ينص الباب السابع من الدستور المغربي في باب السلطة القضائية في الفصل 107 الفقرة الأولى على ما يلي " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية " كما أنه في الفصل 115 من الدستور كرس هذه الاستقلالية بإخراج السيد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية, الا أنه عند دراسة الفترة الزمنية الممتدة ما بين تصويت الشعب المغربي بالأغلبية على الدستور الجديد و انتخاب حكومة جديدة في ظله و تطورها الى تاريخ كتابة هذا المقال, تستوقفني ممارسات السلطة التنفيذية التي لا تدل بحال من الأحوال على رغبتها في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد تنزيلا صحيحا و واقعيا يتماشى مع روح الدستور و رغبة الشعب المغربي في قضاء قوي و نزيه, يعكس المقاربة التشاركية مع السادة القضاة الذين يعود لهم السبق في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد و الذي بدأ بتأسيس جمعيتهم المهنية نادي قضاة المغرب تحت أشعة الشمس الحارقة في شهر رمضان المبارك و تحديدا بتاريخ 20/08/2011 قبل مجيئ الحكومة الجديدة, الذي سيبقى خالدا في التاريخ القضائي للمملكة بوصفه سابقة لم يشهد لها القضاء المغربي مثيلا, و ذلك من طرف ثلة من القضاة الشباب الذين صدموا من وضعية القضاء في بلدهم و لن يقبلوا بغير الاصلاح بديلا, ومن طرف قضاة قدامى صدقوا ما عاهدوا الله عليه، الذين عانوا الأمرين في مسيرتهم وتجربتهم القضائية, و أصروا على أن يتغير الوضع المزري للقضاء و ينصلح شأنه قبل تسليمهم المشعل و يطمأنوا لمستقبله تأدية لرسالتهم النبيلة. وبالعودة الى الأحداث القضائية بعد انتخاب الحكومة الجديدة في ظل دستور جديد, استبشر القضاة خيرا باستقبال ممثلهم نادي قضاة المغرب من قبل السيد الوزير, و رأوا في ذلك الاستقبال بداية لمرحلة جديدة تشاركية ما بين السلطة القضائية و السلطة التنفيذية لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد, الا أن تأكيد السيد وزير العدل و على لسانه أن الجمعيات و الشخصيات الحقوقية عبرت له عن أسفها لخروج السيد وزير العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية, والذي شجب تبعية القضاء و القضاة للسلطة التنفيذية و نادى باستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية قبل استوزاه في كل المناسبات, في تراجع خطير وغير مفهوم في مواقف السيد الوزير, و نقض السيد الوزير لوعوده السابقة وذلك بإعادة النظر في الدعم المالي و المقر الذي يمنح لباقي الجمعيات القضائية و جعله مناصفة مع نادي قضاة المغرب, و بعده تصريح السيد الوزير بكون استقلال قضاة النيابة العامة عن السلطة التنفيذية يشكل تهديدا للمؤسسات , شخصيا لا أعلم كيف تم التوصل الى هاته النتيجة و كأن النيابة العامة في الدول المتقدمة مثل ألمانيا و بلجيكا و غيرهما تهدد المؤسسات هناك. ان أكبر خطر يهدد الأمن القضائي في بلادنا هي بقاء النيابة العامة تحت امرة السيد وزير العدل الذي يكون له تلون حزبي يؤثر عليه في تحريك المتابعات في ملفات مهمة أو تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين, و عند مغادرة السيد الوزير الذي فضل عدم تحريكها يكون قد طالها التقادم لتكون الدولة المغربية وخزينتها و شعبها أكبر خاسر فيها. و لعل التقرير القضائي الأروبي الأخير و الانتقادات الشديدة التي وجهت لفرنسا في هذا الباب لأكبر دليل على ذلك و التي تقوم حاليا بتدارك هذا الأمر, لماذا سننتظر بدورنا 100 أو 200 عام لنصل الى هذه النتيجة ؟؟؟ . وبتحضير نادي قضاة المغرب لجمعه الوطني الاستثنائي كان السيد الوزير منشغلا في اختيار أعضاء الهيئة العليا لإصلاح العدالة, و كرد على اجماع السادة القضاة داخل النادي على البدء في الأشكال الاحتجاجية ابتداء من 15/05/2012, تم اقصاء نادي قضاة المغرب من الهيئة العليا على الرغم من أنه يمثل الجمعية الأكثر تمثيلية للسادة القضاة , بذريعة أنه لم يكن قد حسم أمر مشاركته بعد و أن هناك 12 قاضيا ممثلا في الهيئة, و ذلك تكريسا لهيمنة السلطة التنفيذية لتحقيق اصلاح على المقاس يضمن هيمنتها و وصايتها على الجهاز القضائي, لكون تشكيل الهيئة كان لابد أن يكون بشكل تشاركي مع الفاعلين في قطاع العدل و ذلك لتجنب السياسات القديمة "هادا ديالي و هاداك ماشي ديالي", لضمان تمثيلية الجميع داخل الهيئة و عدم اغراقها بشخصيات و مؤسسات محسوبة على السلطة التنفيذية, لتتوالى تصريحات السيد الوزير على أن النادي يهدد الحكومة و يحاول لي ذراعها و كأن السلطة التنفيذية تصور ما يقع من تغيرات في الساحة القضائية المغربية على أنه تحد لها وصراع معها, و ذلك راجع بالأساس الى عقلية السلطة التنفيذية التي ترمي دائما الى المحافظة على وصايتها على السلطة القضائية و تعتبر أن أي تغير من الداخل دون مباركتها وضمن الحدود المسموح بها في التغيير يشكل تهديدا لها. ولعل التهديدات العلنية للسيد وزير العدل للسادة للقضاة في نادي قضاة المغرب من خلال وسائل الاعلام بإحالتهم على المجلس الأعلى للقضاء (التسمية السابقة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا), و اتخاد اجراءات انتقامية منهم بعد عقد مجلسهم الوطني في 09/06/2012 بساعات , و السبب اعلانهم عن خوض جيل جديد من الاحتجاجات ليشكل تدخلا خطيرا في الشأن الداخلي للسادة القضاة, ذلك أن السيد الوزير نسي ربما أن تواجده في المجلس الأعلى للقضاء هو بصفة مؤقتة و كمرحلة انتقالية الى غاية خروج المراسيم المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية, و أن هاته المرحلة الانتقالية تقتضي تسيير أعمال المجلس فقط دون التدخل أو تهديد السادة القضاة بإحالتهم على المجلس , اذا كانت السلطة التنفيذية تريد فعلا التنزيل الحقيقي للدستور و تتماشى مع فلسفته التي كرست بشكل صريح استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية, و أكدت على التعاون البناء الذي يجب أن يسود هذه السلط الثلاث دون المساس بهذه الاستقلالية, لأنه خلاف ذلك ستكون يا سيادة الوزير من يحيل و يحكم في نفس الوقت, فهل يصح أن تجتمع الصفتان ؟. وما يثير الكثير من علامات الاستغراب و الاستفهام, هو تصريح السيد الوزير تحت قبة البرلمان أن نادي قضاة المغرب ليس هو الجمعية الأكثر تمثيلية للسادة القضاة و لم يتوصل بأي شيء يفيد ذلك, ثم صرح أثناء أجوبته أن العدد هو ستون قاضيا, السؤال هو كيف علم السيد الوزير بهذا العدد اذا لم تكن له معطيات عن ذلك, و كيف لوزير دولة في العدل أن لا يعلم ما يجري في الساحة القضائية وتكون له معطيات دقيقة عن كل ما يهم الشأن القضائي, فمراسلة وزارية بسيطة الى الجمعية المهنية لنادي قضاة المغرب كفيلة بالتوصل الى المعطيات الحقيقية, فمعرفة الجمعية الأكثر تمثيلية للسادة القضاة يدخل في صميم عمل وزارة العدل. و لعل طريقة اعفاء السيد مدير التكوين بالمعهد العالي للقضاء محمد الأيوبي تثير كثيرا من التذمر في صفوف السادة القضاة و أعادت الى الواجهة طريقة تعامل السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية, لكونه قاض أعطى كثيرا للقضاء في بلدنا وله حسنات كثيرة, و حتى طريقة اعفاءه يجب أن تكون بالمكانة التي يستحقها كقاض متمرس و كفئ أولا و كمدير للتكوين لسنوات داخل مؤسسة قضائية لها وزنها القضائي داخل المغرب و خارجه ثانيا, لذلك فيجب الاسراع بالحاق هذه المؤسسة الوطنية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية فور تشكيله لتكريس استقلاليتها عن السلطة التنفيذية. لذلك كله فان التنزيل الدستوري للسلطة التنفيذية الحالية في علاقتها بالسلطة القضائية لا يمكن أن يثير الا الاستغراب و ذلك بمحاولة افراغ الوثيقة الدستورية التي صوت عليها الشعب المغربي من محتواها, و يشكل تغولا من جهتها على السلطة القضائية التي تحاول الحفاظ على هيبتها و وقارها, و تحفظها و تجردها, و تكريس استقلاليتها التي منحها اياها الدستور مهما كانت العراقيل و الصعوبات و النتائج, و نحن مستعدون لكل شيء داخل نادي قضاة المغرب لأننا نحمل أمانة ثقيلة أمام الله أولا و أمام الوطن, لمواجهة كل من يريد أن يتغول أو يزايد على السلطة القضائية و يسلبها استقلالها, فهذه عقيدتنا داخل نادي قضاة المغرب دون الدخول في سجالات مع السلطة التنفيذية أو غيرها الا اذا اضطررنا الى ذلك, والتي لا تحسب عليها كلماتها مثلما تحسب على السلطة القضائية, لمكانة الأخيرة كصمام أمان لأي دولة في العالم, ومعيار تقدم الدول على مر التاريخ بعدلها و قوة قضائها, فالسلطة التنفيذية وسياستها في تغير دائم و السلطة القضائية في استقرار دائم, لكون الأخيرة هي من تعيد التوازنات ان اختلت و يطمئن (بضم الياء) لحكمها العادل مهما كان منطوقه. *عضو المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمراكش