بعد النسخة الأولى من مهرجان الإمام الهبطي للقرآن الكريم بالعرائش الذي نظمه المجلس العلمي المحلي والذي خلف صدى طيبا محليا ووطنيا، تستعد مدينة البحر والغابة والنهر لتنظيم المهرجان في نسخته الثانية في الفترة بين 2 إلى 7 يوليوز 2012م. وحول الاستعدادات الجارية لاحتضان المهرجان أجرينا هذا الحوار مع الأستاذ محمد الحراق* مدير المهرجان. لماذا مهرجان القرآن؟ بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد: فهذا السؤال يتفرع إلى فرعين هما: لماذا المهرجان؟ ولماذا القرآن؟ أما الجواب عن الأول: فإن أكبر تحدٍّ يواجه الأمة المسلمة والعاملين في الدعوة هو إيجاد القنوات اللازمة لخدمة الدين والبدائل الحضارية المدروسة بعناية والأساليب المنظمة بشكل دقيق للعمل الدعوي. وإن الدعوة الناجحة اليوم هي التي تهدف إلى إيجاد عدد من الفرص الدعوية التي يمكن أن يستخدمها الداعية حتى تفتح له آفاقًا أوسع وبدائل أكثر ويستلهم وسائل أشمل تحقق أهدافه بإذن الله تعالى. وأرباب الدعوة ينبغي أن يدرجوا مع الإنسان على نحو مختلف، نحو يدرج مع الإنسان فى واقعه المشحون بالحركة، ويلتصق به فى دنياه الطافحة بالنزاع. ولا شك أن المهرجانات فرص غالية للدعوة ومواعيد نفيسة للدلالة على الله تعالى خاصة إذا كان موضوعها هو الكتاب الخالد، وهو الجواب عن الثاني، ذلكم أننا نعيش اليوم واقعاً يملي على العقلاء من الدعاة والمربين والعلماء والموجهين ضرورة ربط الناس بالقرآن، لما له من أثر على حياة الفرد والأمة، هذا الربط ينبغي ان يكون على وفق منهج بديع؛ لأن الدقة المتناهية والتخطيط المحكم مطلوب من أجل تنفيذ أي مشروع، ولا مشروع أكبر من رَدِّ الناس إلى خالقهم وتعريفم بربهم، و تبيين المنهج الحق لهم، فقد أصبح كل ذلك فنا قائما على أسس منضبطة، وعلما مقعدا بقواعد قويمة، مع استلهام لمجموعة من المهارات والتجارب والخبرات، وكل قصور في التخطيط سيؤدي حتما إلى تعثر في التنفيذ وتبديد للطاقات، فنحن في عصر يتسابق فيه الزمن وتتلاحق فيه الأحداث، والعِدى يخططون بتنظيم محكم، و هذا يتطلب منا رد الصاع صاعا أو صاعين. إننا نهدف حقا إلى تنشئة الإنسان الصالح والمجتمع الراقي، وهذا حسب اعتقادنا لا يكون ولن يحدث إلا بربط الناس بالمصدر الأساس للأمة، ذلكم المصدر الذي له أثر عميق في تهذيب السلوك، لِغِناه بالتوجيهات الإلهيَّة التي تحدِّد أنماطَ السلوك المجسِّدة لقِيَمٍ شتى كقيم الإيمان، والتقوى، والإحسان؛ لأن منظومة القيم والأخلاق السائدة بمجتمع من المجتمعات الإنسانية هي الكفيلة حتما بتحديد مستقبل هذه المجتمعات ومدى تأثيرها في غيرها أو تأثرها بغيرها، فهذه الانماط من المنظومات التي تختارها عن وعي أو عن غير وعي؛ عن طريق الانسياق وراء تيارات وأهواء هي ذلك العامل الحاسم في معرفة ما ينتظر هذه الأمة من خير أو شر. ولماذا الارتباط بهذا الاسم الإمام الهبطي؟ الإمام الهبطي أبو عبد الله (930 ه) من علماء اللغة وفنونها والقراءات ووجوهها، وقد نعته صاحب سلوة الأنفاس بالشيخ الإمام العالم الفقيه الأستاذ المقرئ الكبير النحوي الفرضي الشهير الولي الصالح العالم الناصح ثم قال: ".. وكان عالم فاس في وقته أستاذا مقرئا عارفا بالقراءات مرجوعا إليه فيها. وكان موصوفا بالخير والفلاح والبركة والصلاح ذا أحوال عجيبة وأسرار غريبة.."). وهذا الارتباط يلحظه الناظر جليا حاصلا من ناحيتين: من ناحية كون هذا الإمام خدم القرآن الكريم بوضعه الأوقاف القرآنية المعروفة والتي تسمى لحد الآن باسمه "الوقف الهبطي"، والتي تجري عليها قراءة المغاربة في مصاحفهم وفق رواية ورش عن نافع المدني من طريق الأزرق، ثم من ناحية كون هذا الإمام ينتمي لهذه المنطقة وينتسب إليها، وهي منطقة الهبط. كيف تقومون النسخة الأولى من المهرجان؟ لإصدار تقويم صائب ينبغي أن نستحضر جملة أمور: أولها: أنها الأولى، والأول أدعى لحصول الخلل فيه، إذ بالمراس والتكرار يتجنب الخطأ ويتلافى الزلل. والثاني: الكم الهائل من المعيقات التي استطعنا أن نتغلب عليها. والثالث: حجم الارتياح الذي خلفه لدى الساكنة. و لذلك فإنني أؤكد -من خلال استحضار هذه الأمور- على جودة المستوى الذي ظهر به، وعلى نجاح هذه النسخة بنسبة عالية يمكن الجزم أنها لا تتوافر في كثير من المهرجانات إلا في النسخة الثامنة أو العاشرة، يؤكد ذلك استطلاعات للرأي قمنا بها بعد انتهاء فعاليات المهرجان، ومن ثم فنحن أمام نجاح باهر حققته النسخة الأولى. أين وصلت استعدادات الدورة الثانية؟ انتهت بفضل الله كافة الاتصالات اللازمة مع ضيوف المهرجان، ونحن بصدد اللمسات الأخيرة التي تجريها اللجان المنبثقة عن المهرجان وهي خمس لجان يشرف عليها ثلة من الإخوة ذوي التجربة: لجنة الإعلام ويديرها: ذ.محمد الشعتاني، لجنة المعرض وتديرها: ذة.لطيفة البهلاوي، اللجنة التنظيمية ويديرها: ذ.هشام الحداد، لجنة مسيرة القراء البراعم: ويشرف عليها ذ.المهدي بوحاجة، لجنة التوثيق ويشرف عليها : ذ.عبد الفتاح بلبركة. وطبعا المهرجان تحت رئاسة السيد رئيس المجلس العلمي المحلي للعرائش الدكتور إدريس ابن الضاوية، ومديره عبد ربه. ونعمل جميعا مع فريق من المتطوعين والمتطوعات، الذين فهموا حقا مقصد الدعوة، ومن ثم ندروا أنفسهم للعمل لها وخدمتها. ما هي ميزات هذا المهرجان؟ أنا لن أتحدث عن ميزة موضوعه وهي القرآن الكريم، ولكني سأتحدث عن ميزات أخرى تطبعه ربما غابت عن أذهان الكثيرين منها: أنه الأول من نوعه بالمنطقة، إذ لا أعرف ما يماثله، إلا ما تقوم به بعض الجمعيات بعدد من مدن الإقليم ولا يوازي ذلك هذا المهرجان، ولذلك اتصل بنا بعض الإخوة من أجل نقل التجربة لمدن أخرى. ومنها: سعة أيامه وتنوع فقراته، حيث تتوزع على مدار ستة أيام، يجد المشاهد الكريم فيها ألوانا من الفقرات، مابين محاضرة وندوة ومسابقة وصبيحة وأمسية ومسيرة قرآنية ومعرض وحوار مفتوح واحتفاء وليلة قرآنية كبرى. ومنها: توقيته الفريد، المتمثل في فترة فصل الصيف، هذه الفترة التي تلبي احتياجات كل الفئات والطبقات. ومنها: أنه في مدينة يطبعها طابع الالتزام والعفة، إذ لا زلنا نرى آثار ذلك-على العموم- في سلوكات أبنائها وبناتها. ماهي طموحاتكم في هاته النسخة؟ إننا نسعى إلى تحقيق أنموذَج للمهرجانات الهادفة، تمهيدًا لوضع لَبِنَة صالحة في صرح مجتمعنا ووطننا المعطاء؛ بالإفادة من هذه المهرجانات وتوظيف ذلك فيما يعود بالنفع على الجميع، وذلك دعمًا للتنمية الأخلاقيَّة ولتعزيز القِيَم والمبادئ، وإيمانًا بكونها الرَّكيزةَ الأولى في بناء المجتمع المستقرِّ والوطن المتماسك. ومن ثم ختم مدينة العرائش بخاتم هذا المهرجان، فإذا ذكرت العرائش ذكر القرآن الكريم. هذا على سبيل الإجمال أما على سبيل التفصيل فإننا ندلي بدلونا بين الدلاء الخادمة لكتاب الله بالمملكة المغربية، ونروم من خلال هذا المهرجان تحقيق الأهداف التالية: فتح جسور التواصل مع عموم المواطنين ودعوتهم إلى إجالة النظر في آي القرآن الكريم، لأن هذه المهرجانات هي بحق وسيلة انفتاح على الناس من مختلف التوجهات والأعمار والأصناف. العمل على تثبيت المفاهيم القرآنية في نفوس المغاربة الأبية، ذلكم أن جموعا غفيرة من المسلمين اليوم لا تعرف من القرآن إلا حروفا فيه، لا ما يحمله من معان سامية ولا ما يكتنزه من مخزون علمي راق ...ولعل من أبرز هذه المفاهيم التي همشت دهرا من الزمن مفهوم التدبر الذي سنعمل من خلال هذا المهرجان على توعية الناس بقيمته كواجب من واجباتنا اتجاه القرآن الكريم؛ إكرام أهل القرآن ورفع أقدارهم كما رفعها الله لهم؛ هذا أمر لا نملك إلا نستجيب فيه لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" (أبو داود:4203) اكتشاف المهتمين بكتاب الله عز وجل وتشجيع الراغبين في حفظه وتحفيز الملمين بأحكام تجويده؛ لأن من أهم فقرات هذا المهرجان مسابقة خاصة بالإناث وأخرى بالذكور، وكذا صبيحة قرآنية للفتيات وأمسية قرآنية للفتيان. تهييئ الناس وإعدادهم إعدادا نفسيا لاستقبال رمضان شهر القرآن؛ لأن الموعد الذي اخترناه يتزامن مع مقدم شهر رمضان الأبرك لعام 1433ه. بشيء من الفضول، من هم أبرز ضيوف النسخة الثانية؟ أترك الأمر مفاجأة، لكني أطمئن الجمهور الكريم أننا سعينا إلى جلب أفضل القراء والمحاضرين والمنشدين على المستوى الوطني والعالم الإسلامي، الذين سيشنفون الأسماع ويهزون القلوب ويذكرون بالله. ما هي نوع الصعوبات التي يلاقيها المهرجان؟ إن الحديث عن الصعوبات في أي مجال هو حديث في العمق، إذ إنه لا يتصور نجاح مشروع بدون إزالة المعيقات عنه، وأنا هنا لن أتحدث عن الظروف الصعبة التي نعاني منها أثناء التحضيرات، ولا عن الدعم المالي الذي يسمح لنا بالعمل بأريحية كاملة، وإنما أؤكد على أنه ما من شك أن الصعوبات عموما تتعاظم كلما ازداد عمر المهرجان وتقدمت دوراته، وإن أكبر تحد أراه -ليس اليوم فقط بل يلوح في الأفق- هو المحافظة على المستوى الراقي الذي ظهر به المهرجان أول مرة وكيف نستطيع أن نزيده من جودته حتى نصل به ليس فقط إلى درجة الوطنية بل العالمية إن شاء الله تعالى. ما هو التاريخ الذي حددتموه للمهرجان ؟ ولماذا اخترتم هذا التوقيت ؟ حددنا من 2 إلى 7 يوليوز 2012م، وهذا يوافق-أغلب الظن- ما بين 11 و 18 شعبان 1433 ه كموعد للمهرجان ولهذا التاريخ حقيقة دلالات متعددة: أولها: أنه جاء ليواكب روحانية شهر رمضان فهو توطئة له، ، وفي هذا تذكير للناس بهذا الموعد الرباني، وكذا تحفيز لهم على الاهتمام بالقرآن قبل مقدم شهر القرآن. وثانيها: أنه في فصل الصيف، وهو شهر تكثر فيه ألوان من المهرجانات، ولا حظ فيها للقرآن، فكان المهرجان لسد هذه الثغرة. وثالثها: أنه جاء ليواكب خصوصية الموسم السياحي، إذ إنه زمن توافد عدد من المواطنين على المدينة، خاصة الجالية المقيمة بالخارج، وبهذا المهرجان سنستفيد من التواصل معهم، ثم إنه لا سياحة أفضل من سياحة يكون مركزها هو القرآن الكريم. ورابعها: أن في هذا الوقت غالبا يحصل التفرغ من طبقات شتى من المجتمع، مما يسهل عملية الانفتاح عليهم. كلمة أخيرة: إننا نحتاج حقا إلى تأطير منظومة القيم السائدة في مجتمعنا تحت راية القرآن، ومن ثم ينبغي أن ننخرط جميعا في هذا الخير، ولذلك نحن ندعوا من هذا المنبر كل من آنس من نفسه خدمة القرآن الكريم من خلال هذه المهرجان أن ينضم للقافلة. ولمزيد من الاطلاع يرجى زيارة الرابطين أدناه: http://www.facebook.com/mahrajanlarache https://www.youtube.com/mahrajanlarache * عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش، وباحث في الدراسات الإسلامية، وخطيب مسجد البر والإحسان