بسم الله الرحمن الرحيم هو البيان الذي صدر تأييدا للثورة السورية عن هاني فحص عضو الهيئة الشرعية في المجلس الشيعي الأعلى،ومحمد حسن الأمين المستشار في المحكمة الشرعية الجعفرية في لبنان،ويحسن قبل أي كلام أن نورد البيان ثم نتعقبه بالتعليق والتحليل: بسم الله الرحمن الرحيم " فاستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم" بيان إننا نحن الموقعَيْنِ المعروفَيْن أدناه محمد حسن الأمين وهاني فحص ، المعروفين للقاصي والداني شكلاً ومضموناً ونهجاً وسيرة .. واختياراً نهائياً للاعتدال والتوسط والنسبية والتسوية .. انسجاماً مع مكوناتنا وخياراتنا الإيمانية والإنسانية والوطنية والعربية ، وانتمائنا الاسلامي العام ، الذي لم نشعر مرة أننا مضطرون ولا طلب منا احد ، أن نتنصل من خصوصيتنا الشيعية من أجله ، وكنا دائماً على يقين انه لا يناسب التشيع أن نجافي روحية الاسلام التوحيدية الوحدوية ومترتباتها الفقهية القائمة على القبول المتبادل وتصحيح المسالك المختلفة في الفضاء الاسلامي الرحب والجامع ، وتواصلاً مع موروثنا الشيعي في مقارعة الظالمين ، أياً كانوا ، ونصرة المظلوم أياً وأينما كان ، والتزاماً منا بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون أن ينقص ، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية ، وحرصاً منا على دورنا الفكري الشيعي الاسلامي العربي والتنويري الذي لا ينكره الا مكابر أو غوغائي .. وتجسيداً لميلنا المعروف الى الاعتراض الجهير على الخطأ ، مهما يكن مرتكبه قريباً أو بعيداً .. وجلاءً لاختيارنا للوقوف المشهور في الزمن الصعب ، الوقوف الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان ، وضد الاحتلالات الوطنية ، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط .. ومن دون تفريق بين ظالم وظالم ومستبد ومستبد وشعب وشعب .. ندعو أهلنا الى الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والإطمئنان اليها والخوف العقلاني الأخوي عليها .. وخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة بإذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء ، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري .. وبنا في المحصلة قطعاً .. لأن من أهم ضمانات سلام مستقبلنا في لبنان أن تكون سوريا مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية . إننا نفصح بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية ، كما ناصرنا الثورة الفلسطينيةوالإيرانية والمصرية والتونسية واليمنية والليبية ، وتعاطفنا مع التيار الإصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في إيران وحركة المطالبة الإصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان .. مع استعدادنا لمناصرة أي حركة شعبية ضد أي نظام لا يسارع الى الإصلاح العميق تفادياً للثورة عليه وإسقاطه .. لقد زهق الباطل الذي كان دائماً زهوقاً ، أما إحقاق الحق فطريقه طويل ومعقد ومتعرج ، وفيه كمائن ومطبات كثيرة ، ويحتاج الى صبر وحكمة ويقظة وحراسة لدم الشهداء ، حتى لا يسطو عليها خفافيش الليل وقطعان الكواسر .. ويحتاج الى شفافية وحوار وود ونقد .. ولن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص .. آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الاسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين " انتهى أقول:على مدار متابعتي لمجريات الثورة السورية طيلة 17 شهرا كدت أيأس من انبعاث صوت شيعي عاقل ينصف الشعب السوري وفاء للثرات الحسيني المقاوم للظالمين أيا كانوا وحيثما وجدوا،وإذا كانت قواعد الأصول وبديهيات العقول تقول بإلزام المخالف بما يقوله ويرويه،فما أحسن أن يُذَكَّر الشيعة المساندون أو الساكتون عن جرائم العصابة الأسدية بذلك التراث المقاوم،أو لم يقل الحسين عليه السلام:"أيها الناس، إن رسول الله قال: ( من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيّر )،وأقسم قائلا (لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد)،وقال:(إن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت جداً، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا شهادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً). وقدم الشهيد السعيد دمه ودم أولاده وأصحابه ثمنا للحرية وإنقاذ الإسلام وإيقاف دورة مصادرة حق الناس في اختيار من يحكمهم،وقدم ثمنا للحرية أيضا سبيَ نسائه ودم طفله الرضيع الذي ذبح على صدره الشريف،تماما كما أُزهقت أرواح أطفال أبرياء في درعا وحماة والحولة والرستن وإدلب ودير الزور بعد أن تم توثيق أيديهم وذبحهم من الوريد إلى الوريد على أيدي شبيحة الأسد. والآن بدأت تتبلور لدي قناعة مفادها أن الشيعة بين خيارين لا ثالث لهما إما التحول إلى شبيحة طائفية لا صلة لها لا بعلي ولا بالحسن ولا بالحسين عليهم رضوان الله،وإما الاندماج في البلدان التي يقطنونها مع الاحتفاظ بخصوصياتهم المذهبية والعقدية تحت ظل الإسلام الجامع،كما كان يخشى في نفس الآن على قطاعات واسعة في عالم التسنن التحولَ إلى قاعدة تكفيرية تتمنطق بأحزمة العنف لقتل الأبرياء،لما تسلل إلى عقولها الخلل في فهم الجهاد باختزاله في معنى القتال،والخلل في ترتيب الأولويات والخلل في فقه مراتب الأعمال (السنة والبدعة)والخلل في فهم شبكة المصالح المعقدة وموازين القوى في العالم والخلل في تدبير الاختلاف مع المخالفين الداخليين والخارجيين (التكفير) والخلل في تماسك البناء الداخلي(الاختراق المخابراتي والأجنبي)،وبكلمة السنة والشيعة أو القاعدة والشبيحة. ولقد أحسن السيدان هاني فحص وحسن الأمين صنعا وإن تأخرا بإصدارهما لهذا البيان/الحقيقة،وهو بيان لإبراء الذمة،وبيان لرفع الخلط واللبس الذي أحدثته مواقف "حزب الله" المساندة للعصابة الأسدية إلى درجة اعتبار عتاة القتلة المجرمين الذين تورطوا في المجازر الجماعية بسوريا "رفاق سلاح" و"شهداء" يستحقون إقامة الحداد عليهم حتى خشينا من أن يعلن الحزب تنظيم "لطميات" حزنا عليهم،ويشرف البيان بقارئه على عدة أمور منها: 1.البيان أملاه "الانتماء الإسلامي العام والخيارات الإيمانية والإنسانية والوطنية والعربية، وتصحيح المسالك المختلفة في الفضاء الاسلامي الرحب والجامع" 2. وأملاه أيضا "الالتزام بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون أن ينقص ، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية ...والوقوف الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان ، وضد الاحتلالات الوطنية ، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط"..والسؤال من هو المنتقِص،ومن هو المستظهِر "بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية"،فلا يمكن أن يكون ذلك المستظهر غير "حزب الله" الذي يلجأ إلى التهم الجاهزة :"الوقوف في وجه المقاومة والممانعة"، وكان يمارس من الضغوط ما كان يحول دون صدور مثل بيان السيدين فحص والأمين في حينه،فيوم انتصر الحزب في حرب "تموز" مع إسرائيل ساندته الأمة كلها باستثناء صنائع أمريكا من الحكام،ورفعت الجماهير صوره في شوارع عمان والرباط والقاهرة وتونس وإسلام أباد بدون أن تسأل عن خلفيته المذهبية والعقدية،وحرام أن يضيع الرصيد النضالي الذي اكتسبه الحزب نتيجة لاتخاذ مواقف غير محسوبة ومتسرعة غابت عنها الحكمة وأعوزها بعد النظر بالإصرار على مساندة العصابة الأسدية إلى أبعد حد،وبالمشاركة الميدانية والدعم اللوجستي والإعلامي،وتحولت خطابات "السيد" من خطابات قوية إلى خطابات بئيسة لا تقنع حججها حتى الأطفال،ومَثَّل ذروة البؤس اللجوء إلى إقحام قضية عادلة هي قضية الشعب الفلسطيني لتبرير المذابح الأسدية،واليوم مكنت الثورة السورية لبنان من التخفف من الوصاية السورية فأعلن للعالم اكتشاف مخطط مكتب الأمن القومي السوري بالتنسيق مع حليفه وحليف "حزب الله" الوزير السابق ميشال سماحة للعبث بأمن لبنان وافتعال نزاعات مذهبية وحرب طائفية تمكن النظام السوري من تصدير أزمته الداخلية،وهونظام يدرك أنه زائل لا محالة ولذلك فهو عازم على تدمير سوريا ومؤسسات الدولة وإشغال الإدارة البديلة بإعادة الإعمار شعاره في كل ذلك "الأسد أو لا أحد"،والكل يهون ثمنا للحرية والتخلص من نظام بز "إسرائيل" في النذالة والإجرام. 3.أفصح السيدان "بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية، وتعاطفنا مع التيار الإصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في إيران وحركة المطالبة الإصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان" 4.ويختم السيدان البيان بالقول:" لن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص .. آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الاسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين". وليس النقد المخلص شيئا غير التصحيح الذي يسهم في تشييد قاعدة فكرية وعاطفية تلم شعث المسلمين جميعهم لاسيما وأن نذر حرب مذهبية طاحنة يصب نشوبها في مصلحة "إسرائيل" وأمريكا التي لا تعتبر هي ولا دول العشائر في الخليج مؤهلة لإعطاء دروس في الدمقراطية وهي تساند الثورة السورية من منطلقات مصلحية وجيوسياسية،وإن كان من حكمة في ترك الشعب السوري وحيدا في مواجهة القتل الأسدي فهي ألا يستشعر ذلك الشعب مِنَّة لأحد على ثورثه بعد صمود أسطوري للسوريين الذين يخرج الواحد منهم وهو يردد "الموت ولا المذلة" محاكيا الشعار الحسيني الخالد "هيهات منا الذلة"، ويُخشى أن يرتفع منسوب التجييش الطائفي في أيام شهر محرم بمناسبة ذكرى كربلاء التي يجدر بالمسلمين اتخاذها مناسبة للتوحد في مواجهة الظلم والظالمين لا مناسبة لتنزيف الجروح واشتقاق سلوك الأجيال من أكدارها،وإن وقوع ما حذر منه الشيخ محمد مهدي شمس الدين من شأنه أن يحول الشيعة إلى شبيحة أي "أن تتحول ذكرى كربلاء ومؤسسة المأثم الحسيني إلى إطار للتمذهب والتمايز العصبوي"1،وأن تظهر ممارسات " تحول كربلاء من ثورة إسلامية وإنسانية إلى حركة شيعية بالمعنى الضيق"2،فالحسين " لم يثر من أجل مشروع شخصي أو علوي عائلي، أو هاشمي عشائري، أو قرشي قبلي، أو حجازي وطني، أو قومي عربي، إن الحسين ثار من أجل مشروع إسلامي وإنساني"3. الهوامش 1 محمد مهدي شمس الدين، الروح الحسينية وحماية السلم الأهلي في لبنان"، مجلة الغدير، عدد 25- 26، صيف 1994، ص: 14 2 المصدر نفسه 3 نفسه