يتناول الفصل 86 من الدستور المغربي الجديد مسألة صدور القوانين التنظيمية المشار إليها في العديد من مواده وفصوله، حيث يقول منطوقه: (تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المصادق عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور). وهناك ضرورة ملحة اليوم لتسليط الضوء على إمكانات تطبيق مقتضيات الفصل 86 من الدستور الجديد في الآجال المحددة دستوريا، خاصة وأن هذا الفصل يؤكد على ضرورة عرض كل مشاريع القوانين التنظيمية وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات؛ سواء من حيث التصور أو التقييم أو التوقعات. وتحليل المعطيات ذات الصلة بتطبيق مقتضيات الفصل 86 من الدستور الجديد، وتلكؤ الحكومة الحالية في الإعلان عن مخططها التشريعي إلى حدود الساعة، يفسر إيلاءنا أهمية قصوى لموضوع إصدار هذه القوانين التنظيمية، بالنظر إلى أدوارنا ووظائفنا كفاعلين سياسيين فيما يتعلق بالجانب التشريعي، خاصة من حيث ما يمكن استقراؤه من معطيات مرتبطة بالواقع السياسي والمؤسساتي بالمغرب، الذي يعد المجال الذي سيرعى عملية أجرأة مقتضيات الدستور الجديد. وفي إطار التجاوز الإيجابي للمشاكل، على الحكومة بدل التلكؤ في مباشرة الاشتغال على المخطط التشريعي أن تكون حريصة كل الحرص على المساهمة في تدليل الصعاب التي يمكن أن تعترض التطبيق العملي والواقعي لمقتضيات الفصل 86 من الدستور، والتي يمكنها أن تعرقل ورش الإصلاح القانوني والمؤسساتي، وتعمل بذلك على المزيد من تكريس الموقف السلبي من العملية السياسية برمتها، وتساهم في إشاعة الإحساس بلا جدوى العمليات الإصلاحية، وتقوي منحى تعميم فقدان الثقة في المؤسسات. كما على البرلمانيين بالغرفتين معا العمل على رفع تحدي الحد من إضعاف المؤسسة البرلمانية، والانخراط في الوقوف على أسس وركائز السياسات والإصلاحات المعتمدة في النظام التشريعي وفق المنظور الدستوري الجديد، ورصد عوامل إنجاح عملية استكمال الإصلاح الدستوري والمؤسساتي والقانوني، والمساهمة في إثارة الانتباه إلى معيقات هذا النجاح، لملامسة مداخل التطبيق الأمثل لمقتضيات الفصل 86 من الدستور. وللتذكير، فإن مقتضيات هذا الفصل جاءت في إطار الإرادة السياسية العامة لدى كافة مكونات المجتمع المغربي، التي كانت تهدف إلى تسريع وتيرة الإصلاح الدستوري والمؤسساتي والقانوني خلال الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور، خاصة وأن الانتظارات لا تزال كبيرة والتحديات عميقة والطريق طويلا أمامنا. وهو ما كان يفرض على الحكومة الحالية بمجرد تنصيبها الالتزام بتقديم خارطة طريق تحدد برنامج استكمال إصلاح المنظومة القانونية والمؤسساتية، وهو للأسف ما لم يحصل حتى بعد مرور قرابة عشرة أشهر من عمر الحكومة ذاتها. إزاء هذا التحدي، الذي كان يفرض وضع برنامج استعجالي بهذا الخصوص من قبل الحكومة، يروم إعطاء الإصلاح نفسا جديدا، معتمدا في مرجعيته على المقتضيات الدستورية الجديدة، وآخذا بعين الاعتبار التحديات المطروحة على الساحة السياسية من حيث ضرورة مباشرة ما تبقى من الاستحقاقات الانتخابية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية، يلاحظ على الحكومة الحالية أنها لم تبرح بعد وضعية التفكير في طريقة التخطيط والبرمجة لعمليات التفعيل والأجرأة لمقتضيات الدستور الجديد، عبر إصدار القوانين التنظيمية وإجراء تغييرات وتعديلات في العديد من القوانين العادية التزاما بمبدأ دستورية القوانين. وهو ما يطرح استفهاما كبيرا حول ما إذا كان للحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية أي تصور حول موضوع المخطط التشريعي الذي لا يمكن لمقتضيات الدستور الجديد أن تستقيم بدونه. والسؤال الجوهري بهذا الخصوص هو: هل كان حزب العدالة والتنمية وهو يعبئ للدستور الجديد كما وهو يتنافس على قيادة العمل الحكومي مدركا لحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الجهاز التنفيذي بخصوص التخطيط والبرمجة والتنفيذ فيما يخص أجرأة مقتضيات الفصل 86 من الدستور الجديد؟ واقع الحال اليوم يدفعنا إلى الجواب على السؤال بالنفي، إلى أن يثبت العكس.