في اخر حواراته الصحفية قال عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة ان الملك محمد السادس اخبره ان رئيس الحكومة في المغرب يجب ان يكون (بلاندي) اي صلب وقوي وله قدرة على التحمل. لم ينتظر بنكيران كثيرا حتى وقف على هذه الحقيقة. لكنه بالقطع لم يكن يتصور ان وزيره في الداخلية الحركي امحمد العنصر سيمنعه من مهرجان خطابي في ساحة عمومية في طنجة كان المنتظر ان يحج اليها عشرات الآلاف من الطنجاويين للاستمتاع بمنفرجة الكبير عبد الهادي بالخياط، وللاستماع الى رئيس الحكومة الذي يتمتع بمواهب خطابية كبيرة تبتعد عن لغة الخشب التي ابتليت بها جل النخب السياسية،خطب تتخللها قفشات لا تخلوا من دلالات سياسية ورسائل صريحة ومشفرة. بصعوبة بلع رئيس الحكومة هذا القرار الذي يحمل طعم الإهانة، وامتنع عن التعليق على منعه من وضع رجله في ساحة الامم، وصرف غضبه رقصا وجذبة مع المجموعات الموسيقية التي أحيت الحفل في قاعة مغلقة وكان حزب العدالة والتنمية خلية نائمة، او حزب محظور وليس حزبا (حاكما) وضع الدستور والقانون السلطة التنفيذية بين يديه. شباب الحزب غضب من قرار الداخلية، وما يعرف إعلاميا بجناح الصقور تلقف هذه الحادثة كاسفنجة ساخنة في صباح بارد، ووظفها في مرافعاته الداعية الى الاستمرار في مقاومة خلايا الاستبداد، معتبرا ان الوصول الى الحكومة لم ينهي حياة هذه الخلايا وان الطريق مازالت محفوفة بالكثير من المفاجأت ،لقد سمعنا الوزير الطنجاوي بوليف يشكر من اتخذ قرار المنع. لانه لو لا هذا القرار لرجع شباب الحزب الى مدنهم وقراهم في نهاية هذا الصيف وهم يعتقدون ان المغرب تغير وان الحكومة تسير بخير. واعتبر الوزير الذي رجع بسرعة الى خطاب المعارضة ان قرار المنع له فائدة بيداغوجية ! الشوباني والداودي وحامي الدين وبوانو وافتاتي وغيرهم ساروا على نفس الدرب ،ولم نعد نعرف من منهم الوزراء ومن منهم المعارضون، من منهم ابناء الحزب الحاكم ومن منهم الناشطون في حركة 20 فبراير. اختلطت الأصوات لترسم مشهدا سورياليا لن يتمكن سوى المغاربة من فك طلاسيمه. الان لنرجع الى دلالات حادثة السير الطنجاوية هذه. ومدى تأثيرها على عمل الحكومة وتعايش السلط وتنزيل الدستور الجديد،ولنجاح المشروع الجديد للانتقال الديمقراطي بعد فشل المشروع الاول الذي قاده عبد الرحمان اليوسفي ونعاه هو نفسه في بروكسيل في محاضرته الشهيرة. هذه الحادثة ليست معزولة عن سابقاتها وعن حوادث صغيرة اخرى وقعت بين القصر ورئاسة الحكومة، بدات من ايام المفاوضات حول تشكيل الحكومة، واعتراض القصر على بعض الاسماء ثم تطورت الخلافات في امور وقرارات كثيرة سياسية وقضائية واقتصادية ودبلوماسية. نجح الحوار في تجاوز بعضها، وبقي البعض الاخر عالقا يسمم الاجواء ،وهذا امر طبيعي وغير طبيعي في الان نفسه. طبيعي لان البلاد انتقلت من نظام كانت الملكية فيه تنفيذية تحتكر كل السلط وكان دستور الحسن الثاني يجعل من الوزير الاول والحكومة مجرد موظفين كبار ومنفذين للقرارات الملكية ،اما بعد إقرار الدستور الجديد الذي شكل قفزة كبيرة نحو الملكية شبه البرلمانية فقد تحول رئيس الحكومة والأغلبية التي وراءه الى شريك للملك في القرار ، وكما هي كل الامور المشتركة فان الخلافات لا تغيب عن سمائها خاصة في بداية عهد الشراكة. غير الطبيعي في حوادث السير هذه بين رئاسة الحكومة والقصر هو خروج الخلافات الى العلن واعطاء الانطباع الى ان هناك أزمة صامتة في المشور السعيد ، هذا الامر يضع النموذج المغربي للخروج من الربيع العربي محل سؤال وشك وريبة ويقدم هدايا مجانية للذين لم يؤمنوا يوما بقدرة المغرب ابتكار نمودج خاص للإصلاح الحقيقي دون قطيعة. الدستور المغربي ياسادة وضع الحكم شراكة بين الجالس على العرش وبين الجالس على كرسي رئاسة الحكومة، ورغم ان بنود هذا الدستور رسمت حدود كل سلطة، فان هناك مساحات مشتركة بينهما تتطلب حوارا مباشرادون وسائط، وصراحة كبيرة دون مواربة، وتأويلا ديمقراطيا للممارسة الدستورية تطور النص المكتوب ولا تخنقه، وعيون الجميع على ما يحدث حولنا، لا ننسى اننا مقبلون على مراحل صعبة، ومنعرحات حادة، فبلادنا لم تقطع الواد ورجلها لم تجف بعد. *مدير نشر جريدة اخبار اليوم