إن إفلاس الملاكمة المغربية خلال العشر سنوات الماضية بما فيها الألعاب الأولمبية لندن 2012 حيث عاد المنتخب المغربي بخفي حنين حاملا إفلاسا يؤكد إخفاق الفن النبيل الملاكمة لثلاثة دورات أولمبية منذ دورة أثينا 2004 (المشاركة بخمسة ملاكمين) و دورة بيجين 2008 (المشاركة بعشرة ملاكمين) ، ودورة لندن 2012 (المشاركة بثماني ملاكمين) بالتوازي مع الإخفاق في بطولات العالم منذ 2002 إلى حدود الساعة. والغريب أن هذه النتائج نتائج سلبية يتحمل مسؤوليتها نفس الفريق و نفس الوجوه و نفس الرئيس منذ 10 سنوات و نيف قليل، حذرهم خبراء الملاكمة الوطنية منذ كذلك عشر سنوات سواء عبر كتاب " دراسة نقدية لواقع الملاكمة الوطنية" 2002 أو عبر كتاب " التكنولوجيا الحديثة للرياضة - الإعلاميات المطبقة على الملاكمة نموذجا" 2004 ؛ فلماذا أخفقت الملاكمة المغربية في التتويج الأولمبي و الدولي خلال العشر سنوات الفارطة؟؛ على امتداد تقريبا ثمانين سنة من 1918 إلى 2000 كان الملاكم المغربي لا يشق له قفاز في بطولات العالم و الألعاب الأولمبية، وقد سجل المغرب اسمه من ذهب في بطولات العالم والألعاب الأولمبية حيث فاز بالعديد من الألقاب العالمية احتراف و هواة، و كان ترتيبه بين الثاني والثالث والرابع في عدد من محطات بطولة العالم، وقد حاز في ثلاثة دورات أولمبية على النحاس الأولمبي، بل إن فترة 1985-1996 أرخت لنسبة 9 في المئة من الميداليات الفضية التي فاز بها المغرب كانت فضيات كأس العالم ، وشكلت نسبة 11 في المائة من الميداليات النحاسية التي فاز بها المغرب في نفس الفترة ميداليات أولمبية و 5 في المائة من النحاسيات حصل عليها في بطولة العالم للملاكمة، وكان هذا التتويج وليد عمل قوي وجاد لكل طاقات أبناء الملاكمة المغربية حيث كانت الجهود تتضافر والكل يذوب في بوتقة واحدة ألا وهي رفع العلم الوطني أبيا في المحافل العالمية للملاكمة ، لقد كانت حينئذ إمكانيات الجامعة الملكية المغربية للملاكمة متواضعة إن لم نقل هزيلة، لكن رصيدها الحقيقي حينها كفاءة أبنائها البررة من مختلف التخصصات، حيث كانت توزيع و تنسيق للأدوار و المهام بين الإداري والتقني والملاكم في جو تطبعه المحبة و أخلاق الفن النبيل والإخلاص للوطن مما مكن من سد الثقوب التي تظهر من الفينة و الأخرى وتعويض ما يحتاج من امكانيات مادية بإمكانيات الموارد البشرية التي شكلت أسرة واحدة تتفاعل مع الجامعة الملكية المغربية للملاكمة، لم يقض حكم يوما ليلته خارج مدينته في الفنادق عندما تعينه الجامعة للتحكيم بل كان ينزل ضيفا على مدرب أو مسير ويعلو الصياح و الشجار حول من يفوز باستضافة الضيف الحكم في بيته، لم يكن الإداري أو عضو المكتب المسير يتقاضى تعويضا وهو متطوع للمهام التي ينجزها للجامعة، بل كان يغطي الخصاص المالي لمهمته من جيبه وهو منتشيا فرحانا، لقد كانت القداسة تمطر احتراما و تقديرا و حبا بين أعضاء عائلة الملاكمة المغربية، لم تدبر الملاكمة الوطنية خصوصا ما بين 1956 و 2002 بالمال و اللهث ورائها، بل بأخلاق رياضة وصفت بالنبيلة و الشريفة وكل ما شئتم من خصال الفرسان التي شكلت خرطوم ماء إطفاء الفرقة و ثقافة التشتيت التي حاول بعض الدخلاء على أسرة الملاكمة بثها ليتمكنوا من التحكم في زمامها خصوصا خلال العشر سنوات الأخيرة حيث شهد المغرب انتكاسة أبعاد متعددة في الملاكمة كان ثمرتها افتقاد الملاكمة المغربية للتتويج الأولمبي والعالمي في بطولة العالم، لنتساءل لماذا هذا الإخفاق والاكتفاء فقط بالنتائج القارية و الجهوية؟ هل هي أزمة قيم و أخلاق، و تشتت وتشرذم كما ورد في المقدمة؟ أم هي أزمة موارد مالية؟ أم أزمة موارد بشرية؟ أم غياب الرؤية و الإستراتيجية العلمية؟ أم غياب البنى التحتية و العمل القاعدي على مستوى العصب و الأندية؟ أم أزمة قيادة على المستوى المركزي؟ أم أزمة تقنية صرفة لثاني رياضة الأكثر تتويجا في المغرب بعد ألعاب القوى؟. إن إخفاقات الملاكمة الوطنية أولمبية و عالميا خلال العشرية الأخيرة 2002 – 2012 تضع أكثر من استفهام وظيفي و مفصلي بعيدا عن السطحية، لابد أن نمتلك الشجاعة للإجابة الصحيحة لتلمس الحلول الصحيحة بعيدا عن الصور الوردية التي ينشرها بعض الإعلام الرياضي «الحياح» الذي فقد قدسية المهنية و موضوعية الصحافة المواطنة، بعيدا عن بعض الإعلام «الحياح» الذي تراه في كل واد يهيم ويصيح، مع التحلي بالشجاعة والمواطنة والعلمية والخبرة التقنية الدولية في مجال الملاكمة ، للإجابة عن سؤال لماذا أخفقت الجامعة الملكية المغربية للملاكمة خلال العشر السنوات الأخيرة في التتويج الأولمبي والعالمي الرسمي؟؛ ولملامسة الهدف مباشرة و بدقة هناك أربعة أسباب أساسية، طبعا هناك العديد منها: 1 - السبب الأول: الأندية والامكانيات البشرية والمالية: يمكن القول أن كتاب «دراسة نقدية لواقع الملاكمة الوطنية» سنة 2001 (موجود بالمكتبة الوطنية) وضع الإصبع على العامل الرئيسي لعدم التتويج الأولمبي في العشر السنوات المقبلة حينها (2002-2012) حيث تنبأ بالعشر السنوات الأولمبية العجاف القادمة وارتكز الكتاب في استنتاجه هذا على تحليل هرم المواد البشرية في الأندية و العصب فوجده هرما مقلوبا حيث شكلت آنذاك فئة الكبار 78 في المائة والشبان 15 في المائة و الفتيان 7 في المائة، في الوقت الذي كان لزاما وجود نسبة الفتيان 50 في المائة و الشبان 30 في المائة والكبار 20 في المائة على اعتبار أن التصفية لابد أن تمارس على مستوى القواعد ومن يصل إلى صنف الكبار فلأجل الصقل و التتويج لا العكس حيث يتم هدر استثمار المال والوقت والإمكانيات الكبرى مع الكبير المعرض إما لاحتمال المغادرة بفعل عامل السن أو الإقصاء لعدم القدرة على التأقلم مع الصقل الشاق للملاكمة و بالتالي ضياع التتويج، كما أن كتاب «دراسة نقدية لواقع الملاكمة الوطنية» اعتمد في استشرافه منذ 10 سنوات سابقة عن عدم قدرة الملاكمة في التتويج ما بين 2002 و 2012 على دراسة مسار المتوجين عالميا من المغاربة خصوصا الأولمبيين حيث درس مسار الملاكم عشيق عبد الحق ومحمد والملاكم طاهر التمسماني الذين مارسوا الملاكمة من فئة الصغار إلى أن وصلوا فئة الكبار و هو ما يثبت صحة النظرية التي أشرنا إليها، أضف إلى أن إمكانيات العصب و الأندية المالية تبقى ضعيفة جدا لا تتماشى مع التطور التقني و القانوني للملاكمة و العلمي عموما للرياضة الذي يتطلب أدوات و بنى تحتية جد متطورة لصناعة الملاكم البرعم ليشب على الممارسة السليمة للملاكمة، ليسلم إلى المنتخب قصد الصقل حتى لا يتحول المنتخب الوطني للملاكمة إلى صناعة الملاكمين وهذه ليست وظيفته، فتنحرف مهمة المنتخب الوطني و يتيه في متاهات لا أول لها ولا آخر. 2 - السبب الثاني: غياب روح وفلسفة التكنولوجيا الحديثة للرياضة في الملاكمة أشار إصداري لكتاب «التكنولوجيا الحديثة للرياضة – الإعلاميات المطبقة نموذجا» سنة 2004 إلى أن غياب التحكيم الالكتروني عن الساحة الوطنية يضع الملاكمة الوطنية في خانة الممارسة و التدريب المتخلف منهاجا وبرنامجا وعندما نتحدث عن التحكيم الإلكتروني ليس بالمفهوم الذي أراده الرجل رقم 2 في الجامعة والذي تقلب بين منصب الكاتب العام في ولاية الرئيس الحالي الأولى و منصب الرئيس المنتدب في ولاية الرئيس الحالي الثانية و المدير العام لجامعة الملاكمة بامتيازات كبيرة خلال الولاية الثالثة و الحالية للرئيس الحالي، والذي فهم التحكيم الإلكتروني حسب ثقافته و تكوينه واختزل التحكيم الإلكتروني في الكمبيوتر والبرنامج المثبت عليه وفي ذلك الشخص الذي يشغله ليس إلا، لقد عمل أحد الخبراء الدوليين المغاربة المتخصص في مجال التحكيم الالكتروني على اختزال 14 سنة من التعثر والتخلف عن قاطرة التحكيم الالكتروني بالمغرب واستطاع بجهد خرافي أن يدخل هذه التكنولوجيا إلى المغرب في ظرف 3 أشهر وهي معجزة، وكان يخطط لتكوين خبراء مغاربة في مجال التحكيم الإلكتروني ليس فقط على مستوى المكننة، بل على مستوى التقانة والفلسفة بل وتكوين المدربين على أسرار إدارة مقابلات الملاكمة الخاضعة لقانون التحكيم الإلكتروني الذي أصبحت تتحكم فيه خطط تقنية عالية وجديدة تعتمد على الزوايا و قياس دراجاتها والأخذ بعين الاعتبار مجال الرؤية، وإدارة دقيقة الراحة، بل أثر ذلك حتى على آليات و أدوات و خطط و برامج التدريب، ليحارب هذا الإطار الدولي وسيطرد من الملاكمة الوطنية بشكل نهائي. 3 - السبب الثالث: التحكيم التحكيم عصب الملاكمة وشريان حياتها وقلبها النابض، التحكيم مصفاة للملاكمين و أداة للتقويم و التقييم للأداء، التحكيم في الملاكمة يختلف كل الاختلاف عن معظم الرياضات الأخرى، لا يمكن للملاكمة في أي زمان ومكان أن ترتقي إلى النجومية العالمية إذا لم يرتقي التحكيم إلى النجومية والعالمية، إلا أن التحكيم بالملاكمة المغربية شكل منذ عقود طويلة أحد نقط قوتها وضعفها في نفس الوقت لقد اثبت الحكم الدولي المغربي جدارته وقوته وكفاءته على المستوى الدولي وفي المحافل العالمية وكان يتوج من بين الثلاثة الأوائل لكن هذا الحجم الدولي كان يقابل بالتقزيم على المستوى الوطني داخل الجامعة حيث كان يركن على الرفوف أو يجمد داخل لجنة التحكيم ويوكل ويحصر أمر التحكيم والحكام إلى اسم أو اسمين يتناوبان باستمرار على إدارة التحكيم المغربي بأشكال لا تخدم مصالح الملاكمة المغربية بل كان الاسم أو الاسمين المشار إليهما في عالم التحكيم يتكتلون مع قوى دخيلة على الملاكمة وبالتالي، لا يمكن الحديث عن التكوين والتكوين المستمر ولا عن الإنصاف والعدل في المشاركة داخل المغرب وخارجه، وغير ذلك كثير مما أفقد التحكيم المغربي جودته و كفأته بل وإلى طرد العديد من الأسماء الدولية ذات الكفاءة العالمية لا لشيء إلا لأنها صدعت بالحق ، وإلا كيف نفهم أن لجنة التحكيم لم تجتمع منذ 10 سنوات، ومن يشارك في المحافل والمنافسات الدولية من الحكام لا يصل عددهم لعدد أصابع اليد الواحدة، حيث تدخل المحسوبية والزبونية وتصفية الحسابات و صراع الأجنحة مع بعضها البعض. 4 - السبب الرابع: وجود الرجل رقم 2 بالجامعة الملكية المغربية للملاكمة: الذي تقلب خلال العشر السنوات الأخيرة بين ثلاثة مناصب كانت مفصلية في صناعة القرارت وتجسيده على الواقع، هذا الرجل تقلد سنة 2002 منصب الكاتب العام وبعدها في الولاية الموالية نصب رئيسا منتدبا وبعدها تم إخراجه من الجامعة بضغط من الأندية و العصب ليعود بعد سنة إلى الجامعة كموظف يشغل منصب المدير العام، هذا الرجل امتص كل انجازات الجامعة الملكية المغربية للملاكمة و أفرغها من أطرها الدولية البارزة خصوصا الحكام، لا يمكن أن تتوفر على ملاكمة من مستوى عالي إذا قضيت على حكام من مستوى عالي، لقد استطاع طرد كل من انتقده خصوصا أصحاب الكفاءة التقنية بأشكال مختلفة، وامتص كل المشاريع التي قدمها أطر الجامعة، بل دخل في صراعات مع العديد من الأسماء الوازنة في الملاكمة مما أفقدها سر قوتها و تتويجها الأولمبي والعالمي ألا وهو مواردها البشرية المتطوعة، لقد مسح رقم 002 بجامعة الملاكمة كفاءة وقوة الأطر المغربية الدولية والذي ثقبا كبيرا في عجلة الجامعة التي يفرغها من كفاءاتها ووحدة كلمتها وتجانسها و لحمة صفها عبر شراء الولاءات بأشكال مختلفة غير مرئية ويصعب التدليل عليها. إن الشخص المشار إليه في هذه النقطة أدخل الرأي العام المغربي في مشاريع إلى حدود الساعة لا نعلم حقيقتها بشكل مفصل ولا فكرة للمتتبع عن أغلفتها المادية وعن متى وكيف أطلقت و من يتتبعها و من ينجزها و التي ترواح مكانها منذ سنين من قبيل سبيل السرد لا الحصر :عدم إتمام مجموعة من المشاريع كأكاديمية الملاكمة، مشروع رياضة ومدرسة بأزمور، مشروع مدارس الملاكمة داخل دور الرعاية، مشروع مكننة التحكيم وفق المعايير الدولية و الضوابط العلمية، وغير ذلك كثير. إن إشكالية رياضة الملاكمة المغربية التي أصبحت مرهونة بين أيدي شخصين منذ 10 سنوات ستبقى لعشر سنوات المقبلة على هيئتها الحالية إذا بقيت الأمور داخل السياق العام العادي على اعتبار أن أي جمع عام عادي سيفضي إلى نفس معظم الأسماء الحالية التي احتكرت لنفسها تدبير الملاكمة خلال العشر سنوات العجاف الماضية أو سينتدبون من ينوب عنهم و يقدمونهم للانتخابات و سينحج على اعتبار أنهم يتحكمون في رقاب العديد من الأندية و الفعاليات داخل الملاكمة الوطنية بأشكال و أساليب و آليات مختلفة، مما يحيل على ضرورة خلق لجنة مؤقتة من فعاليات ذات كفاءة عالية بحس وطني عالي جدا كذلك و حل المكتب الجامعي الحالي الفاشل. *القاضي والحكم الدولي للملاكمة خبير دولي في التحكيم الإلكتروني