ترددت كثيراً قبل الكتابة في الموضوع خصوصاً بعد ما أثارته الكاتبة والمخرجة بشرى إيجورك في مقابلتها الإذاعية مع "راديو بلوس" برفقة المغني السابق والمنشط الحالي عادل بلحجام. ورغم أنه لا يخفى على كثير من أصدقائي إعجابي بالمخرجة بل ومتابعتي الدائمة لكتاباتها سواء في الفترة التي عملت فيها في صحيفة "المساء" أو عند انتقالي للعمل في الخليج، غير أن تصريحاتها بشأن مغربيات الخليج أثارت حنقي وألمي وصدمتي ككثير ممن يعيشون ويعملون في الخليج العربي رجالاً ونساءً. والسبب في ذلك ليس صدق التصريحات من عدمها، ولكن ما أثار استغرابي عدا عن غضبي هي الطريقة التي تم تعامل بها مع الموضوع وفخ التعميم الذي سقطت فيه الكاتبة حتى أذنيها للأسف. لا أحد ينكر أن الصورة النمطية المغلوطة (وأشدد هنا على كلمة المغلوطة) عن المرأة المغربية في الخليج قد تفشت بصورة مرضية مرعبة في الكثير من وسائل الإعلام في المشرق عموماً والخليج خصوصاً، وهي صورة سلبية بكل المقاييس تحصر المرأة المغربية في أنها كائنة مادية وصولية جاهلة وخبيثة تبحث عن المال والشهرة وإن أكلت بثدييها. ولا يستطيع أحد إنكار وجود مثل هذه النماذج المسيئة لصورة المغرب والمغاربة عموماً، والتي يتفق الجميع على محاربتها وتفعيل طرق لمقاربة مشاكلها على اعتبارها فئة ضلت طريقها إما بطيب خاطر أو عبر إكراهات كثيرة. غير أن السؤال الذي يجب طرحه: هل فعلاً جميع المغربيات في الخليج هن مشاريع لشخصية "نوال" التي جسدتها المخرجة بشرى إيجورك وقالت أنها لم ترَ غيرهن في دبي إحدى أهم مدن الخليج؟ الجواب القطعي بالنسبة إلي أنا الذي أعمل في الإمارات منذ سنة ونصف السنة هو لا والسبب بسيط جداً. فمن عاش في الخليج عموماً ودبي خصوصاً يعرف أن المغربيات لم يتركن مجالاً شريفاً إلاّ وتراهن فيه فمنهن الطبيبات والمهندسات ومديرات المؤسسات والمحاميات بل وحتى الواعظات الدينيات. وقد عملت في مدينة دبي للإعلام التي قالت المخرجة أنها زارتها لأكثر من سنة وأكاد أجزم من واقع خبرتي أنه لا توجد مؤسسة إعلامية كبيرة كانت أم صغيرة إلا وتجد فيها العديد من الأطر المغربية نساء ورجالاً. وتلك النساء هن في نظري الغالبية العظمى من بنات المغرب في الخليج، ولكنها للأسف أغلبية صامتة، تعمل وتنجز وتناضل أحياناً في صمت ودون ضجة أو أضواء، بل إن بعضهن يتحرجن من إبراز هويتهن المغربية بسبب ما بات يلصق بنساء المغرب من تهم وصور سلبية. على الجانب الآخر، تتصدر "نوالات" بشرى إيجورك المشهد - رغم قلتهن بالمقارنة مع حرائر المغرب في الخليج - فيظهر لمن لم يخبر أحوال الخليج أنهن غالبية المغربيات. ومع توافق هوى خليجي وعربي لهذه النماذج وسخط مغربي عليهن، يصبح حديث الساعة هن "النوالات" فتنتج المسلسلات وتكتب التقارير وتنشر المقالات والتغطيات الصحفية، فتنتشر الصورة النمطية بالضبط وتماماً كما انتشرت الصور النمطية عن المسلمين بأنهم أناس متطرفون وإرهابيون بسبب فئة ضالة متطرفة سلط الإعلام عليها أضواءه وبات يتحدث عنها كأنها المسلمون جميعاً. المحزن في الأمر أن انتشار هذه الصور النمطية المغلوطة عبر وسائل الإعلام والصحافة وعلى لسان بعض مثقفينا وكتابنا في تصريحاتهم العلنية وفي أحاديثهم الخاصة كرّست وما تزال تكرس الصورة المشوهة عن المغربيات في دول الخليج. وعندما يعمم الخليجيون أو المشارقة هذه الصور السلبية عن نساء المغرب فقد نبرر ذلك بجهلهم بالمغرب وحرائره اللواتي هن الغالبية العظمى والصورة المشرفة، أما عندما يقوم فنان أو كاتب مغربي بتعميم هذه الصور فالأثر يكون أقوى وأكثر إيلاماً فما أسهل أن يقول قائل "وشهد شاهد من أهلها" ليسكت أي صوت يدافع عن شرف المغربيات. إن خطورة ما قالته المخرجة بشرى إيجورك عن مغربيات الخليج لا ينحصر في الصورة التعميمية التي أطلقتها على جميع نساء الخليج، وإنما يتجسد في طريقة مقاربتها للمشكلة عبر التهكم من النماذج التي تعتبرها "ضحية" تارة ثم توجه لها سهام الاتهام والسخرية تارة أخرى. كنت أتمنى أن تتحلى المخرجة بالشجاعة الأدبية للاعتراف بخطئها أمام من جرحتهن بتصريحاتها غير المسؤولة، لكني فوجئت بها تحاول تبرير ما قالته بأنه اجتزاء وتحريف لتصريحاتها، رافضة أن تقدم ولو اعتذاراً رمزياً لمن مست كرامتهن بتصورها الخاطئ عن نساء المغرب في الخليج، أو أولئك اللواتي تهكمت عليهن باعتبارهن نوالات أخريات. إن إحساس الفنان المرهف واحترامه لجمهوره خصلتان غابتا عن المخرجة وهي تبرر تصريحاتها، فلا هي أبقت على احترام جمهورها ولا هي أثبتت أن ما قالته كان تحريفاً وكذباً لم تقصده، في حين أن اعتذاراً بسيطاً ولو رمزياً كان ليجُب ما قالته من تصريحات في دقيقة واحدة. خلاصة القول أنني وإن كنت أعترف بمدى انتشار وتغول الصور المغلوطة المرتبطة بالنساء المغربيات في الخليج العربي في مخيلة الكثيرين مغاربة ومشارقة على حد سواء، أدرك تماماً وأعتقد جازماً أن النماذج المشرفة والناصعة للمغربيات العاملات في الخليج هي أكثر بكثير من النماذج السلبية التي يجب علينا محاربتها وايجاد حلول لمشاكلها. ولذلك فإنني أدعو كل الفعاليات الإعلامية المغربية والعربية إلى إخراج هذه الأغلبية من مغربيات الخليج عن صمتها وإبراز دورها ومشاركتها في مجتمع الخليج والمجتمع المغربي. وتأكدوا أن هذه الأغلبية ستكون أول "فيلق حقيقي" من "جيش عرمرم" يعمل على اجتثاث كل الصور السلبية التي تسيء أول ما تسيء المغاربة جميعاً وكرامتهم.