ِِ"سنصير شعْبا، إن أردنا، حين نعلم أننا لسنا ملائكة، وأن الشر ليس من اختصاص الآخرين سنصير شعبا حين نحترم الصواب، وحين نحترم الغلط!" محمود درويش صباح الخير أيها الفساد؟ هل الفساد نكرة أم معرفة؟ أنثى أم ذكر؟ كائن محدد الهوية أو شيء متعين متحيز في الزمان والمكان أم مجرد حالة؟ وفي الشَّقْشقة النحوية هل هو إسم ذات أم إسم معنى؟ طيلة عقدين من الزمن والسياسيون المغاربة يعلنون عن نيتهم محاربة الفساد، لكن لا أحد من المصلحين المفترضين استطاع أن يضع مبضع الطبيب على ورم الفساد، الذي لم أعثر له على صفة أو لون أو رائحة أو طعم، وحتى حين عدت إلى أمهات المعاجم العربية لم أعثر على تعريف محدد للفساد سوى أنه نقيض الإصلاح، وأن العقد الذي يجمع الإمام بالعامة هو جلب المصلحة ودرء المفسدة! منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي حتى اليوم توطد شعار الحرب على الفساد وتواتر في الخطاب السياسي، لكن لا هو ولا من أتى بعده حددوا لنا بدقة لا تخطئها العين من هو هذا "السيد الفساد"، مع العلم أننا لا نعلم الأشياء إلا عبر تحديد أسمائها التي تعطيها هوية واضحة تميزها عن باقي الموجودات، ذلك هو قاموس الكون منذ علم الله آدم الأسماء كلها! صباح الخير أيها المفسدون؟ لكن من هم المفسدون في المغرب؟ هنا أيضا نجد الاختلاف في التحديد، حسب اليوسفي: هم القوى المناهضة للتغيير، والساحرات والمركب المقاوم للإصلاح، وحين تجرأ أكثر تحدث عن المركب الإداري المصلحي وسط النظام السياسي، أما مع عبد الإله بن كيران فتزداد الأمور غموضا وحيرة، إذ المفسدون عفاريت وتماسيح، أفاعي وجراد... قل لي كيف تسمي الأشياء أقول لك من أنت، بين اليوسفي وبن كيران ليس هناك اختلاف في نوايا الإصلاح، بل في المرجعيات المتحكمة في استقاء المفاهيم والتسميات، من قوى مناهضة التغيير إلى العفاريت والتماسيح، لكن المشترك بينهما هو غموض الفساد، الذي يبدو مثل قوى هلامية أخطبوطية غير محددة ولا تملك معالم واضحة: عفاريت، ساحرات، تماسيح، أفاعي، جراد، قوى مناهضة الإصلاح... يبدو الفساد مثل الشبح الذي تُدرك قوته من خلال الأثر الذي يتركه لا من خلال هيئته المحددة والواضحة المعالم، فهو يوجد في كل مكان وفي لا مكان (partout et nul part).. هل تنقصنا الجرأة لتحديد الفساد والمفسدين بدقة؟ المفسدون هنا يقتربون من الخوارق التي لا تقهر أو تحتاج إلى أبطال أسطوريين للقضاء عليهم وقطع دابرهم.. فبرغم الإجماع الوطني الذي كان حول شخص عبد الرحمان اليوسفي، الذين أعلن الحرب على الفساد انتهى في آخر المطاف إلى رفع الراية البيضاء، قائلا: "لن نطارد الساحرات" أي المفسدين؟ وبرغم أن الشباب الفايسبوكي أبدع صورة لابن بن كيران تشبهه بهرقل (hercule)، فإن التماسيح والعفاريت غلبته وهو لم يدخل معها بعد حلبة النزال الحقيقية، فصرح بنفَس اليائس "عفا الله عما سلف" وعلى قاعدة القول الفقهي المأثور – وإن في سياق مغاير – "من اشتدت وطأته وجبت طاعته"! صباح الخير أيها الفساد؟ عذرا، فالفساد في المغرب لا ينام، فساد في البر والبحر، ليله كنهاره، فهو يداوم عمله بطاقة خارقة ليل نهار، عندنا في المغرب يبدو "السيد الفساد" ذا همة عالية و"خدام عطش" في "بريكول" أبدي، لا يحتاج إلى عشبة الخلود مثل جلجامش، أليس المفسدون أفاعي رقطاء؟ إن القاعدة البديهية تقول بأن المفتاح الأول لهزم العدو هو معرفته وتحديده بدقة، وما دام مصلحونا لم يفعلوا ذلك، فمحال أن يبلغ القصد من حاد عن تحديد عدوه بوضوح، لذلك انهزم المصلحون وانتصر المفسدون على هذه الأرض. وإلى أن ينجح سياسيونا في الوصول إلى تحديد الفساد بدقة قصد محاربته، أقول لكم.. كل فساد ونحن تعساء.