ملاحظات على ضوء الكرة الاحتجاجية ضد مراسيم تحديد الملك الغاوبي بالجماعات التابعة لبلدية آيت باها في ضوء نجاح الحراك الاحتجاجي الذي شهدته منطقة آيت باها ضد مراسيم تجديد الملك الغابوي والذي تقوده تنسيقية أدرار مساندة من لفيف جمعوي مهم (160 جمعية) وانطلاقا من مسؤوليتنا كواحد من أبناء المنطقة وعضو لجنة التواصل والاعلام داخل تنسيقية آيت مزال (أحد الجماعات المعنية بالمراسيم) سنحاول عبر هذا المقال رصد بعض جدور الدينامية السياسة التي أطلقها هذا الحراك وهي علاقة الشباب القروي في إيقاظ الوعي التنموي القائم على إعادة رسم العلاقة مع المحيط ذي الصلة بالقرية المغربية عامة وبمنطقة آيت باها خاصة. يدعو دستور نونبر 2011 من بين ما يدعو إليه إلى فتح الباب أمام الشباب قصد المشاركة الفعلية والمباشرة في العمل السياسي عن طريق التسجيل المكثف في اللوائح الانتخابية أو خوض غمار الانتخابات التشريعية والمحلية والمهنية بواسطة الترشيح والتصويت والحضور في الحملات الانتخابية والنقاش العام، مساهمة منه في تبلور طبقة سياسية جديدة تستطيع مواكبة التحديات الجديدة المطروحة في مجتمع المعرفة الذي طرق باب السياسة وفاجأ النخب السياسية الحالية. وجدت النخب السياسية التي سيرت البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي نفسها غير مهيأة للتعامل مع الواقع السياسي الذي فرضه مجتمع المعرفة ووسائل الاتصال المتعدد الوسائط ، والمواقع الاجتماعية، وتحول العالم إلى قرية صغيرة حسب تعبير "الفان طوغلي" واختلفت الظروف وانقلبت المفاهيم وتطورت الآليات فأصبح لزاما أن تتحدد الطبقة السياسية. فالنخبة التي ساهمت منذ ثلاثنيات القرن العشرين في تغيير الاوضاع في زمنها عن طريق اعتناق مبدأ الاستقلال، والمناداة بقيمة الحرية لم يكن سن أغلب أعضائها يتجاوز الثلاثين لما تصدت الى الطبقة السائدة المسنة في حينها والتي ساندت الاستعمار واعتبرت الإنسان المغربي غير قادر على تدبير شؤون بلده. حينها قال علال الفاسي: أبعد بلوغ الخمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب في القرية المغربية، حيث تتركز اهماماتنا البحثية الحالية، وبين تجربة عيانية مستقلة او من داخل هيئات المجتمع المدني، ظهر التناقض صارخا بين إرادتين: إرادة شبابية تنادي بالكف عن التبعية السياسة للدولة والعمل التشاركي معها وفي مختلف المجالات ذات الأولوية( حفظ الملكية، الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب ومحو الأمية، إعادة توزيع الأراضي المسترجعة من الاستعمار بشكل يرفع الحيف الدفين لدى ساكنة المنطقة)، وإرادة أخرى تشتغل بالمنطق القديم القائم على استثمار النخب المحلية أشخاصا كانوا أم منظمين في هيئات مدنية مرتبطة بالسلطة تخدم عبر استعمال إيديولوجية المجتمع المدني على مصالحها الاقتصادية والسياسية. ما كان للوعي الشبابي القروي أن يظهر لولا تشبعه يإيديولوجيا جديدة متمثلة في مبادئ الدستورانية، والديمقراطية والمساواة، وأهلية الإنسان المغربي لأن يمارس حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والتي أهلته لمواجهة العقلية التقليدانية التي كانت لها مركز السيادة على مختلف المؤسسات المسيرة للقرية والتي كانت تحت خدمة السلطة. لقد فرض التاريخ منطقة الخاص رغم صلابة البنى المادية والرمزية التي ظلت لسنوات عديدة تقيد حراك القرية المغربية، فقد ظهر الشباب المحلي من خلال تجاربه في هيئات المجتمع المدني إبان ظهورها في بداية التسعينيات أن قوته الشباب هي السلاح الذي سيجعل منطق التاريخ يعمل في قراهم، كما تبين لهم أن العبرة ليست بتواجد جمعيات وهيئات تنموية مستقلة اسميا وإنما إيديولوجية، هذه البنى ونخبها وطريقة عملها والذي لا يمكن ان تستمر على شكله التقليدي الذي يجعل منها نائبا عن السلطة في تعبئة القرية لصالح توجهاتها وأن المطلوب هو التعاون معها من موقع الاستقلالية ومن أجل خدمة القرويين المغاربة أولا وأخيرا. على هذا الأساس، وفي كل مناسبة يكون الفاعلون الجمعويون طرفا فيها، ويظهر التناقض جليا بين رغبة الأجيال الجديدة في المشاركة في تسيير شؤون البلدة والقرية، وفي أن يكون له رأي مسموع فيما يخص المشاريع التنموية في البلاد أو في توزيع الخيرات على كل الربوع بما فيها العالم القروي والمناطق المهمشة وفي تدبير الميزانيات. وقد وجد بعض الشباب المحلي رأسمالا مهما بإعمال هذه الفلسفة من خلال الجمعيات التي يشغلون بها، بينما النخب القديمة التي أصبحت تستميلهمم للانضمام والاستفادة من رصيدهم في بناء خطاب جديد يروم الركوب على إنجازاتهم وهو ما يعيه الشباب جيدا، الأمر الذي جعلهم يفاوضون الهيئات السياسية من موقع قوة. لقد انقلبت المعادلة على عقبيها، فعوض أن تكون الأحزاب قاطرة للعمل السياسي النبيل، أصبح القاع الاجتماعي أساس لتحديث الأحزاب السياسية. إن المجتمع أفرز عن طريق جمعيات المجتمع المدني وسائل وآليات من أجل جعل التغير حقيقة واقعية لتحقيق تنمية محلية والتي بدونها لم يكن المواطن القروي الذي يعاني من الضيق والهشاشة أن يقدر على معاودة ربط علاقات الثقة بين القرية و جهود الدولة في ميادين التعليم و محاربة الأمية والتكوين المهني والتطبيب والتشغيل والمشاريع المدرة للدخل. وإذا كان المعطى الأول وهو دور المؤسسة الملكية ظاهرا للعيان من خلال موقع الصدارة الذي يعود إليها تاريخيا ومؤسساتيا في إقرار السياسات وتوجيه وتأطير الحكامة.. وهذه بعض أبرز مؤشرات تأثير العمل الشبابي الذي اختار بوابة المجتمع المدني من أجل تطوير القرية بشكل خول لهم صيتا مجتمعيا وجعلهم نخبا متنافس عليها من قبل الأحزاب السياسية: -اهتمام الجمعيات بالاستجابة إلى الحاجيات الملحة للساكنة كتزويد المجال الذي تعمل فيه بالماء الشروب والكهرباء وتعبيد المسالك والاهتمام ببناء المدارس ودور الإيواء للطلبة والنقل المدرسي وتنظيم قوافل طبية ودروس محو الأمية والتكفل بالمرضى المصابين بالأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة والنيابة عن المزكين في توزيع الزكاة على مستحقيها ... كما قام الشباب القروي بدور مهم في ميدان ترسيخ قيم الحوار والنقاش والإنصات إلى الرأي المخالف، كما شجع على دفع المنخرطين في الجمعيات الى التعبير عن آرائهم والمساهمة في بلورة مقترحات حلول المشاكل المطروحة. وهذا ما أبرز ثلة من الشباب ظهرت لديهم قدرات على تسيير دفة هذه النقاشات و خلق لديهم شخصيات قيادية أهمها تجمع المعطيات من أطراف الحوار وتحليلها واستبساط الحلول منها مستعملين في ذلك آليات جديدة ضمنها الاسثمارات وتنظيم جلسات دورية لإعطاء الكلمة للمواطنين قصد التعبير عن حاجياتهم وتحديد أولوياتها دون أي تدخل من هؤلاء القياديين إلا ما يهم تنظيم الاجتماع وتوزيع الكلمة على كل الأطراف دون تحيز. كما قام الفاعل الشبابي بخلق آليات الوساطة بين مختلف التجمعات التي يعمل فيها مما ساهم في تخفيف حدة المشاكل وإيجاد حلول مقبولة. لقد كان أي نزاع بين مدشرين او بين قبيلتين حول تدبير ندرة الماء أو تقسيم الأراضي الرعوية يتحول إلى مواجهات حاد ة تتدخل فيها السلطة ولكن في كل مرة كان الحل لا يأتي إلا بمساهمة الجمعيات الشبابية . ولا يستقيم الحديث مع المعنيين إلا من خلال تمثيلهم من طرف من يرضون بهم كناطقين باسمهم، وهذا ما قامت به الجمعيات أحسن قيام. ومن بين المبادرات الخلاقة تضمن الجماعات المحلية مع جماعة هلالة لإمدادها بالماء عن طريق الصهاريج المتنقلة في عبر إحياء التقليد التضامني المسمى في تاشلحيت ب " تيويزي" في انتظار أن يجد الفاعلون المحليون من الشباب الحلول المستدامة لمشكل الجفاف الذي تعانيه هذه المنطقة المنكوبة. من جانب آخر، ساهم الفاعل الشبابي الجمعوي في خلق اهتمام الناس بشأن بلدتهم وجيرانهم بالمساهمة في حل مشاكل لا تهمهم مباشرة وإنما تهم أناسا غرباء عنهم مما ساعد على ظهور نوع من عناية الناس ببعضهم البعض والانتباه الى شؤون الغير، وملاحظة أشياء لا تمسهم مباشرة، ولكنها جزء مما تعاني منه جماعاتهم. كما يحرص الشباب في كل مرة تتاح لهم الفرصة على التمييز بين صفتهم الجمعوية وقبعتهم الحزبية والتنبيه إلى أن أولويتهم موجهة إلى الخير العام للقرية عبر وسيط الجمعيات التي هم أعضاء فيها. على ضوء ما ذكر، يتوجب على الهيئات السياسية سلطة كانت أم أحزابا أن تنظر إلى الجمعيات الجادة والمستقلة عنها نظرة وسيط بينها وبين المواطن الغير المسيس، لا نظرة توجس من المنافسة، وعليها أن تحاول الاستفادة من رصيد الثقة الذي يحظى به الفاعل الجمعوي الجاد في محيطه القريب، فالتجربة أظهرت أن بعض الجمعويين الذين اقتحموا الانتخابات المحلية الأخيرة استطاعوا أن ينجحوا بفضل رصيدهم الجمعوي وبأقل تكلفة مما يقطع الطريق على استعمال الأموال الطائلة التي تبدر خلال الحملات الانتخابية. لذلك نرى أن الدستور الجديد في حديثه عن مسلسل تحديث الدولة بالارتكاز على الجهوية المتقدمة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكريس هوية مغربية متعددة المشارب واللغات والاعتراف بدور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية باعتبارها فاعلا في الديموقراطية التشاركية والحماية الاجتماعية... لم يُفعّل سوى عن طريق مواكبة الدينامية الاجتماعية الجديدة والانتباه إلى أجيال جديدة من الفاعلين القادرين على تنزيل السياسات العمومية على أرض الواقع و فتح الباب أمام الكفاءات القادرة على ذلك.