الأكيد هو أن الحياة داخل القصر الملكي شقين، الشق الرسمي الظاهر وهو يخضع لقواعد البروتوكول التي تقوم عليها وزارة القصور والتشريفات والأوسمة، أما الشق الثاني فهو المتعلق بالحياة اليومية، وقد تختلف من قصر إلى آخر، كما أن الأمر يختلف كثيرا بين عهد الملك الراحل الحسن الثاني وعهد الملك محمد السادس باعتبار أن الأول اختار أن يكون القصر الملكي فضاء حياته الخاصة، في حين اختار الملك محمد السادس الإقامات الملكية وابتعد عن القصور. هذا علاوة على تدبير أمور القصور الملكية اختلف كليا بين العهدين ،في هذا الموضوع أجرى حسن الخباز حوارا مع إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل. كيف هي الحياة داخل القصر الملكي من حيث الأجواء والطقوس ، وهل تبقى نفس الطقوس سارية حتى عند عدم وجود الملك بالقصر ؟ بادئ ذي بدء وجبت الإشارة إلى أنه لم يسبق أن وطأت أقدامي قصرا ملكيا أو حضرت أية مناسبة، رسمية أو غير رسمية بأحدها، وكل ما كتبته بهذا الخصوص، سواء في الصحافة المكتوبة –سيما في الملفات التي نشرتها أسبوعية "المشعل"- أو على شبكة الإنترنت في المواقع التي أتعاون معها منذ سنوات، كل ذلك هو نتيجة للبحث والتقصي ولقاءات مع جهات عالمة وقراءات لما سبق أن نشر بهذا الخصوص محليا " ودوليا". وفيما يتعلق بسؤالكم فإنه " سؤال نهر " كما يقول الفرنسيون ولا يمكن الإحاطة به بهذا العجالة التي يتطلبها المقام والمجال. لكن الأكيد هو أن الحياة داخل القصر الملكي شقين، الشق الرسمي الظاهر وهو يخضع لقواعد البروتوكول التي تقوم عليها وزارة القصور والتشريفات والأوسمة، أما الشق الثاني فهو المتعلق بالحياة اليومية، وقد تختلف من قصر إلى آخر، كما أن الأمر يختلف كثيرا بين عهد الملك الراحل الحسن الثاني وعهد الملك محمد السادس باعتبار أن الأول اختار أن يكون القصر الملكي فضاء حياته الخاصة، في حين اختار الملك محمد السادس الإقامات الملكية وابتعد عن القصور. هذا علاوة على تدبير أمور القصور الملكية اختلف كليا بين العهدين. ومادام لا يمكن الحديث عن كل القصور الملكية، من الأفيد الاقتصار على القصر الملكي بالرباط، الذي فضل الملك محمد السادس أن لا يقيم فيه وإنما جعله كفضاء للعمل والمراسيم الرسمية، في حين كان والده الراحل الحسن الثاني يقيم به رغم كرهه له بعد الانقلابين العسكريين، بعد أن أصبح يحرس سقف طابقه الخامس، حيث كان الملك يقضي أكثر أوقاته، 60 حارسا على الأقل، ليل نهار، حسب أسر لي بهذا الباحث عبد الكريم الفيلالي. وبخصوص هذا القصر كانت الأجواء والطقوس دون تغيير سواء كان الملك حاضرا به أو لا، فهناك أجزاء مفتوحة وأجزاء أخرى مغلقة لا يلجها إلا من هم مسموح لهم بذلك، وكل المتواجدين بالقصر –ماعدا أفراد العائلة الملكية طبعا- يحملون "بادجات" وحسب درجة كل واحد من العاملين بالقصر، يحمل "بادجا" خاص به، وحسب نوع "البادج" يمكن ولوج فضاءات، إذ هناك "بادجا"خاص بالفضاءات العادية وعدم تجاوزها، وأخرى خاصة بالفضاءات المغلقة، وهناك فضاءات مغلقة لا يلجها إلا بعض الأشخاص القلائل بمعرفة الملك وعلمه. "" تغيرت بعض الطقوس مع قدوم الملك الجديد في نظركم أين تتجلى أهم الطقوس البائدة وما أهم الطقوس التي لازال العمل بها جاريا ؟ كما قلت سابقا هناك فرق واضح بين الملك محمد السادس ووالده، فالأخير كان يحب الفخامة والبهرجة في كل شيء، حتى في حياته الخاصة، أما ابنه فقد فضل الإقامات الخاصة عن القصور والفضاءات المحدودة الضامنة لأجواء "حرارة" الحياة الزوجية والسرية، وهذا فرق يؤدي بالنتيجة لاختلاف بعض جوانب نمط العيش بين الملكين (الأب والابن)، إلا أنه عموما، قواعد البروتوكول وضوابطه تظل قائمة، وهذا بشهادة الملك محمد السادس في بعض خطاباته ولقاءاته الصحفية مع جملة وسائل الإعلام الأجنبي. لقد أضحى معروفا عن الملك محمد السادس نفوره من القصور وكذلك الأمر بالنسبة للفخامة والبهرجة ويستحسن البساطة. كما أن التغيير حصل كذلك في نهج تدبير وتسيير القصور الملكية وهذا أمر لاحظه الجميع بهذا الخصوص، تقلصت أعداد العاملين بها وتمت إعادة تنظيم المهام والتكليفات بطريقة أضخت تضمن الشفافية أكثر، علما أنه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان تدبير القصور الملكية بين يدي الجيش. ما هو العدد التقريبي لخدم القصر الملكي وما هي المهام المنوطة بهم ؟ماهي المعايير المطلوب توافرها في خدم القصر ...؟ لا يمكن الوقوف على عدد العاملين بالقصور وكل المهام المنوطة بهم، لكن يمكن التقرب من حجمهم حسب المعطيات المتوفرة بخصوص ميزانية تسيير القصور وهو معطى قد يستشف منه المرء أهمية العدد. لكن عموما وجب التمييز فيما يخص العاملين بالقصور الملكية بين قسمين، القسم الإداري العصري، وهو الذي يهم كل من له صفة موظف، والقسم الثاني، وهو الأكثر تسترا ولا يتوفر بخصوصه معلومات شافية، خدم وعبيد القصر، وهم الخادعين لقواعد وضوابط البروتوكول منذ قرون، ومنهم عائلات توارثوا خدمة القصور أبا عن جد، ويمكنكم الرجوع إلى عدد أسبوعية "المشعل" الخاص "خدم القصور" وفيه ما يشفي كإجابة على سؤالكم. أما المعايير المطلوب توافرها، قد تكون واضحة ومعلومة بالنسبة للقسم الأول، أما بالنسبة للقسم الثاني فهو أمر مغلق لا يعلمه إلا المقربون. كيف يعيش الملك داخل القصر ، وهل يتخلص من الطقوس السلطانية؟ من الصعب الإجابة بدقة على هذا السؤال، لأنه مرتبط بجوانب حميمية يكاد أن يكون من المستحيل الوقوف على تفاصيلها، فالأمر يتعلق بالحياة الخاصة، وهو حق لكل واحد يديرها كما يريد ورغم أن الصحافة تقتحم من حين لآخر بعض جوانب الخاصة للملك وأفراد العائلة الملكية لأنها أهم الشخصيات العمومية بالبلاد، إلا أن القاعدة تجاوز الحدود بخصوصها. هل لازال لسكان التواركة امتيازات ، وأين يتجلى نفوذهم مقارنة مع الشعب المغربي ؟ تعود الخلفية التاريخية لخدم وعبيد المخزن إلى قرون خلت، منذ عهد الموحدين والفاطميين.. وينتظم الخدم والعبيد في القصور الملكية ضمن منظومة تراتبية محددة سلفا وحسب فرق لكل قائدها، كما أن هناك خدام الحريم وهم يخضعون لمعايير خاصة، علما أن الملك محمد السادس قد ألغى الحريم منذ اعتلائه عرش البلاد. ويمكن القول أن ساكنة القصر والعاملين به من خدم وعبيد يشكلون "مجتمعا" مصغرا له قواعده وضوابطه وآليات إعادة إنتاجه كما هو. كما تجدر الإشارة إلى أن الأميرة سلمى قد اختارت التخلي على جملة من الخدم وتعويضهم بخريجي المعاهد الفندقية للعمل في الإقامة الملكية. أما فيما يخص "تواركة" فهي فضاء سكاني يشكل مدينة مستقلة تضم كل المرافق والتجهيزات والتنظيم الإداري. ظل أهل تواركة يحظون بوضعية خاصة ويخضعون لإجراءات تميزهم عن باقي العاملين في الوظيفة العمومية وعن المواطنين العاديين. إذ لا يخضعون في حالة ضبطهم خارج القانون إلا لمسائلة واستنطاق شرطة المشور. وفيما يتعلق بالامتيازات، فعلا، في عهد الحسن الثاني، كان العديد منهم يستفيدون من امتيازات ( "كريمات، سكن، بقع أرضية في التجزيئات...".( أصبحت نسبة مهمة من أخبار القصر تتسرب إلى الصحافة ، حيث صار خدام الملك يحاكمون هل في نظركم المحاكمات الأخيرة هي فقط القمة التي تخفي جبل الثليج؟ وكيف ذلك؟ إن ما حدث في العهد الجديد من محاكمات ومتابعات أشخاص قريبين من القصر أو عاملين به يؤكد أن هناك جملة من الأشياء تغيرت هذا أمر لا يحتاج لأي دليل، وأمر مستحسن، باعتبار أن جميع المغاربة متساوون أمام القانون وخاضعين له دون تمييز، أما بخصوص هل ما حدث هو مجرد نزر قليل مما هو واقع، فسيظل رهين بمسار تكريم التربية على المواطنة وعلى حقوق الإنسان والإقرار بدولة الحق والقانون ودولة المؤسسات، والنضال من أجل التصدي لمختلف أشكال التمييز والحظوة، وهذا أمر مرتبط بموازين القوة، في نهاية المطاف في مجتمع مثل المغرب.