خلال الانتخابات التشريعية التي جرت العام الماضي، رفع حزب العدالة والتنمية شعارا مثيراً تحت عنوان "محاربة الفساد والاستبداد"، بمعنى أن الحزب، بزعامة عبد الإله بنكيران، جعل من محاربة الفساد محور حملته الانتخابية ومركز منافسته لباقي الأحزاب. ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى الحكومة، انخرط عبد الإله بنكيران في حملة تهديد ووعيد بمحاربة الفساد والمفسدين، وعلى نفس المنوال سار كل وزراء العدالة والتنمية فأعلنوا الحرب على الفساد، لكن تبين في الأخير أن الأمر لا يتعلق إلا بفقاعات موسمية وليس بأفعال وممارسات حقيقية. فمحاربة الفساد ليست لعبة من لعب السياسة والسياسيين، إنها مشروع مجتمع متكامل. لقد أثبتت الأحداث والوقائع أن العدالة والتنمية ووزراءه في الحكومة الحالية يمارسون ازدواجية الخطاب والممارسة. وفيما يلي قراءة لبعض القرارات والتصريحات الصادرة عن وزراء العدالة والتنمية. اول ما يميز خطاب العدالة والتنمية الإرتجالية التي أصبحت قاموسا قائما بذاته عند رئيس الحكومة، و تتجلى في العديد من المواقف نرد منها ، ما نعت به الخلفي وتجريده من صفة الناطق الرسمي للحكومة وأسندها الى نفسه نسي السيد بن كيران أن تلك هي الصفة التي تم تعيين الخلفي بها من طرف جلالة الملك ومن اقتراح منك ألا ينص الدستور على ان الملك هو الذي يملك سلطة العزل و من ملتمس منه؟ أم صار هو الامر و الناهي في شؤون هذه الحكومة؟ ومن جانب آخر، التشتت والفتنة هي السمتان اللتان أصبحتا على محيا هاته الحكومة ها هو السيد بن كيران يقول بأن مقررات السيد الداودي وكان كلامه حول موضوع إلغاء مجانية التعليم فاعتبره قرارا إنفراديا وليس قرارا حكوميا ونود ان نسائل السيد بن كيران حول مايلي: أليس كلقرارات الوزراء تعتبر قرارات حكومية أولا وقبل كل شيء ؟ ألا يتم تداول هاته القرارات في المجلس الحكومي قبل الخروج بها إلى العلن. وكذلك نتسائل، لماذا يخرج السيد الداودي عن سياق التصريح الحكومي أمام البرلمان والذي بموجبه أصبحت هاته الحكومة دستورية، ألا يعتبر السيد الداودي عضوا في هاته الحكومة وأنت السيد بن كيران رئيسه وعليه احترام التراتبية الإدارية أم رئيس الحكومة فقدمن هيبته وفقد سلطته التي يستمدها من مقتضيات الدستور الجديد والذي كما يعلم الجميع أن صلاحيات رئيس الحكومة أصبحت أوسع بل أخذت الكثير من ما كان يعتبر من اختصاصات جلالة الملك، ألا تخول لك مقتضيات الدستور مراجعة كل القرارات المتخذة من طرف وزرائك أو تصحيح مسارها أو حتى إلغائها كان بودنا أن نتفهم السيد بن كيران لو كان الأمر يتعلق بوزير خارج تشكيلة حزبه والآن نحن أمام مشكلة لكون الداودي جاء ضمن لائحة حزب بن كيران، أم ترى هو بداية عصيان أما السيد عبد الله باها وزير الدولة من العدالة و التنمية الذي أُسنِدت إليه هذه الوزارة بدون مهام محددة واضحة على الرغم من تبجح الحكومة بالوضوح و الشفافية و الديمقراطية التشاركية ومبدأ التعاقد مع الشعب وربط المسؤولية بالمحاسبة. فما معنى أن يكون في الحكومة وزير بدون حقيبة أو مهمة محددة ؟ فتعيين باها وزير دولة بدون حقيبة يكلف الدولة 540 مليونا، ألا يتناقض هذا التعيين مع مبادئ حزب العدالة والتنمية في تفعيل الحكامة الجيدة وترشيد النفقات؟! أما سعادة وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، فيرى أن وزارته لا ترى أي ضرورة لإصدار قانون خاص بالعنف ضد النساء أو زنا المحارم ، مضيفا أن الحماية التي يوفرها القانون الجنائي الحالي بالإضافة إلى التعديلات المدرجة فيه أشمل وأضمن ٬ في حين نرى ونسمع ونقرأ في الصحف أن مليشيات اتخذت من مبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لمحاربة ما تعتبره "رذيلة" و"الوقوف ضد انتشار الدعارة والمخدرات" ولا يبدو بأنه تحرك تلقائي من المواطنين بقدر ما يتضح أن هناك من يدفع إلى تكريسها كواقع ومحاولة لاستنساخ النموذج الإيراني ل"الشرطة الأخلاقية". فالتحركات، التي امتدت دائرتها لتشمل هيئات مقربة من حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بدأت بوقفات احتجاجية تحت يافطة المجتمع المدني انقلبت في العديد من المناطق إلى فرض الأمر الواقع بالحلول محل السلطات المختصة والقيام بممارسات خارج القانون، وأمام هذا التسيب لا يمكن بتاتا أن ينوب أفراد من المجتمع عن الدولة في تنفيذ القانون من خلال فرض منطق "اللجان الشعبية" تحت مبرر حماية الأخلاق أو تقديم بدائل الحماية الاجتماعية، وممارسة أشكال من العقاب الجماعي، والتهديد والتنكيل، وتعتبر هاته الممارسات شكلا من أشكال العدالة "الخاصة" لما قبل الدولة. فأين الشعارات الرنانة لحزب العدالة والتنمية في الالتزام بتحقيق العدالة للجميع؟ هل اصطدمت بأرض الواقع فتراجع بريقها؟ إن الأيام المقبلة لكفيلة بأن تجيبنا على ذلك بكل وضوح ل الا يلاحظ السيد الرميد الوقائع المسجلة على مستوى ظاهرة إغتصاب الأطفال انها تثبت جليا أن الترسانة القانونية أصبحت غير ذات جدوى مادام لم تؤدِّ وظيفتها الزجرية للحد من هاته السلوكات المشينة وتتعارض معا قيم الاسلام قبل مفهوم الدولة الحديثة نصا ومضمونا '' اللهم إن هذا منكر ''، كما شهدنا في الآونة الأخيرة ظاهرة أ قل ما يمكن أن نقول عنها أنها أضحت تؤرق الجمعيات الحقوقية وخاصة المعنية بحقوق الطفل بعد الإزدياد المرعب في أعداد الأطفال ضحايا الإغتصاب إن العقوبات الزجرية المرتبطة بزنا المحارم وإغتصاب للأطفال أصبحت دون المستوى المطلوب لما أصبحت تشكله هذه الظاهرة من خطر على المستوى الإستقرار النفسي والإجتماعي لبنية المجتمع نتيجة عدم قدرة قانون العقوبات على الحد من هاته الظاهرة المهينة لذلك أصبح من الواجب مراجعة بعض فصول القانون الجنائي حتى يكون اكثر ملاءمة للأرقام والإحصائيات المهولة التي تدلي بها الجمعيات الحقوقية في هذا الباب حتى تكون بذلك قد وفيت بإلتزاماتك وقسمك إتجاه دينك ووطنك وملكك..الا تندهش لما هو معمول به بالولايات المتحدةالامريكية في هذا الصدد ؟الم يخبرك العديد من أطر حزبك وهم بالعشرات التي استفادت من تكوين شامل وعلى نفقة الامركان بما يعاقب به الجنات من المغتصبين و الذي يصل الى الاعدام او المؤبد في أحسن الأحوال ؟في نفس الان تنعتون بلادهم و من منظور مرجعية حزبكم ببلاد الفسق والفجور والانحلال الخلقي ؟ام ترى ان اسلام دولتنا ليس به ما يحرم و يجرم اغتصاب الأطفال. أما السيدة وزيرة الأسرة والتضامن، بسيمة الحقاوي، فقد عاين الجمهور المغربي عجزها الواضح عن تقديم تصريح صادق على قناة "الجزيرة" يناسب مرجعيتها الحزبية ومحاولات يائسة لرسم صورة وردية عن الوضع الاجتماعي في المغرب. هذه المقابَلة كشفت ضعف الرؤية والأفكار عند "المرأة الحديدة" التي اعترفت في بداية الحلقة أن الجلوس في المعارضة يختلف عن الجلوس في الحكم. كيف يمكن أن نقبل بفكرة أن أطفال الشوارع يختفون ويتيهون بسبب كرة القدم؟! هذا يبين جليا مستوى العبث السياسي الذي وصلت إليه نخبنا السياسية التي يجب أن تكون مسؤولة على التنزيل الفعلي لمضامين الدستور، لا بسرد مبررات واهية لا تملك ولو جزءاً بسيطاً من المنطق للتعامل معها. هل سنحل مشاكل الأسرة والمجتمع بالاستخفاف بعقول المواطنين عن طريق برامج ''الكاري حنكو'' للجزيرة؟ فالحكومة موجودة لمحاسبتها عن صحة ما اتخذت من إجراءات التي نجدها تختلف تماما عن مواد البرنامج الإنتخابي الذي أوصلكم لرئاسة الحكومة و أقسمتم على الإلتزام به نصا ومضمونا فأين هي وعودكم؟هل تنكرتم لها ؟ للحفاظ على مقاعدكم أم اعتدتم الخطاب المزدوج كفلسفة لتسيير الشأن العام. وكم سيكون رائعا لو توقف أعضاء حكومة بنكيران عن البحث والحديث عن راتب غيريتْس، لأن هناك بندا في العقد ينص على ترك الراتب محجوبا ,لقد قام مجموعة من الوزراء المحسوبين على حزب العدالة والتنمية بمجموعة من التحركات الملتوية للوصول إلى راتب غيريتس الحقيقي من أجل خلق الحدث وإثارة الرأي العام ودغدغة مشاعره، ولكن مع الأسف دون جدوى لأن راتب غيريتس يحول مباشرة إلي بنك بلجيكي لا يسمح لأي أحد أن يطلع على معلومات حسابه بدون إذن قضائي. والأمر الثاني أنهم حاولوا بعد ذلك معرفة هل يؤدي غيرتس الضريبة على راتبه، فكان الجواب بنعم من طرف السلطات المعنية، كما سألوا كذلك عن قيمتها ليتمكنوا بعد ذلكمن حساب الراتب الحقيقي لغيرتس، لكنهم لم يصلوإ إلى شيء لأن هناك بندا يمنع ذلك، فلماذا كل هذا العناء لمعرفة راتب غيرتس وكأنكم سيكشفون للمغاربة سرا خطيرا من أسرار الدولة؟ ولما إلهاء المواطنين ببالون ملون اسمه لغز راتب غيريتس ?كما فشلت الحكومة في تدبير قضية التوظيف المباشر لمجموعة من حاملي شهادة الماستر، فلم يتم التعامل معها بالجرأة المطلوبة والشجاعة السياسية الكافية، فالمجموعة سالفة الذكر وقعت محضرا مع الحكومة السابقة يتم بمقتضاه إدماج أعضائها في سلك الوظيفة العمومية، مشفوعا بصدور مرسوم استثنائي عن وزير تحديث القطاعات العامة السابق يزكي نفس المقتضيات؛ لكن الحكومة الحالية ارتأت طرح القضية على أنظار الأمانة العامة للحكومة بصفتها مستشارا قانونيا لباقي الوزارات. ولأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية نسمع رئيس الحكومة يتوجه للمعطلين والمواطنين قائلا: الرزق على الله. أضف إلى ذلك الزيادة في ثمن بيع المحروقات وما تلاها من زيادات في المواد الأساسية والتي قال بنكيران إنه اتخذها لحماية الفقراء. مَن يسمع كلام بنكيران يخيل له أن الزيادة فُرضت على الأغنياء فقط، في حين أن المتضرر الأول والأخير هو الشعب. إن سياسة التسخينات الأولية والخرجات الإعلامية لم تعد تجدي نفعا، فلا يجيد العدالة والتنمية إلا التواصل وفنون الخطاب الشعبوي وتوجيه الأنظار، وخير دليل على ذلك تضارب التصريحات في أقوال بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية بين القول والفعل؛ حينما نسمع وزير العدل يقول إن السياح يأتون إلى مراكش لمعصية الله أليس هذا عبثا ويلحق الضرر بقطاع السياحة الذي يشكل ترمومتر لقياس جودة الاقتصاد الوطني؟ والبعض يفجر ما يعتقده فضيحة كبيرة من خلال اتهام وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار بأخذ 40 مليون سنتيم تحت الطاولة. والبرلماني الذي يمثل الدور الرئيسي في المسرحية؛ مرة يقول أنا لم أقل مزوار ولم أقصده، ومرة أخرى يقول على مزوار أن يتحمل المسؤولية ويعيد الأموال، ثم مرة يقول أنا مستعد للاعتذار 60 مرة. ثم مرة يقول إن هذا نقاش عمومي لا علاقة لي به. في نفس الوقت يخوض الداودي وزير التعليم العالي حرب الطواحين الهوائية مثل دون كيشوت، يبحث عن الفساد في زوايا الوزارة، فلا يجد شيئا مهما، يتهم الوزير السابق، ثم يتراجع في تصريحات رسمية وينزه سلفه، ثم يعود ويتهمه، ثم ينزهه، ثم يبحث جاهدا عله يجد واحدا في الوزارة يدخله السجن فلا يجد أحدا... والنتيجة الحتمية لهاته الاستراتيجية الإعلامية هي أن المواطنين نسوا الزيادة في الأسعار وبدأوا يتأقلمون معها. هذا مجرد غيض من فيض، لكن السؤال الكبير الذي يطرحه المتابعون والمحللون هو التالي: هل يمكن الكلام عن بداية العد التنازلي لحكومة بنكيران؟ الجواب سيكون بالإيجاب نظرا للحصيلة المخيبة للأمال منذ تولي بنكيران لرئاسة الحكومة. ومن هنا نفهم سر الاحتماء بجلالة الملك من إجل التنصل من المسؤولية. إن الاحتماء بجلالة الملك هي نظرية متقادمة وورقة محروقة لا يمكن إشهارها في الوقت الراهن، لأن الدستور الجديد أغلق جميع الأبواب والمنافذ وأقر اقتسام السلط بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة؛ كما أن الاختباء وراء جيوب المقاومة وأعداء التغيير والإملاءات الفوقية لم تعد ممكنة، لأن جلالة الملك كرئيس للدولة لطالما نادى بتطبيق القانون وأجرأة الدستور الجديد وعدم الاستجابة للتدخلات مهما كان مصدرها ومهما كانت صفات الأشخاص الصادرة عنهم.