتماد دستور ديمقراطي يمنح السلطة إلى الذين يحظون بتفويض شعبي من خلال صناديق الاقتراع. طبعا لها تحفظات على الدستور الحالي وحتى الحكومة الحالية، لكن ذلك لايختلف عن أحزب يسارية تتمتع بالشرعية القانونية كالنهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد. ثانيا، إن الجماعة أبدت القدرة على التعايش مع نقيضها داخل حركة 20 فبراير، إذ استطاعت التعايش مع اليسار رغم انسحابها لأمور تخصها. ثالثا، الجماعة تطمح إلى تأسيس حزب سياسي، وأعتقد أن السلطة بإمكانها الاستفادة من الربيع العربي، لأن الجماعة لاتشكل استثناء وبالتالي ينبغي تمتيعها بحقوقها في تمثيل المواطن.