تعتبر نادية ياسين من الأرقام المهمة في جماعة العدل والإحسان، الجماعة التي أسسها أبوها عبد السلام منذ ما يناهز الثلاثة عقود. بدأ نجم هذه السيدة يسطع في السنوات الأخيرة مع تزايد وتيرة المزايدات السياسية مع النظام، فرغم عدم انتمائها لمجلس الإرشاد والذي هو بمثابة الحوزة العلمية في الجماعة، فإن موقعها كبنت للشيخ الذي لم يرزق بذكور، فرض عليها أن تتكلم لغة ذكور الجماعة، وتجمع بين لغة المزايدات السياسية التي تميز كل القوى العدمية في هذا البلد، والشطح الصوفي الذي يميز الجماعة عن باقي أقرانها العدميين. "" هكذا تحولت طفلة ياسين إلى الشخصية الثانية في الجماعة، مسنودة بامتياز علاقة القربى مع الشيخ وامتياز الأنوثة التي عليها أن تصيح صياح الديكة بتعبير الشاعر العربي النابغة الذباني، وهذا يعني تنظيميا، قيامها بوظيفة النطق باسم الأب المرشد الروحي، حتى وإن كان أرسلان هو المكلف رسميا بمهمة النطق باسم الدائرة السياسية، وهذه الوظيفة/الامتياز، سمح لهذه السيدة بالتحليق بالمواقف النشاز والتي تصل أحيانا كثيرة حد التناقض مع التوجه العام الذي حرصت عليه الجماعة منذ تأسيسها، هكذا خرجت السيدة بفتاوى، عن النظام الملكي، وإمارة المؤمنين، ولم يسلم من لسانها الرجولي المجتمع والحكومة والأحزاب وحتى القضاء، ولعل آخر نسخة من فتاوها السياسية المبتكرة جدا، تلك التي اعتبرت فيها النظام الأمريكي الأقرب إلى الإسلام، كان هذا مع قناة BBC الناطقة بالعربية، وما أثار انتباهنا، هو مبررات هذه التخريجة العجيبة. فإذا كان لليبيا "القذافي العجيب" والذي نسب في آخر تخريجاته حكام الخليج إلى بلاد فارس، تماما كما نسب سابقا "شكسبير" إلى ليبيا، فإن لنا نصيبنا من هذه الشخصيات العجائبية ومن بثاء التأنيث هذه المرة، نادية العجيبة. إذن، الديمقراطية الأمريكية بحسب مفتية جماعة العدل والإحسان، هي نظام أقرب إلى الإسلام، ولنا أن نتساءل منذ متى تحولت أمريكا من"عدوة الشعوب" كما كان ولايزال يصفها بها الأصوليون، بمختلف تلاوينهم، إلى "قرييبة الإسلام" ماذا لو صدر هذا الكلام عن أحد رجالات السياسة الآخرين، ألن يوصف بالعمالة والخيانة؟ فهل يتعلق الأمر بمزايدات سياسية مع النظام وهو الذي لا طالما اعتبر علاقته بأمريكا علاقة تاريخية، تمتد لاستقلال أمريكا ذاتها؟ أم أن الأمر أكبر من ذلك، ليصل لما أصبح مؤكدا اليوم في الاستراتيجية الأمريكية، وهو احتواء الحركات الأصولية المحسوبة علي الاعتدال وتشجيعها في مواجهة الأصولية الدموية المتمثلة في تنظيم القاعدة؟ وبلغة أخرى ما الذي تغير هل أمريكا أم الجماعة، لتغازل السيدة المسترجلة النظام الأمريكي؟ شكلت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالنسبة للأصوليين دوما "الشيطان الأكبر "والطاغوت، الذي ينبغي مناهضة استكباره العالمي عبر مناهضة الأنظمة السياسية الموالية لها، لذلك شكلت هذه الرؤيا مصدر تجييش كبير لعواطف ووجدانات الجماهير الشعبية، المنتشية بوهم تميزها العقائدي والحضاري ،فلا عجب إذن إن كانت هذه الرؤيا مسنودة على نحو قطعي بالمنظومة العقائدية التي تعبر عنها بعض النصوص النقلية عن النصارى واليهود، وهذا مما يمكن تفهمه واستيعاب حيثياته التاريخية والسياسية والنفسية، تماما كما كان عليه الأمر في العقود السابقة، عندما كانت أمريكا توصف بصفات مثل "الإمبريالية"والرجعية، إلى غير ذلك من الصفات المنسوبة للماركسية. لكن المفارقة هي أن لا أحد من «رفاق الأمس» قال ما قالته أخت اليوم، كان يقول مثلا أن النظام الأمريكي، هو أقرب إلى الديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية، لاعتبارات متعلقة أساسا بطبيعة العقيدة الماركسية والتي تتأسس على مبادئ تحدد قبليا نوعية المواقف المسموح بها والمحظورة، وهذا للأمانة التاريخية، بخلاف السياسة الدينية والتي تسمح بمواقف تتناقض بحسب الحاجة لا المبدأ، فعندما يكون الأصولي في حالة حرب مع أمريكا ذاتها مثلا، فإنه يعتمد على المعجم القرآني حول اليهود والنصاري والصليبيين، (خطاب أيمن الظواهري الأخير)، ولكنه عندما تكون مصلحته مع السلم والتعاون / العمالة، فإنه يبرر هذا الاختيار بمعجم السلام والتحاور مع أهل الكتاب (تحريم الحوزات العلمية لحمل السلاح ضد أمريكا، بمقابل تبرير الجرائم المرتكبة ضد السنة باسم اجتثات البعث) وأي شيء غير هذا اعتبار أمريكا أقرب إلى الإسلام، فلا عجب إن طلعت علينا مفتية الجماعة مرة أخرى معتبرة بوش أقرب إلى أولياء الله الملة والدين، فهل » أخذتs المعرفة عن الأب أو أورثها ابنته؟ أم أن الأمر يتعلق فعلا بموقف جديد هو نتيجة لكواليس اللقاءات التي بدأت تعقدها الإدارة الأمريكية مع بعض الحركات الأصولية المنتقاة بعناية في كل ربوع العالم العربي؟ إن موقف كهذه تطرح إشكالات عديدة، منها الضمانات المبدئية التي تؤطر المواقف السياسية للحركات الأصولية، سوآء ضمانات احترامها لقيم المواطنة والسلم، أو ضمانات العمل داخل المؤسسات الديمقراطية، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فإن غياب هكذا ضمانات يجعل الحركات الأصولية مهددة لقيم التعايش والتواصل بين الحضارات، ومثل هذا الإشكال يعني مشروعية الشكوك التي تحوم حول وطنيتها وصفاء نواياها تجاه هذا الوطن، مادام المبدأ الذي تستند إليه في مواقفها السياسية غير موجود، (اليوم مع النظام والمجتمع بموجب أدلة نقلية عن الإمام وضرورة مبايعته، وغدا ضدهما بموجب أدلة نقلية أخرى عن الحاكمية للشريعة، البارحة ضد أمريكا بموجب الأدلة النقلية عن اليهود والنصارى، والتي تصفهم بالقردة والخنازير، واليوم مع أمريكا بموجب أدلة أخرى)، إذن، ما الذي يتغير، هل الأدلة النقلية أم المصلحة والسياسة؟ إنها السياسة والمصلحة لا غير حتى وإن حاول شيوخنا واتباعهم وبناتهم أيضا، إقناعنا بالعكس، وهذا يعني ضرورة نزع أقنعة الدين والعقيدة على ماهو محض سياسة، هكذا يجب التعامل مع الأصولي وهكذا ينبغي قراءة تاريخه والاحتياط من مواقفه، فهي محض سياسة وتقية، فمؤخرا ساهمت جماعة الإخوان المسلمين السورية في تكوين جبهة سياسية للإطاحة بالنظام البعثي في سوريا، بعد أن ساهمت هي نفسها في تقوية عوده ضد التنظيمات الشيوعية باعتراف أحد مؤسسي التنظيم والمسمى عصام العطار، في حوار أجرته معه قناة الحوار. البارحة حملت جبهة الإنقاذ السلاح ضد الدولة الجزائرية واليوم يكفر « علي بلحاج» من يحمل السلاح. إذا كنا أوردنا هذه الأمثلة فلقطع الشك باليقين لدى من لازال يعتقد بوطنية الحركات الأصولية، فما هي الضمانات التي ستجعلنا في يقين من أمر أصوليينا اليوم والغد، فاليوم تغازل سيدة جماعة العدل والإحسان أمريكا، فمن سيضمن أنها ستغازل تنظيم القاعدة وحتى الشيطان غدا لتحقيق دولة النقاء «دولة الخلافة على المنهج النبوي»