بسم الله الرحمن الرحيم قرأت للأستاذ أحمد عصيد مؤخرا مقالا ينتقد فيه حجاب الطفلات عند من يسميهم "المتطرفين". وكعادته كال من السباب "المهذب" والشتم "اللطيف" لكل ما هو إسلام وإسلامي... ألف مكيال. والحقيقة أن مقالات الأستاذ عصيد كلها مستفزة للمتدينين وتبعث على سخطهم. والشيء "الحسن" الوحيد الذي يطبعها إيجابا أنها تكشف عن حقد العلمانيين على الإسلام والمسلمين وتعطينا نظرة عميقة عن الأفكار التي يحملونها والتصورات التي يتصورونها... وهذا شيء مفيد. والأستاذ عصيد غزير الفائدة في هذا الاتجاه... إنه أحد صناع التطرف في بلادنا بامتياز، ذلك لأن التطرف في فكر معين لا بد أن يولّد تطرفا في الجهة المقابلة... فهناك من العلمانيين من يأخذون عن الأستاذ عصيد أفكاره المتطرفة جدا ويعيد صياغتها بلغة بسيطة يفهمها المتطرفون في الدين من الدهماء فتتم الصناعة الخطيرة التي أتحدث عنها. وأقول للأستاذ عصيد، لا تظن أنني ممن ينزعج بالرأي الآخر... على العكس من ذلك، فإذا لم تتكلموا أنتم معشر العلمانيين... فكيف نفهم عنكم عمق المأساة الفكرية التي تعيشون... وما أرجوه منكم هو القليل من الموضوعية والعدل إن استطعتم إلى ذلك سبيلا... والحرص على سلامة هذا الوطن واستقراره بترك النعرات العنصرية والأفكار المستفزة والغلو في علمانيتكم... حتى وإن كانت العلمانية هي العلمانية ليس فيها تطرف ولا اعتدال. أنا أفهم أن ما تكتبون ضدا على الإسلام والمسلمين هو بمثابة مسكن لغيظكم حُيال النصر المبين الذي يحرزه [المتطرفون] بعد ما يسمى بالربيع العربي... بدون قتال ولا اغتيال... بل بانتخابات... مجرد انتخابات... حتى بات بعضهم متربعا على كرسي الجمهورية هنالك في مصر، أو كرسي الحكومة هنا في المغرب وهناك في تونس... أنا أعذركم فالمصاب في ساحتكم جلل... وهزيمة إيديولوجيتكم نكراء، وأطروحاتكم الفكرية بليت وأفلست وما عادت تستهوي أحدا... وخيانتكم لمبادئكم المزعومة في الدفاع عن الفقراء والمهمشين قد ظهرت للجميع يوم توليتم المسؤوليات في هذه البلاد وفي كل البلاد. ولم يعد لكم سوى التعلق بمنظومات حقوق الإنسان والمواثيق "الدولية" أو "الكونية" – هكذا تسمونها تهويلا – تتخذونها مرجعا للطعن في دين الله تعالى وفي أهله - هداكم الله - كما لم يعد لكم سوى تصيد ما يصدر عن بعض المتهورين ممن يحسبون على "سلفية" أو على أي توجه إسلامي آخر من أعمال عنف وإرهاب أو تهديد ووعيد... فإن ذلك يمثل لكم المادة الدسمة لدعوتكم غير المباركة. والحمد لله الذي جعل تنفيذ تلك التهديدات في بلادنا – إن وجدت - من قبيل المستحيلات بفضل يقظة هذا الشعب المغربي عامة وهو يراهن على التدافع السلمي في كل شيء، وأنه لا مجال للعنف والإكراه في ترسيخ الأفكار ومناصرتها... فلم يبق لكم في النهاية إلا البحث عن هفوات "الإسلاميين" لتشتغلوا عليها بنشاط منقطع النظير... وإن كانت تلك الهفوات في كثير من الأحيان لها ما يسوغها، ولأصحابها مخرج معقول منها، هذا لو سلمنا أنها هفوات... ولا يعني بحال من الأحوال أن لكم فيما تتعلقون به من منظومات حقوق الإنسان حقا أو حجة... بل أنتم في كثير من الأحيان تلعبون على سوء التأويل، وتمكرون في التفسير... وفي أحيان أخرى أنتم محجوجون بتلكم المواثيق نفسها، بل أنتم رواد في انتهاكها والاستهانة بها... لذا أنتم بحق آخر من يمكن له الحديث عن حقوق الإنسان... فاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا لم يخل مقال الأستاذ عصيد من النقد اللاذع لمن سماهم "المتطرفين" بخصوص حجاب الطفلات... ومن باب الإنصاف فإن هناك غلوا من بعض المتدينين في هذه المسألة... فقد رأيت بأم عيني امرأة منقبة وهي ممسكة بيد صبيتها التي لا تتجاوز الأربع سنوات وهي منقبة أيضا... كلتاهما بطريقة شرقية. فحينما تؤمر صبية بلبس النقاب الذي يستر حتى العينين وهي لا تتجاوز ربيعها الرابع... فأنا أضم صوتي إلى صوت عصيد منددا ومستنكرا وإن كان كل منا يستنكر من مرجعيته الخاصة. أنا أستنكر لخدمة الدين حسب المستطاع، وصاحبي يستنكر لاستئصاله إن استطاع، وفي أحسن الأحوال لحبسه بين جدران المساجد باردا هامدا لا دخل له في مؤسسات ولا أسواق ولا بنوك ولا هم يحزنون... لكن لا يجوز جعل حادثة معزولة يتيمة مثل تنقيب هذه الصبية مرجعا للطعن في تربية المسلمين لبناتهم... إنها حالة واحدة رأيتها في حياتي كلها... لكنها حادثة معبرة عن التنطع في الدين تعبيرا صادقا... أقول هذا وأعلم أن صاحبي عصيد لا يستنكر تنقيب الصبيات... لأنه لم ير ذلك، ولأنه لو رأى ذلك لأزبد وأرغد... ولكنه يستنكر تربية بنات كثير من المغاربة على ارتداء لباس حيي ومحتشم. مقال الأستاذ عصيد جله زيغ عن الحق والهدى، وناتج عن الحقد والهوى، وكله حيف وعدوان على "الإسلاميين" كعادته، ويمارس ذلك بصيغ مباشرة وواضحة في استهتار سافر. هذا في الوقت الذي لا نجد "للمفكر" العلماني عصيد أدنى نقد لمعسكر المتغربين والإباحيين والشواذ والمثليين والمفطرين في رمضان... بل نجده مدافعا عنهم ومنافحا في كثير من الأحيان تصريحا لا تلميحا بحجة الدفاع عن الحريات... وهكذا مقاله حول تحجيب الطفلات لم يخرج عن قاعدة الحقد والبغض... وسأتناول منه بالنقد والرد فقرته الأخيرة فقط... لأن ما سبق في المقال مجرد اجترار وتكرار لما يقوله دوما دونما كلل أو ملل: الحريات.. الإبداع.. الحقوق.. الخصوصية.. التنوع... إلى آخر الشنشنة. والهدف واحد لا ثاني له: النيل من الإسلاميين. قال الأستاذ أحمد عصيد: [أمام المتطرفين كل الوقت الكافي للوعظ والإرشاد داخل بيوتهم ليقنعوا بناتهم عبر التربية الدينية وبالحسنى بوضع "الحجاب" عند البلوغ والنضج] قلت: كلمة [المتطرفين] كلمة عائمة ومائعة، وذات دلالات متعددة، ويمكن استعمالها في كل الاتجاهات... إلا أننا هنا نعلم ماذا يقصد بها الأستاذ عصيد... إنه يقصد بها كعادته: [الإسلاميين]... وأنا شخصيا ممن يستعمل هذا اللفظ المحدث للرد على المتنطعين في الدين والغلاة... [المتطرفون] عند الأستاذ عصيد هم كل من يحمل مشروعا إسلاميا... أو برنامجا سياسيا بمرجعية إسلامية مهما كان معتدلا سمحا... أو يختار لنفسه لباسا تقليديا... فإذا أرخى لحيته مثلي [لا سمح الله] فهو رأس في التطرف... وهكذا، يكفي أن يكون المرء إسلاميا - حتى لا أقول مسلما - ليتبوأ مقاما ساميا في [التطرف] حسب منطق صاحبنا عصيد. قوله [داخل بيوتهم] فيه احتكار واضح للفضاءات العامة والمنابر العمومية. [داخل بيوتهم] يعني لا مجال لذلك في الجامعات والتلفزيون والصحف والأندية... يعني حجرا على المتدينين من توجيه عمومي عبر وسائل الإعلام أو غيرها. هنا يغيب القبول بالرأي [الآخر] غيابا كاملا. هنا الدعوة إلى الإقصاء ظاهرة للعيان. هنا تحريض واضح على تكميم الأفواه، ومنع سافر للتعبير عن وجهة نظر بصرف النظر عن كونها خطأ أو صوابا. إنه القمع الفكري والتحريض على إعدامه... فأين الحريات في التعبير والاعتقاد؟ وأين الوفاء لما تزعمون من مرجعيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره؟ أين قبول الآخر؟ وأين إيمانكم بالاختلاف؟ أليست حرية التعبير من أبسط الحقوق "الكونية"؟ وبأي وجه حق ينتصب متطرف علماني وصيا على ما يعتبره تطرفا في الدين؟ أليست الحرية للجميع؟ ثم أليس نقد المتدينين في دينهم، لا سيما إذا تعلق الأمر بظاهرة معينة، كظهور نوع من الغلو أو حالة من حالات الزيغ عن سماحة الإسلام... من مهام علماء الإسلام، وليس من مهام علماني موغل في علمانيته؟ وإن تعجب فعجب لشخص أو فئة من الناس لايرفعون لفرائض الدين رأسا، ولا يقيمون لمحكمات الكتاب وزنا... يقلقهم ويزعجهم لون من التربية يختاره أب لابنته حسب معتقده وما يدين الله به. وصدق من قال: [لو ذات سوار لطمتني] إن شعوري - من حيث أنا داعية إلى الله - وأنا أقرأ هذه الكلمات، هو الشعور نفسه الذي سيشعر به الأستاذ عصيد - من حيث هو داعية إلى العلمانية - لو كتب أحد ما يلي: [أمام الزنادقة كل الوقت الكافي للتضليل والإضلال داخل بيوتهم ليقنعوا بناتهم عبر التربية الماسونية والإلحادية بعدم الاعتصام بالإسلام عند البلوغ والنضج] لا شك أنه سيكون شعورا صادما، وسيثير من الردود والتنديد... وربما الوقفات والاعتصامات... ما الله به عليم. ذلك لأن بعض العلمانيين رغم علمانيتهم يحسبون أنهم مهتدون... ولا يرضون أن يوصفوا بأوصاف مشينة، حتى لو كانت أوصافا تعبر عن واقع حالهم... لذا هم يغضبون كما يغضب شارب الخمر لو ناديته [أيها السكير...] أهون عليه أن يشرب برميلا من خمر أحمر على أن ينعته أحد بالسكير... قوله: [تحجيب الطفلات قسرا بقرار متهور من الكبار فهو سلوك قهري لا يخفى] هذه الجملة تنتقد أسلوبا معينا من التربية. وتربية الأطفال حق الصغار على الكبار، وواجب الكبار على الصغار. غير أن مفهوم التربية مختلف غاية الاختلاف بين من هو متشبع بالدين ومن هو لا يبالي بشيء اسمه حلال وحرام. فالمسلم يربي أطفاله على الإسلام... يعلمهم العقيدة والإيمان بالله وبما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وباليوم الآخر، ويزين لهم حفظ القرآن الكريم والاعتصام بالسنة النبوية العطرة... ويحبب لهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين والعلماء وعامة المسلمين... وهكذا يكون من واجب الوالدين الحرص على تربية أطفالهم على تعظيم شريعة الله تعالى والوقوف عند حدود الله عز وجل... وتقدير معاني الحلال والحرام ترغيبا في الأول وترهيبا من الثاني. كما لا يفوت الوالدين تربية أطفالهم على حب بلادهم والتضحية في سبيل الدفاع عنها بالغالي والنفيس... كل هذا مع وجوب تعليم الأطفال العلوم الدنيوية المفيدة والتقنيات الحديثة والدفع بهم دفعا نحو التبحر في العلوم المعاصرة التي تعود على الأمة كلها بالنفع العميم... لكن لا بد من تحصينهم دينيا وعقديا حتى لا يسقطوا في أوحال الإلحاد والفساد... إن إجبار الأطفال وإلزامهم بأشياء كثيرة في طفولتهم أمر وارد بل لا بد منه عند المقتضى، دون أن يكون ذلك [قرارا متهورا] حسب تعبير الأستاذ العلماني. فالطفل يجبر على الذهاب إلى المدرسة جبرا مثلا، إذا عز أسلوب الترغيب والتشويق... كما يجبر جبرا على فعل ما ينفعه وترك ما يضره... كتناول دواء، أو إنجاز واجب مدرسي... من قال يجب على الوالدين أن يتركوا أولادهم أحرارا يفعلون ما يشاؤون دون توجيه أو رقابة أو تربية بل ودون محاسبة ومعاقبة إذا اقتضى الحال؟ من هنا كان من الواجب على الوالدين المسلمين شرعا أن يربوا أبناءهم على عقيدة الإسلام وأحكامه... ويعلمونهم الطهارة والصلاة والصيام وغير ذلك ويتمرنون على الممارسة والتطبيق قبل البلوغ دون أن يكون في ذلك أدنى مخالفة شرعية وأدنى تعسف في حق الأطفال... بل إن التقصير في هذا هو ما يوجب المؤاخذة والعتاب... لا العكس. وهنا يدخل تحجيب الطفلات من الباب الواسع، لكن دون غلو أو تنطع بل بما يناسب الطفلة من حيث سنها وشكلها... ومن حيت توافق ذلك مع لعبها وتصرفاتها... إنه لا مجال لتعليمها العري الفاضح والاستخفاف بكشف العورة وترك الحبل على الغارب وعدم المبالاة إذا ما صاحبت الذكور مثلا، وتركها تصول وتجول بكل حرية مع "أصدقائها" ومصاحبتهم إلى المنتزهات وقاعات السينما وشواطئ البحر... ليلا ونهارا... خاصة إذا ظهرت أنوثتها ظهورا تاما حتى وهي قاصر... فهذه ستكون تربية على الإباحية والانحلال... وفتحا لباب جهنم أمام الطفلة وأمام والديها سواء. لا مجال لترك الأطفال أحرارا أمام شبكة الإنترنيت أو قنوات التلفزيون... المراقبة مطلوبة يا أستاذ عصيد. والمنتجون للأفلام أنفسهم يضعون علامات أسفل الشاشة [ممنوع على أقل من عشر سنوات... أو اثني عشرة أو حتى ثماني عشرة سنة] حسب اللائق بالأطفال من عدمه... هذا وليس الوالدان فقط هما المسؤولين على هذه التربية الإسلامية، بل الدولة نفسها مسؤولة على ذلك من خلال البرامج التعليمية والسياسة الإعلامية والتوجيه من منابر المساجد وكراسي الوعظ والإرشاد... والمجتمع كله مسؤول في النهاية عن تربية أطفاله وتوجيههم نحو الخير... لأنهم هم من سيحمل المسؤوليات في المستقبل القريب... لذا لا مناص من استحضار الوازع الديني في حس المواطن منذ صغره حتى نصنع منه الإنسان الصالح وليس فقط المواطن الصالح. ويقول الأستاذ عصيد في نفس الفقرة: [سلوك قهري لا يخفى يقوم على عقيدة "العورة" من جهة والتي لا تعني الأطفال] لقد وددت لو أن الأستاذ عصيد حدد لنا في أي سن ينتهي طور الطفولة بحيث يكون طفلا كل من لم يتجاوز ذلك السن المعين. أنا أعلم أن القانون الآن يحدد سن القاصر فيما دون الثامنة عشرة. وليت شعري هل الفتاة ما دون هذه السن لها عورة عند عصيد أو ليس لها عورة. في الواقع هذه أول مرة أسمع فيها [عقيدة العورة] وكأني بالأستاذ العلماني لا يعترف بشيء اسمه عورة. ولئن كان العري عندكم - معاشر العلمانيين - عقيدة حداثية، فاعلم أن الإسلام قد حرم تحريما قطعيا كشف الفروج والسوءات... وفصل تفصيلا في هذا الموضوع بدءا من الأمر بالغض من البصر، ومرورا بعدم إظهار الزينة، ووصولا إلى فرض الحجاب على النساء باعتبار أجسادهن عورة إلا ما كان من الوجه والكفين فهما أمر مختلف فيهما بين الأئمة. كما أن للرجال أيضا عورة وهم مطالبون شرعا بسترها... حتى وإن كانت عورة الرجال دون عورة النساء في شرع ربنا. نقرأ في موسوعة وكيبيديا ما نصه: [عورة المرأة، ستر جميع الجسد إلا الوجه والكفين وأما عورتها بالنسبة لمحارمها: فهي غير الوجه والرأس واليدين والرجلين فيحرم عليها كشف الصدر والثديين ونحو ذلك. ويحرم على محارمها رؤية ذلك منها وإن عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها سوى وجهها وكفّيها. ويختلف رجال الدين الإسلامي في عورة المرأة أمام الرجال الأجانب. منهم من يقول إن عورتها جميع بدنها ماعدا وجهها وكفّيها ومنهم من يقول انه واجب على المرأة أن تستر وجهها عن من ليسوا بمحارمها] والسؤال الآن لعصيد: هل تصح صلاة المرأة المسلمة وهي سافرة؟ أم لا بد من أن تستر عورتها؟ وما هي حدود هذه العورة إن وجدت؟ وهل للمرأة عورة أصلا؟ أفدنا جزاك الله... وكل أملي في ألا تكون الصلاة علامة على التطرف كذلك. قلت: إن كشف العورة محرم على المؤمنات بالله تعالى بالنص القرآني وبالحديث النبوي قبل أي شيء آخر. فآية سورة الأحزاب نص في المسألة: {ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين...} الآية 59. وآية سورة النور 16 نص آخر في ذات الموضوع: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... } الآية. ولا أريد فتح أمهات كتب التفسير في المسألة وسرد الأحاديث الصحيحة والصريحة وشرحها من قبل حفاظ الأمة... فذلك له مجال آخر غير هذا المجال. إن ما يسميه عصيد [عقيدة العورة] هو واقع قديم قدم الإنسان نفسه، بل هو مما حصل الاهتمام به في الجنة قبل نزول آدم وحواء عليهما السلام إلى دار الدنيا، لقد أكل آدم وزوجه حواء عليهما السلام من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها... فكان من تبعات تلك المعصية أن بدت لهما سوءاتهما... وهو ما حكاه القرآن الكريم في الآية: {فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} وهكذا عمد آدم وحواء عليهما السلام إلى ستر عورتيهما بورق الجنة حياء وحشمة بعد أن بدت لهما سوآتهما... فهل يدرك الأستاذ عصيد أن الحجاب من شرع الله تعالى وأن ستر العورة أمر من الله سبحانه...وأن تربية الأطفال ذكورا وإناثا على ذلك واجب شرعي في حق الوالدين بالدرجة الأولى؟ {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف:26] . وفي ختام الخاتمة مما كتبه عصيد يبرز جليا حقده الكبير على "السلفية" بل على تعاليم الإسلام ذاتها وهو ما يؤدي إلى صناعة التطرف كما ذكرت آنفا. يقول معلقا على تحجيب الطفلات: [مما يؤدي بالأب الواقع بين براثن السلفية إلى التعجيل بتعويدها على لباس لا يلائم شخصية الطفل، وهو أمر مردود ومرفوض، لأنه يتعارض مع مبدأ حرية الإختيار الذي لا يُطرح بالنسبة للأطفال، ولكنه حق أساسي للبالغين الراشدين] نعم هو حق أساسي للبالغين الراشدين، ولذلك هم يختارون لطفلاتهم ما يرونه صالحا لهن في الحال والمآل... قلت: هكذا يصرح صاحبي العلماني بأن للسلفية [براثنا]. وتحجيب الطفلات - وهو السياق الذي وقع فيه هذا التعيير والتعبير من الأستاذ العلماني - من هذه "البراثن" ثم ينص على أن الأمر عنده مردود ومرفوض لأنه يتعارض مع مبدأ حرية الاختيار... قلت: مردود ومرفوض من طرف من؟ مردود ومرفوض عند العلمانيين أم عند رب العالمين؟ عند الإباحيين أم عند الأتقياء الأنقياء؟ فلئن كانت تربية الطفلات على تعاليم الإسلام أمرا مردودا ومرفوضا عندكم أيها الناس فدونكم ماء البحر فاشربوه. أما مبادئ حقوق الإنسان التي تتمسكون وتتمسحون بها تحايلا ومكرا، فهي مؤيدة وحجة لنا في اختيار نوع التربية لأطفالنا ذكورا وإناثا. أقول هذا جدلا، لأن الحجة عندنا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وما أجمعت عليه الأمة... جاء في المادة 26 من الإعلان لحقوق الإنسان: [ 3 / للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم] قلت: ليس [في بيوتهم] فحسب كما أوصى العلماني عصيد، بل في الحياة كلها، وفي الأماكن كلها والأزمان كلها... ما دامت هناك حياة وما دام هناك زمان ومكان. وفي المادة 18 وهي المادة التي تعطي للإنسان حق الردة... عياذا بالله، نقرأ: [لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة] والسؤال هنا للأستاذ العلماني: كيف تجيزون الإعراب لمن غير دينه مرتدا بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها... بناء على هذه المادة، ولا تجيزون للمعتصم بشريعة ربه الذي يفضل أن ينشر بالمنشار نصفين على أن يترك دينه أو يغيره... لا تجيزون له الإعراب عن عقيدته [بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة] وتتفضلون عليه بالسماح له بفعل ذلك [داخل البيوت] على أن تمارسوا أنتم حريتكم الإيديولوجية وتربوا عليها أبناءكم - وأبناءنا أيضا - من خلال كل مرافق التأثير والتربية والتعليم ومن كل منابر التبليغ والإعلام... رغم أنه لا حق لكم في التصرف في المؤسسات العمومية بما يخالف التوجه العام للأمة القائم على الثوابت المعلومة وعلى رأسها دين الإسلام إن كنتم لا تعلمون.