الصورة: عبد الرحيم الخصار في جلسة مع توكل كرمان الحائزة على نوبل للسلام الشاعر المغربي عبدالرحيم الخصار القاطن بمدينة آسفي المطلة على المحيط الأطلنتي والمسافر دائما عبر القصائد وعبر نشاطاته الثقافية المتواصلة إلى بلدان ومدن أخرى داخل المغرب وخارجه حاملا بين كفيه قصائده النابعة من اليومي المعيش ومن ذاكرة طفل لا ينسى ذكرياته ولا يرضى أن يدفنها الزمن مهما طال، سافر بقصائده إلى لوديف فرنسا وإلى بريطانيا وإلى أمريكا وإلى عدد من دول الوطن العربي، لا يمكننا أن نصنفه كشاعر فقط إنما هو إطار ثقافي متكامل يساهم بواسطة الكلمة في كل ما من شأنه أن يرتقي بذائقة الإنسان نحو الجمال والحب والسلام. بدأ نشر دوواينه عام 2004 فصدر له : "أخيرا وصل الشتاء" و "أنظر وأكتفي بالنظر" ثم ديوان "نيران صديقة" ولديه الآن تحت الطبع ديوان جديد، بالإضافة لمشاركته في تأليف ثلاثة كتب جماعية عن الكاتب إدريس الشرايبي و الشاعر محمد بنطلحة و الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، الجدير بالذكر أن عددا من قصائد عبد الرحيم الخصار قد تمت ترجمتها لأكثر من لغة حيّة، كما تم اختياره كواحد من أفضل 39 كاتبا عربيا دون سن الأربعين في تظاهرة بيروت 39. حول حياته العامة والشعرية و رؤيته للثورات العربية ولراهن الحالة الثقافية والسياسية في المغرب والوطن العربي كان لنا معه هذا الحوار : ماذا عن حياتك أيها الشاعر؟ سمعتك تقول بأنك لا تفعل شيئا أثناء الكتابة سوى أنك تضع حياتك على الورق. صحيح. هذا ما أفعله على ما يبدو. إن حياة الشاعر هي كل ما يملك في النهاية، لذلك أعود إلى قريتي و إلى بيت جدي و إلى طفولتي في البادية، و أفتش هناك عن البلاغات و الصور التي تستطيع أن تجيبني عن أسئلة كثيرة و تفسر لي - ما أمكن- ما آلت إليه حياتنا. لا أستطيع أن أكتب شيئا بعد كل هذه القرون من الشعر سوى ما يخصني كفرد حالم في هذا العالم، فرد له حياته الصغيرة وسط هاته الحيوات الأخرى التي يمر بعضها تحت الضوء وسط المواكب، في حين يمرق بعضها الآخر في الوجود بشكل سري. تلك الحياة الصغيرة هي زوادتي، لا يتعلق الأمر بالضرورة بالسيرة فحسب، بل يتعلق أيضا بنظرة كائن ما إلى هذا الوجود، بأفكاره و أحلامه و مخاوفه، برغبة رجل يريد أن يفهم من يأتي كل هذا الحب، و من أين تتولد كل هذه الكراهية، و لماذا يتألم الإنسان حين يخذله رفيقه، و لماذا يسهر العاشق من أجل معشوقته، و لماذا تبكي الأم بحرقة و بحرارة حين تفقد ابنها في حرب أو في حادثة. أعتقد أن دفق المشاعر الإنسانية و تيارها هو ما يسحبني إليه دائما، و بالتالي فإنني حين أنقل حياتي على الورق أنقل أيضا حياة الكثيرين ممن يشبهونني على هذه الأرض. يقول شيلي:"الشعراء هم واضعو شرائع العالم غير المعترف بهم". ما وظيفة الشاعر اليوم؟ أحيانا نقول مثلما قال شيلي في زمنه، تقاطعا في الغالب مع بيانه "دفاعا عن الشعر"، لكن الحقيقة هي أن الشاعر لم يعد مبشرا ولا رائيا، لا مدّاحا و لا هجاءً. و لم يعد يحلم بأن يغير العالم، فالعالم لا يغيره الشعراء، أو على الأرجح لم يعد الشعراء قادرين على التأثير فيه كما كان الأمر من قبل. لقد فرّت مياه هذا العالم من بين أيدينا، و صرنا فقط نريد أن نحافظ ما أمكن على إنسانيتنا وسط حياة تتحول بالتدريج إلى حياة لم يكن يفكر فيها أحد، هذا الكم الهائل من الحروب و الصراعات و الأحقاد و الجشع و التطرف و الاستبداد و قتل الإنسان باسم الإله و تحويل الإنسان إلى آلة إما مستهلكة أو مدمرة...لا يملك الشاعر أمام كل هذا سوى أن يغضب و يتألم قليلا ثم يواصل أحلامه. كيف تنظر إلى الشعر المغربي؟ ماذا عن حاضره و مستقبله؟ سأقول ما قاله الشاعر محمد الميموني أحد رواد الحداثة الأدبية في المغرب، كنت قد زرته في بيته قبل أيام، و الحقيقة أنني أغبطه هذا التفاؤل الذي يملأ صدره بخصوص الشعر المغربي. لقد رأى أن الشعراء المغاربة يملكون الكثير من الإصرار، ينشرون كتبهم بمشقة بالغة، ولا يحظون بالاهتمام اللازم، و بالرغم من ذلك فهم مصرون على الكتابة، متخففين من الكثير من الأوهام التي عادةً ما تملأ حياة الكُتاب، فهم لا يبحثون عن شيء سوى عن الشعر نفسه. و هذا التراكم سينتج بالضرورة حالة إبداعية خاصة ستجعل أصدقاءنا في الجهات الأخرى يديرون أعناقهم نحو هذه الجهة من الأرض. ثم إن الأجيال الجديدة تواكب تحولات القصيدة عبر العالم، و تسعى إلى أن تخرج التجربة الشعرية المغربية من محليتها لا على مستوى المعجم و لا على مستوى الرؤية و التيمات. و هناك شيء يجب الانتباه إليه، و هو في نظري عنصر سيكون حاسما بالنسبة لهذا التحول، و أقصد الموقع الجغرافي و الحضاري للمغرب و تقاطعاته التاريخية، فالأدب المغربي لا يتأثر فحسب بالأدب الفرنسي و بما يصل من المشرق العربي، بل هو يتماس أيضا في مدن الشمال بشكل قوي مع الأدب الاسباني و البرتغالي، و في مدن الجنوب مع الثقافة الصحراوية و الأفريقية، إضافة إلى التراث الأمازيغي بطيبعة الحال. إن سؤال الهوية يعود اليوم بحدة ليطرح نفسه على الشعراء المغاربة الذين يشتغلون وفق مشروع إبداعي تحكمه مرجعيات و زوايا نظر. و الإجابة عليه تكمن في كتابة نصوص تسعى في الآن ذاته إلى تعميق هذه الهوية من جهة و من جهة أخرى جعلها أكثر شساعة. كيف تفاعل الإبداع المغربي مع الربيع العربي؟ و هل أُنتج أدب يواكب هذا الربيع كما هو الشأن في مصر مثلا التي يُتداول فيها الآن مفهوم "أدب الثورة" ؟ لا يستطيع الربيع العربي أن يخلق أدبا، قد يخلق فقط لحظة صمت تجعل الكاتب يفكر بشكل أكثر جدية في أبعاد الكتابة. ما يخلق الأدب اليوم هو عمر الإنسان و تجاربه المتعددة في الحياة، هو هزائمه الفردية و انتصاراته أيضا، ألمه و لذته، شجنه الخاص و سعادته السرية. في المغرب لم يكتب الشعراء قصائد عن الربيع العربي، لأنها في نظري لن تختلف كثيرا عن القصائد التي كان يكتبها الشعراء في مدح الملك الراحل الحسن الثاني خلال أيام عيد العرش، ستكون في النهاية قصائد مناسبات تموت بموت سياقها، على العكس سرّني أن ينزل عدد من الشعراء و الكتاب إلى الشارع و يصرخوا في المظاهرات ضد الفساد. في القضايا و المواقف يكون من الأفضل للكاتب أن ينزل إلى الشارع. إنني اتذكر هنا مثلا الشاعر الأمريكي آلن غيسنبرغ حين وقف على سكة الحديد و اعترض القطار الأمريكي الذي يحمل الديناميت إلى فيتنام، و أتذكر جان جينيه الذي سار مع الفلسطينيين في مظاهراتهم ضد الاحتلال، و أتذكر إدوارد سعيد الذي حمل الحجارة مع الأطفال و رشق الجنود الاسرائيليين. هذا يعني أنك في صف الثورة؟ أنا في صف الثورة بدون شك، و ضد كل أشكال الفساد في شتى المجالات، و قد كنت مع حركة عشرين فبراير بالمغرب و خرجت في عدد من مظاهراتها. لكن الربيع ليس فقط هو الإطاحة برئيس دولة و تعويضه برئيس آخر، يجب أن يحل الربيع في الوطن العربي مثلما يحل فصل الربيع على الأرض، حيث يبدو الفرق شاسعا بينه و بين الخريف. الربيع يجب أن يحلّ في عقولنا و في أفكارنا و سلوكنا و أسلوب عيشنا، و في تصورنا للمستقبل و في رؤيتنا للثقافة و الفن و الحياة.