سجل مراقبون جنوح حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالمغرب، نحو "الحياد" في قضية الصحفي مختار الغزيوي والخطيب عبد الله نهاري، والتي اندلعت على خلفية الجدل الساخن الذي دار حول الحرية الجنسية في البلاد. وتعددت التحليلات والقراءات التي حاولت تسليط الضوء على الأسباب الثاوية وراء اكتفاء الحركة بموقف المتتبع "السلبي" إزاء هذه القضية المثارة، وهي التي كانت قبل أن يقود حزب المصباح دفة الحكومة الحالية سباقة إلى تسجيل مواقفها "الحازمة" في عدد من القضايا الأخلاقية والسلوكية التي ترتبط بما تسميه الحركة التدافع القيمي داخل المجتمع. هسبريس اتصلت بالباحث في الحركات الإسلامية سعيد لكحل، بهدف سبر أغوار ما أضحى البعض يسميه "تنكرا" أو "جحودا" من لدن حركة التوحيد والإصلاح لأحد الدعاة المعروفين الذين كانوا قريبين إلى الحركة من "حبل الوريد"، قبل أن يحدث الانفصال التنظيمي مع بقاء نوع من الالتحام الإيديولوجي. دوافع "تنكر" الحركة لنهاري واعتبر سعيد لكحل بأن حركة التوحيد والإصلاح أدركت جيدا أبعاد الفتوى التي أصدرها نهاري، وخطورة تحريضه على قتل الغزيوي، سواء عليها كحركة دعوية تعلن الوسطية والاعتدال، أو على ذراعها السياسية حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة. لهذا، يضيف لكحل، قررت الحركة عدم مساندة نهاري في تطرفه الذي بالغ فيه منذ فوز الحزب بصدارة الانتخابات، حيث اعتقد الرجل أنه بات في أمان من كل متابعة قانونية خصوصا أنه صاحب فضل على الحزب الذي يتولى حقيبة العدل والحريات"، وفق تعبير لكحل. ولفت الباحث إلى أن الحركة بعثت برسائل لم يستوعبها النهاري حين تم منعه من الخطابة في مساجد المغرب، مردفا أن "تطرف نهاري وغروره وتوهمه أنه في حماية الحزب، لم يزده إلا "استئسادا" واستعلاء، فالحركة رفضت الانجرار وراء معارك اعتبرتها "وهمية" وتشغل الرأي العام عن القضايا الجوهرية التي تشغل الحكومة. وحاول لكحل بسط بعض النقاط لتوضيح خلفيات "تنكر" التوحيد والإصلاح من نهاري، حيث جاء رد الحركة سريعا وصارما يضع الأمور التالية في نصابها: التبرؤ من البيان الذي أصدره فرعا الحزب والحركة بمدينة بوجدور، يستنكران فيه تصريحات الغزيوي، ويتضامنان مع نهاري لكونه "لم يرتكب ولم يصرح بما يخالف الشرع ولا القانون"؛ فالحركة لا تريد أن يُحسب عليها مضمون البيانين حتى لا تُتهم بالتحريض على القتل والتكفير. الإقرار بأنه " لم يصدر عنها أي موقف في الموضوع المثار" و"أن انفراد فرع أو اثنين بإصدار بيان، من بين عشرات الفروع، لا يعدو عن كونه تقدير محلي، ولا يمكن أن يعتبر موقفا رسميا للحركة من أجل توظيفه لإقحام الحركة في مثل هذه المعارك". التشديد على لسان رئيسها محمد الحمداوي "إننا نعتبر في حركة التوحيد والإصلاح هذا السجال سجالا مفتعلا ومعركة وهمية، حرفت بعض وسائل الإعلام معطياتها الأصلية، وتم اللجوء فيها للاستفزاز والاتهام المتسرع"، وهذه إشارة واضحة يضيف لكحل إلى كون نهاري تسرع في اتهام الغزيوي، وكان عليه ألا يفعل، لذا لا يمكن للحركة أن تتحمل تبعات فقيه متسرع يفتقر إلى التؤدة والحكمة". إقرار الحركة بأن "التدافع القيمي ينبغي أن يكون تدافعا حضاريا فكريا، مبنيا على أساس الإقناع والحجة، في إطار ثوابت الأمة التي نص عليها الدستور بشكل صريح وواضح". وهذه رسالة إلى نهاري، وفق لكحل، بأنه سلك أسلوبا غير حضاري، أي أسلوبا يتخلى عن الإقناع والحجة، ويعتمد التعنيف والتكفير، مما يتعارض مع ما تعلنه الحركة من مبادئ الاعتدال ونبذ العنف بكل أشكاله . الإيحاء بأن نهاري ليس من العقلاء والحكماء، على اعتبار "أن المطلوب من العقلاء والحكماء أن يتحملوا مسؤولياتهم في إدارة الاختلاف بأساليب حضارية، واليقظة والانتباه من الاستدراج إلى المعارك الوهمية المفتعلة، والتركيز على القضايا الحقيقية التي تؤرق المجتمع المغربي وتشغل باله". ويفهم لكحل من عبارات بيان الحركة بأنه وطالما "استُدرج" النهاري إلى معركة وهمية، ولم يتحمل مسئوليته في إدارة الاختلاف بالحكمة وبالأساليب الحضارية، فإن الحركة ليست على استعداد لتحمل تبعات شيخ متهور يفتقر إلى الفطنة والانتباه والحكمة، واستنتج الباحث بأن الحركة لم تكتف بالسكوت على فتوى النهاري بقتل الغزيوي، بل تبرأت منه ومن فعلته"، بحسب تعبير لكحل.