الدبلوماسية الموازية وسيلة لحشد المزيد من الدعم لقضيتنا الوطنية.        عزيز العامري يعود لقيادة المغرب التطواني    منها التحريض على البغاء.. تهم ثقيلة تلاحق مالك "سيتي كلوب"    المغرب يحقق قفزة نوعية في تطوير قدراته العسكرية مع نجاح أول تجربة لطائرة بدون طيار محلية الصنع    هل تحضيرات المجلس الوزاري كانت سبباً في غياب آيت طالب عن معرض "جايتيكس" في دبي؟    أخنوش يترأس افتتاح فعاليات الدورة الثانية ل "اليوم الوطني للصناعة" في ابن جرير    رسميا..تعيين توماس توخيل مدرباً للمنتخب الإنجليزي    رسميا.. الجيش الملكي يعلن تعاقده مع هوبير فيلود    المغرب سيشرع في استيراد اللحوم الحمراء المجمدة    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    البروفيسور عبد السلام الإدريسي ل"رسالة24″: تصنيفي كأحد أكثر العلماء تأثيرا هو ثمرة سنوات من العمل الجاد"    افتتاح المؤتمر الدولي للقيم والفنون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي    الناقد سينمائي واكريم يستعرض الجوانب الفنية لنجاح الفيلم السينمائي "على الهامش"    ثمانية منتخبات تضمن مقعدها في نهائيات كأس إفريقيا المقررة بالمغرب قبل جولتين من نهاية التصفيات    إطلاق قمر اصطناعي صيني جديد في الفضاء لرصد الكوكب    الصحراء المغربية.. الدومينيكان تجدد تأكيد دعمها لجهود المغرب للتوصل إلى حل سياسي ذي مصداقية        80.6 بالمائة من الأسر المغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة (مندوبية التخطيط)    تقرير رسمي.. مؤشر ثقة الأسر المغربية يواصل الانحدار وسط توقعات قاتمة للمعيشة والبطالة    جيتكس دبي.. آيت الطالب يكشف رؤية المغرب للتحول الرقمي في قطاع الصحة    رئيس مؤتمر عمداء مدن الولايات المتحدة يشيد بالرؤية الملكية لتنمية مدن الصحراء المغربية    التنسيق النقابي ببني ملال بقطاع الصحة يصعد من احتجاجه ضد "سوء" التسيير والتدبير و"ضياع" حقوق الشغيلة الصحية    جيتكس دبي.. آيت الطالب يكشف عن رؤية المغرب للتحول الرقمي في قطاع الصحة    أبيدجان.. تسليط الضوء على الخطوات الكبرى التي اتخذها المغرب لإقامة مدن مستدامة    زلزال بقوة 6.3 درجات يضرب منطقة شرق تركيا    أكادير.. إعطاء الانطلاقة الرسمية لفعاليات النسخة الثالثة عشر من الحملة التحسيسية بالوسط المدرسي    وليد الركراكي يشيد بأداء اللاعبين الجدد خلال مباراة إفريقيا الوسطى        كوريا الشمالية تعلن تطوّع أكثر من مليون شخص في الجيش    رئيس البنك الدولي يحذر من تداعيات اقتصادية عالمية في حال توسع الصراع في الشرق الاوسط    رئيس الوزراء القطري: قاعدة العديد لن تُستخدم لأي هجمات على دول في المنطقة    مدرب إفريقيا الوسطى يستنجد بالمغرب    درك سيدي إفني يعترض مخدرات    خنيفرة تستعد لاحتضان الدورة الخامسة لمهرجان إيزوران        ‮مناسبة ذكرى قراري‮ ‬محكمة‮ ‬لاهاي‮ ‬الدولية‮ وتنظيم‮ ‬المسيرة الخضراء‮:‬ ‮ ‬ما الذي‮ ‬يزعج الجزائر‮ ‬في‮ …. ‬البيعة؟    الجالية وقضية الوحدة الترابية من منهجية التدبير إلى مقاربة التغيير        منصات التواصل تشهد "تسونامي" من الصور التاريخية المزيفة المُبتكرة بالذكاء الاصطناعي    المفوضية الأوربية تطرح قانونا جديدا يسرع ترحيل المهاجرين السريين    صناعة التفاهة.. تهديد صامت للوعي الاجتماعي    الضريرة مُعارَضة لقصيدة "الأرملة المرضع" لمعروف الرصافي    شبح ارتفاع المحروقات يطارد المغاربة رغم توقعات الانخفاض العالمية    حملة استنكار مغربية تقود إلى إلغاء حفل الجزائري الشاب بلال بميدلت    افتتاح الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين    نتنياهو: المصلحة تحدد الرد على إيران    شكاوى جديدة ضد شون "ديدي" كومز بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصر    الصحة العالمية: سنة 2024 شهدت 17 حالة تفش لأمراض خطيرة    دراسة: تناول كمية متوسطة من الكافيين يوميا قد يقلل من خطر الإصابة بألزهايمر    دراسة: تناول كميات طعام أقل قد يكون له تأثير إيجابي على متوسط العمر المتوقع    دراسة: الذكاء الاصطناعي ساعد في اكتشاف آلاف الأنواع من الفيروسات    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفو التبعية في المغرب ومسألة الحداثة (1/2)
نشر في هسبريس يوم 12 - 08 - 2012

نريد من خلال هذه المقالة أن نساعد القارئ على تكوين فكرة لخلفية النقاش الدائر حول مسالة الحداثة التي طفت إلى السطح في ساحة الرماية، من طرف مثقفو التبعية الجديدة في المغرب، على عجلة من أمرها للا جهاز على ما تبقى من العفة وإغراق السوق بالنقاش التافه. وسنحاول قدر المستطاع فك لغز خطاب التضليل لفهم جذور التشويه الذي يمارسه تيار كتائب الرجعية المغربية الجديدة. هذا التيار الرجعي الذي ينادي بالحداثة إنما يقصد إتباع أسلوب الحياة الغربية مع تطبيق نظرية "البغي الفاضل" بالرغم من أن بيئتنا الاجتماعية متباينة عن المجتمعات الغربية. والحداثة، في رأي دعاة التبعية الجديدة، هي الخروج من عالم الجهل والتقوقع والتأخر والانحطاط (الأصالة) والدخول إلى عالم التقدم والنمو والثراء والازدهار(الحداثة). ومن بعض مظاهر الحداثة، حسب أنصار الرجعية الجديدة، هو الفكر التنويري والتقدمي والعقلاني والتوجه نحو العلوم التجريبية والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي وحقوق الإنسان ومفاهيم أخرى عديدة. ومن هذا المنطلق ذهب هؤلاء إلى إعلان الحرب على "التقاليد القديمة" لصالح الحداثة التي يعتبرونها الحل الأسمى للخروج من الأزمة الراهنة للحاق بالإنسان الحداثي الذي يتحلى بالحقائق العقلانية والنظريات العلمية وخطى خطوات هامة نحو التصنيع والتطبيب والتكنولوجيا حيث غزا الفضاء و قضى على الأمراض الفتاكة و اخترع نظام الشبكات الاجتماعية والمعلوماتية. لكنه المرض الثقافي الغربي بعينه، الذي يظن معه مثقفو التبعية أن الغرب يمثل القيم الإنسانية التي يجب على كل الأمم أن تحذو حذوه وتؤمن به وتطبق مقتضياته، بل وهو المعيار الذي تقاس به إنسانية الأمم ويُحدد على أساسها التقدم أو التخلف.
ويعتقد مثقفو التبعية أن هناك ما يجمع بيننا و بين الغرب، وهم في ذلك ينافقون أنفسهم وينافقون من يقف وراء مشاريعهم الهدامة. المهم، إن مشروع الحداثة يستدعي العثور على كتاب ومفكرين وصحفيين وأكاديميين ورجال أعمال وشخصيات نافذة مستعدين لقبول تبعيتها والنضال تحت إعلامها وتسخيرهم للعمل الدعائي الذي يخدم المصالح الامبريالية. وبرزت الأقلام المأجورة المعبئة بالمداد الخارجي لتقايض شرف وسمعة المغاربة على صفحات الجرائد والمجلات الصفراء. ونفثت أفواه مسعورة على الفضائيات العربية الفكر الإباحي الذي زكم الأنوف برائحته الكريهة للتشكيك في قيم ومفاهيم أخلاق مجتمعهم. أما البعض الآخر فقد افتخر بصور زوجته وهي عارية من الروح والملابس على صدر مجلة في وضع يندى لها الجبين، مبررا ذلك بحجة احترام حريتها في التعبير بجسدها. والصنف الثالث من هذه الزمرة، والذي لا يستطيع حتى الكتابة باللغة العربية، فيعتمد على علم الانثربولوجيا وعلم النفس التحليلي لتفكيك الآليات النفسية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي تصون عناصر الهوية في زمن العولمة، زمن الأدلجة للفلسفة اللبرالية الجديدة التي تريد أن تكرس وتشرع لنظام عالمي نموذجي واحد وموحد في الفكر واللغة والاقتصاد والثقافة، وقتل جميع أشكال الثقافات الأخرى. وجوهر هذا الخطاب الذي يدعي انه مثال للحرية يحميه ستار مضلل ويخفي تحته ما هو اخطر. إنه دعوة صارخة للرذيلة بلباس الفضيلة، ولعبة ملتبسة ضد كل من يملك رصيدا من القيم المضادة للإباحية ويكسب المناعة ضد الانحلال والانحراف الأخلاقي. فالذين رضعوا مبادئ الفلسفة الفجورية يحاولون تحريك وحش الغريزة التي تسعى إلى هدم المجتمعات. وأنشطتهم المريبة ليست من اجل تحرير المرأة أو تحرير المجتمع بل تعطيل مفهوم الحرية بالذات باللعب على عواطف الجماهير بمعايير الكسب والخسارة سياسيا أو من أجل تيسير الحصول على سلطة أو تحقيق عوائد مالية أو إبرام صفقات تجارية، ولا يهمهم إيذاء شعور شخص أو إفساد العقول والفكر ما دام مبدأ "المنفعة" وحق "الأنا" المجرد الذاتي يتناسب مع وضعهم وظروف عيشهم وطرق تفكيرهم. ومما لاشك فيه أن الرجعيين الجدد يتزاحمون على أبواب المؤسسات "الخيرية" الأمريكية وينهارون أمام قوة رأس المال ويأخذ منه كل على قدر خيانته. وقد تحسن بالفعل الوضع الاقتصادي وتضاعف دخل بعض الأكاديميين والصحفيين والشخصيات النافذة بفضل تطبيق الإملاءات الموصوفة. وانظر كيف تم مكافأة البعض منهم بالمال الوفير الذي أهلهم للانتقال من الأحياء الشعبية أو المتوسطة إلى الأحياء البورجوازية الراقية، صفوة الكثير من الذين يحتقرون بني جلدتهم، وتسلحوا بالحارس الخاص للسكن، والحراس الشخصيين للزوج والزوجة والأطفال، والسيارات الفارهة مع السائق كذلك للزوج والزوجة والأولاد الذين يرتادون المدارس الخاصة من خمسة نجوم حتى لا يحتكوا بأطفال الطبقة الفقيرة فيشعروا بآلامهم، ويتلقون الثقافة التي تفكر بمصالح الأثرياء أو تؤهلهم للانضمام إلى الطبقة الحاكمة.
والمحزن في الأمر هو عدم الثبات في المبادئ والتناقض الصارخ في المواقف لمثقفي التبعية الذين استبدلوا المعرفة بدولارات بسخة أو باللهجة الماركسية استبدلوا "الحلم الاشتراكي" ب "الحلم الامبريالي". ومن الأمثلة المؤكدة لهذا التناقض الشنيع تحولهم من النقيض إلى النقيض، من مثقفين عضويين بامتياز بلغة انطونيو غرامشي إلى عمالة سياسية Political Prostitution يبيعون مبادئهم السوية من أجل الحصول على مكاسب مادية أو سياسية، وأكثر من ذلك، فكل واحد منهم بدا مساره السياسي يساريا متطرفا عليلا وانتهى به الأمر إلى التطرف اليميني الأعمى الذي نشاهده اليوم. فالذين اختاروا لأنفسهم أجمل الأوصاف التقدمية وحسبوا أنفسهم الطليعة اليسارية المحاربة المناضلة من اجل التحرر من الثقافة الاستعمارية، اصطفوا الآن إلى جانب العولمة وتحولوا إلى بوق يدافع عنها بشراسة، ويهتبلون أول فرصة ويجندون كل سهم بجعبتهم، في كل مناسبة، ليشيدوا بمحاسن الامبريالية بكل عبارات الإعجاب والمديح والثناء ويقتطفون نصيبهم من العوائد. فأبناء الاشتراكية اللاشرعية، مثال الفشل الذريع بالأمس، تحولوا إلى الأبناء الشرعيين للبورجوازية الرأسمالية بموجب سياسة التقاء المصالح، وتغيير المصالح يفسر، إلى حد بعيد، الأسلوب الذي يكتب أو يتكلم به هؤلاء، فهو أسلوب مضطرب اقرب ما يكون إلى أساليب المعارضين المنقلبين إلى مؤيدين في صفوف المارينز Marines.
الشيطان في التفاصيل
ليس من المستغرب أن تغص السوق بالحديث عن الحرية الجنسية أو الكلام السخيف عن الرقابة أو الهوية. فواحد يقول لنا إن النساء من أسرته وعائلته لهن الحرية الكاملة في ممارسة الجنس كما يحلو لهن. والآخر يقول لنا انه لا رقابة بعد اليوم على الأفلام السينمائية لأننا لسنا الطالبان ولا في إيران. ويخيل للقارئ انه لا توجد قصة حب بين هذه الخطابات الثلاث أو انه من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه الحملة. لكن المتتبع لمنابع الكلام يلاحظ انه يسير على عكازين لإيجاد موطئ قدم لمعالم الخريطة السياسية المستقبلية. فالحرية الجنسية تعني رفع القيود التي تزخر تحتها المرأة المغربية واستهداف كل من أفغانستان وإيران معناه بالدرجة الأولى وضع المرأة تحت الأنظار لاستهداف الإسلام. ومن هنا يظهر لنا أن اقصر الطرق للنيل من الدين الإسلامي هو تحريض المرأة للتخلي عن دينها وعفتها بتأجيج غرائزها الجنسية. لكن هل إثارة قضية الحرية الجنسية أهم من الفاقة والفقر والنقص في التعليم أو الجهل المطبق الذي يقيد المرأة المغربية ولا تعرف شيئا عن خبزها اليومي؟ وماذا عن استغلالها في المصانع الامبريالية المتعددة الجنسية، واستغلال القاصرات في الأشغال المنزلية الذي يصل حد العبودية؟ لماذا نثير الحرية الجنسية ونتغاضى عن العنف والتحرش الجنسي والاغتصاب الذي تتعرض له النساء المغربيات يوميا في الشارع وفي المكتب وفي الإدارة وداخل البيت من طرف الغريب والمسؤول والأب والزوج والأخ وما إلى ذلك؟ لماذا هذا التهافت على منطق التحرر الجنسي؟ هل لاستدراج المرأة المغربية إلى الشارع حتى يسهل قنصها وعرضها للبيع بالتقسيط وبالجملة؟
اما في ما يخص الخطاب الثاني فصحيح أن الطالبان نظام مروع وهمجي يعادي ابسط حقوق النساء منها الخروج من المنزل أو حق التعليم أو حتى قيادة سيارة. لكن إسلام طالبان خلقته المخابرات المركزية الأمريكية مثله مثل الإسلام الوهابي في السعودية الذي لا يعترف بأبسط الحقوق الآدمية للنساء والذي خلقته المخابرات البريطانية. وخلافا لوضع المرأة في أفغانستان تحت حكم طالبان الإرهابي، يسمح للنساء في الولايات المتحدة بالخروج وضمان حقهن في ممارسة حريتهن الأساسية في الحركة، لكن نصفهن لا يتجرأن على الخروج للذهاب في نزهة على الأقدام تجنبا لجرائم حالات الاغتصاب التي قالت عنها المراكز الأمريكية للوقاية من الأمراض Centers for Disease Control أنها تحولت إلى "طاعون" حيث اغتصبت 1.3 مليون امرأة سنة 2010 في أمريكا وخلصت إلى أن امرأة من بين ثلاث نساء في أمريكا تتعرض يوميا للاغتصاب أو التحرش الجنسي أو العنف الجسدي. ومن بين الأسباب الهامة والرئيسية التي تغذي العنف ضد المرأة الأفلام الإباحية كما بينت ذلك عالمة الاجتماع الأمريكية وأستاذة الدراسات النسائية غيل داينز Gail Dines التي أعلنت حربا ضروسا على الإباحية في السينما وطالبت الشعب الأمريكي أن يتمرد ويثور ويمارس العصيان المدني في وجه كل الأعمال المقيتة التي جردت المرأة من عفتها وحياءها وأخلاقها، وعرضت جسدها للعنف وشرفها للإذلال والاهانة، وتُعرض الأجيال المستقبلية بكاملها للخطر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.