أعلام مغاربة أبو عبد الله محمد الهبطي (930 ه) واضع وقف القرآن بالمغرب ولد أبو عبد الله الهبطي في حدود منتصف القرن التاسع الهجري في مدشر اهباطة فيما يبدو من قبيلة سماتة إحدى قبائل الجبل بشمال المغرب. ولذا جاءت نسبته هكذا: الهبطي السماتي، ويرى بعضهم أن الهبطي نسبة إلى جبال الهبط المعروفة، وسماتة كما هو معلوم كانت الملجأ الأخير في وجه الأدارسة أيام أبي العافية وبها حجرة النسر المشهورة ويقال لها حجرة الشرفاء. وقد أنجبت هذه القبيلة علماء أفذاذا منهم أبو عبد الله محمد بن الحسين الجنوي أستاذ الشيخ الرهوني ولو لم يكن منها إلا هذان الإمامان لكفاها شرفا. تعلم الهبطي على عادة أبناء البادية في الكتاب فحفظ القرآن وجوده، وكانت مدينة القصر الكبير وقتئذ من أهم المراكز الثقافية بالمغرب، ثم رحل إلى فاس وأنهى دراسته بها، وتُطبق الروايات بالصمت عن الشيوخ الذين أخذ عنهم إذا استثنينا أبا عبد الله محمد ابن غازي الذي ربما كان آخر من لقيه بفاس كما أنها لا تذكر من تلاميذه إلا عبد الله محمد بن علي بن عدة، مع أن الرجل كرس حياته لتعليم كتاب الله وتلقين رواياته. وما أكثر تلاميذه الذين أشاعوا مذهبه في الوقف وقيدوه عنه حتى أنه اكتسح أقطار إفريقية كلها. كان أبو عبد الله الهبطي عالما عاملا متبحرا في علوم العربية عارفا بالقراءات ووجوهها، وقد نعته صاحب سلوة الأنفاس بالشيخ الإمام العالم الفقيه الأستاذ المقرئ الكبير النحوي الفرضي الشهير الولي الصالح العالم الناصح ثم قال.. وكان عالم فاس في وقته أستاذا مقرئا عارفا بالقراءات مرجوعا إليه فيها. وكان موصوفا بالخير والفلاح والبركة والصلاح ذا أحوال عجيبة وأسرار غريبة..). توفي بفاس سنة ثلاثين وتسعمائة (930ه) ودفن بروضة الزهيري بطالعة فاس. ولم يصلنا من آثار الهبطي إلا هذا الوقف الموجود بين أيدي الناس وهو العنوان البارز للمصحف المغربي والطابع الشخصي للمدرسة القرآنية بالمغرب. ولعل اهتمامه بتعليم القرآن واشتغاله بتدريب الطلاب على النطق السليم والتلاوة الصحيحة هو الذي دفع به إلى وضعه، بحيث يعرفون كيف يقفون وأين يصلون؟ وماهي مواطن الوصل والوقف حتى لا يختل المعنى وتضيع الحكمة التي نزل من أجلها القرآن الكريم. وتلك مرحلة أولى في منهاج تعليم القراءات عند الإمام الهبطي، ولعل ذلك ما جعله لا يهتم بالتأليف ولا يعني بأي علم من العلوم الأخرى سيما وقد فسدت ألسنة الناس فأصبحوا مغنين أكثر منهم مقرئين. مذهب الهبطي في الوقف يرجع الاختلاف في الوقف إلى مذهبين اثنين أحدهما، اعتماد كلمات هي رؤوس الآي، والثاني مراعاة كلمات تتم المعنى والإعراب، أو الإعراب دون المعنى، أو المعنى دون الإعراب. على هذا المذهب بنى الهبطي وقفه فهو يراعي الإعراب، والمعنى في الوقف والابتداء وأمام هذا يجوز لنا أن نقسم الوقف إلى ثلاثة أقسام: قسم وافق الهبطي فيه غيره كالداني وابن الأنباري وسواهما وهو أكثر وقفه. وقسم تركه ولم يعتمده لتجاذب الدليلين فيه أو لترجيح أدلة الوصل عنده لأنه الأصل والوقف طارئ. وقسم انفرد به ولم يوافق أحدا ممن سبقه والناس في هذا فريقان. فريق مؤيد وفريق منتقد، والوقف عنده فيما يبدو على ثمان مراتب: تام، وأتم: وحسن وأحسن، وكاف وأكفى وجائز ومقبول. محمد أبو رزق