خروج الناس إلى الشارع العمومي من أجل التظاهر دفاعا عن حق أو رفضا لقرار أو تنديدا بتصرف حق من حقوق الإنسان ، الممكن ممارسته بكل مسؤولية تحت أعين الشرطة والدرك، كلما كان هدف التظاهر هدفا نبيلا يحقق المنفعة ويمنع الشطط في استعمال السلط لأكل حقوق الناس بالباطل أو استعبادهم أو التميز بينهم أو فرض أشياء عليهم بالقوة ويحد من أي تشريع يحمي القوي ويعري الضعيف. والتظاهر لا يكون تظاهرا إلا بوجود هدف مشترك أو ضرر مشترك أو رأي جامع يألف بين قلوب المتظاهرين ويوحد صفوفهم لتكوين كتلة التظاهر، وإلا فهو دعوة للفوضى وفتح فرصة للشغب والسرقات وتحطيم لأملاك العامة والخاصة وحرق للسيارات ،في معركة قد تجمع بين القوة العمومية من شرطة ودرك ومظاهرين بالإضافة إلى متسللين « بلطجية» يبحثون دائما عن الماء العكر كي يسبحوا فيه ويخرجوا منه إما غانمين أو مقيدين بالأصفاد . رغم أن التظاهر حق تعترف به العديد من الدول الديمقراطية إلا أنها تخشى عواقبه . لأن التظاهر قد يبدو سلميا في ظاهره، وبدايته وقد يتحول إلى فتنة أو مأساة حقيقية . ففي العديد من المظاهرات – عبر العالم- سقط " ضحايا" بسبب تهور فئة من المتظاهرين أو بسبب فشل رجال الأمن والدرك في ضبط النفس لفترة أطول . فاضطروا إلى استعمال الأسلحة المدنية لتفريق المتظاهرين أو لتوقيف التظاهرة بعد خروجها عن سيطرة منظميها. قد يستعمل المتظاهرون كل وسائل التظاهر من اليافطات إلى الملصقات إلى الشعارات إلى الأغاني والأناشيد إلى الخطب وأواني الطهي والصفارات للتعبير عن رأيهم أو رفضهم أو تأييدهم أو استنكارهم أو اعتراضهم لأمر ما ، ليس بأيديهم مفاتيح حله وإنما بيد سلطات مختصة تمانع أو تتجاهل أو تُزايد أو تتهرب من الحوار لإيجاد مخرج للمسألة موضوع المظاهرة. وقد تستعمل القوات العمومية من شرطة ودرك وجيش وسائلها المدنية من عصي وهراوات وخراطيم المياه ، وأيد وأرجل وقنابل مسيلة للدموع ودروع مكافحة الشغب من أجل الحفاظ على النظام العام ومن أجل حماية الملك العام والخاص والأموال والأشخاص سواء المشاركين منهم في المظاهرة أم غير المشاركين. المظاهرة إذن حدث قد تكون وراءه دوافع اجتماعية أو دوافع اقتصادية أو سياسة أو ثقافية هذا الحدث يستقطب أشخاصا في الشارع العمومي أو الساحات العمومية لممارسة ما يسمى الديمقراطية المباشرة ، عندما لا يفي نواب الأمة بوعودهم ولا ينهضون بواجباتهم في الدفاع عن حقوق الشعب الذي انتخبهم ومنحهم المشروعية . وكذلك عندما تبدأ الحكومات بالتلكؤ والمماطلة وعدم الاستجابة لمطالب المهمومين ومتطلبات المرحلة . كما أن ذات الظاهرة تستقطب قوات عمومية خاصة لرعاية المظاهرة وتتبع خطواتها وتطوراتها. ما يجب تجاوزه ونسيانه ، اتهام المتظاهرين عندما يخرجون للشارع على أنهم فوضويون مارقون، يعملون ضد النظام ، هم منعدمو الأخلاق، ضعيفو الإحساس الوطني يجب طردهم شر طردة من الساحات والشوارع العمومية ، بل ربما ضربهم كي لا يفكروا في العودة مرة أخرى . كما يجب تجاوز الأفكار التي توحي بأن القوات العمومية هي قوات ضد المتظاهرين وخرجت فقط لضربهم . فتلك القوات من الناحية القانونية ما هي إلا صمام آمان حول المظاهرة لحماية الأشخاص أنفسهم ، وحماية الممتلكات ، والحرس على استمرار الأمن والنظام ، ولضرب على أيدي المخربين ، ولإعطاء المظاهرة بعدا حضاريا مقبولا . فقد تحدث –أحيانا- مناوشات بين متظاهرين والقوات العمومية لبعض الأسباب التالية: - عدم طلب ترخيص من السلطات المختصة من أجل القيام بمظاهرة في الشارع العام أو ساحة عامة معينة. - عدم التوفر على ترخيص التظاهر لحظة التظاهر. - خرق المتظاهرين للنظام العام وعدم التزام المنظمين بضبط المارقين والمشاغبين. - ترديد المتظاهرين لشعارات ضد الدولة أو مخلة بالآداب والأخلاق ، أو أنها تدعو للعنصرية أو التمييز أو القتل - ترديد أفكار تدعو إلى فتنة قد تنجم عنها حرب أهلية أو تمزيق الوطن، أو حرق علمه أوتمزيق صور الرموز الوطنية. - القذف الصريح في حق شخصيات وطنية بلا مبرر أو سند. يحدث هذا عندما لا يكون للمظاهرة عقلا مدبرا يتحكم في حركات وسكنات المتظاهرين . فبانعدام هذا العقل الذي قد يكون حزبا أو نقابة أو جمعية أو جماعة أو هيئة معترف بها ، تدرك جيدا شروط التظاهر وتضبط مداه وحدوده . قد يصاب العقل الجمعي للمتظاهرين بما يشبه مرض باركنسون الذي يسبب الرعشة الغير الإرادية ، فيعجز المتظاهر – تحت تأثير الغليان ، وحارة الموقف والشمس أو بالتدافع أو الاندفاع – عن التحكم في سلوكه فيبدأ بالعصيان والتمرد ، ثم إلى المواجهة المباشرة مع القوات العمومية . ليفرغ المتظاهر جام غضبه علي السيارات أو البنايات أو تلك القوات المرابطة أمامه – فقط- لحمايته هو ربما من غيره، أو لحماية ملك الأسرة أو أرواح أصدقائه من فاجعة بسبب التهور وسور التقدير. من هنا يمكن الكلام عن مظاهرات حضارية تخصص الأسابيع لتحضيرها وربما الشهور من أجل تنظيمها تنظيما راقيا بوسائل جد متقدمة : من يافطات بكافة الألوان وكتابات ذات مضامين مقبولة ، وأناشيد وأغاني وشعارات في نفس موضوع المظاهرة دون الخروج عن هدفها. وحيث النظام والوئام والانضباط شعار كل متظاهر. لا شك أن هذا الأمر قد يُخلّف صداه الحسن في النفوس ويخلق مكانته في الضمير، ويُسجّل بمداد من ذهب على صفحات الجرائد والصحف وتنقله وسائل إعلام العدو وهي مكرهة. أما حرق إطارات العجلات وقلب السيارات وإغلاق الشارع العام، وضرب القوات العمومية بالحجارة أو محاولة تحديها ، أو الخروج عن النظام العام ، فهي أشكال المظاهرات التي لم نعد نراها في الدولة المتقدمة . حيث تتزعم المظاهرات جهات معترف بها ومسؤولة كالنقابات و الجمعيات والأحزاب ، كي تتمكن السلطات من معرفة الجهة الجائز التحاور معها. كما يجوز أن تنظم مظاهرات أو تجمعات من طرف أشخاص طالهم نفس الضرر شريطة أن ينتدبوا " من" يتحدث باسمهم مع السلطات. لكن لتفادي تداعيات المظاهرات الغير مرغوب فيها، على السلطات ألا ترى دائما في المظاهرة حدثا يجب محاربته دائما بالقوات العمومية أو بالشطط أو بافتراء ذرائع لتفريقها قبل الاستماع للمندوبين منها. فالمظاهرة تعبير عن واقع أو خلل أو مرض يجب التصدي له وليس " لها" ، كلما كانت القناعات عامة والعزم مؤكد من طرف الجميع . فيد الله مع الجماعة مادامت هذه الجماعة لم تجتمع على ضلالة . قبل الإعلان عن المظاهرة من طرف منظميها يلزم اختيار " الهدف " ولا يجب الزج بأهداف في تظاهرة واحدة . على أن يكون هذا الهدف قابلا للتحقيق مدحضا لكل حجج الإدارة الواهية التي تتذرع بها كي لا تلبي مطالب المواطنين . بمعنى أن منظمي المظاهرات يجب أن يكونوا "ناس " مختصين عالمين بقدرات (الجهة) أو المغرب وإمكاناته . حولهم متظاهرون متخلقون متفهمون يعبرون بوعي عميق والتزام ومسؤولية عن غرضهم . فعلى سبيل المثال ، لا يمكن للدولة أن تمنح " الوظيفة" لشاب متظاهر يدعو إلى خراب بلده ،ويهدد بنسف البنيان وتمريغ البلد في الوحل. فهل يمكن التساهل معه و مع من جاء أمام قصر العمالة للاعتراض على زيادة في الماء والكهرباء ثم بدأ يسب من الشمال إلى الجنوب ، ويصف البلد "بالخربة" وانتهى بتكسير كراسي المقاهي و مصابيح الشوارع العمومية؟. من هنا نخلص أن تنظيم تظاهرة ليس بالأمر الهين ، فهو سيف ذو حدين . يمكن أن نبني به الديمقراطية والعدل والمساواة ، وأن نحصل من خلاله على الحقوق ونعترض على الأوامر والتوجيهات . لكن من الممكن أن نزعزع به استقرار منطقة أو جهة أو وطن بكامله . فشرارة واحدة قد تحرق غابة بأكملها . وغير خاف عن السياسي والمواطن العادي أن الدولة تحتاج للاستثمارات ، وأن المستثمر يطالب بالأمن والاستقرار. فكيف يمكن كسب قلب المستثمر والمظاهرات العنيفة كالنار تقفز من جهة إلى جهة؟ ألا يطالب المواطن بفرصة عمل؟ ألا يعلم أن هذه الفرصة لن تتاح له إلا بالاستثمار الداخلي والخارجي ؟ كانت جدتي رحمها الله توصيني بأشياء وجدت فيها في مرحلة لا حقة حكما ومواعظ هامة . كانت تقول لي: " إِِلِّي خليك خليه " فرأيت بأم عيني شابا انحاز لمظاهرة فسقط ميتا، فلا هو حقق هدفه ولا هو حفظ حياته " امشى على عينو ضبابة". وكانت تقول لي :" تكلم بفمك وتحكم في يديك" فكنت مرة بمناسبة عيد الكبير أحكي لأسرتي قصة عن أصدقائي في المدرسة ، وأنا ألعب بقضيب الشواء " زلاك شوا" فأصبت عين أختي الصغيرة . تطلب الحادث مصاريف علاج أثقلت كاهل أبي مرة أخرى،أما أنا فمازلت أطلب من أختي العفو ومن ربي الرحمة". فالتظاهر حق يجب أن يصان ، لكن صون المال والعرض والأرواح أحق أن يصان. لذلك نرى القوات العمومية تطالب بوجوب احترام النظام العام إذ تعتبر مراقبة المظاهرات واجبا وطنيا تفرضه عليها طبيعة العمل المتعلق بحفظ السلم . فهل من الممكن أن يساق إلينا – يوما – خبر نجاح مظاهرة بتضافر جهود المتظاهرين والقوات العمومية والحكومة المطالبة بإيجاد الحلول والاستجابة لمطالب المتظاهرين وسواهم؟ وحتى نقطع تماما مع كافة الخروقات سواء التي تأتي من جانب المتظاهرين أو تأتي من القوات العمومية. هناك قانون التظاهر الذي يؤطر التظاهرات والذي ينص على وجوب تقديم طلب مشفوع بتاريخ تنظيم المظاهرة وساعة الانطلاق وأسماء المنظمين والهدف من المظاهرة والشعارات التي يمكن رفعها. لكن أمام انعدام الثقة بين السلطات ومنظمي المظاهرات يجعل هذا القانون موقوف التنفيذ في الغالب . حيث يتشبث المتظاهرون بتلقائية التظاهر وسيلتهم التواصلية اليوتوب و الفايسبوك و الجرائد الالكترونية ، بينما تتشبث السلطات بالقانون الواجب احترامه . لكن حالة تنامي المظاهرات قد تلجأ الحكومات إلى قانون الطوارئ كما حدث في مصر و الجزائر. أما في روسيا فقد وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قانون جديد حول التظاهر حيث سيتم تغريم المخالفين من المتظاهرين لهذا القانون ومن يقف ورائهم بغرامات باهظة، وكما كان متوقع فإن المعارضة مستاءة من هذا القانون، ولكن في الوقت نفسه فإن معظم الخبراء والسياسيون مقتنعون أن العقوبات الإدارية بحق المخالفين أصبحت تتماشى مع المعايير الأوروبية. وعلاوة على ذلك فإن أي تغيير لمسار المظاهرات ورمي الحجارة والزجاجات على الشرطة أصبحت الآن مكلفة حيث تتراوح الغرامة المالية من 10آلاف روبل الى 300 ألف روبل، أما منظمي المظاهرات سيتم تغريمهم بمبلغ يقارب 600 ألف روبل، كما يحظر القانون الجديد المشاركة في التظاهرات بالأقنعة . زبد الكلام يمكن التظاهر مع المسؤولية . فالمغرب في حاجة لمظاهرات قليلة لكن ذات فعالية ونجاعة تحت رقابة جهات معترف بها. العشوائية لن تفيد المواطن ولا الوطن الذي عليه أن يحافظ على أرثه ومكانته كجهة من العالم يتظاهر مواطنوه بكفاءة وتحضر من أجل صفاء القلوب بمنح الحقوق لأصحابها وفتح مجالات الكد والجد للجميع بعيدا عن العنصرية والظلم.