منذ قرابة عام اكتشفتُ بالصدفة موقع هسبريس على شبكة الأنترنيت hespress.com، وحتى الآن لازلت أزوره بانتظام رغبة في الإحاطة بأخبار المغرب وقضاياه ،ذلك أن هذا الموقع ،على علاته الكثيرة، يبقى مفيدا للقراء ومقياسا جيدا، رغم نسبيته ، لحرارة المغرب الإعلامي والثقافي والاجتماعي سواء عبر المقالات التي ينشرها الموقع لكُتابه المنتظمين ،وهم قلة ،أو المقالات التي ينقلها الموقع عن الصحف والمجلات والمواقع المغربية الأخرى ، غير أن ما لفت انتباهي دائما هو هامش الحرية الواسع الذي يتوفر عليه معلقو الموقع الذي يكتبون على هامش المقالات ، ويدبجون ملاحظاتهم بحرية وبجرأة تبلغ أحيانا درجة كبيرة من الابتذال حد تبادل الشتائم ،والنعوت القبيحة بينهم . "" كما أن هؤلاء يكتبون تعليقاتهم بكل اللغات , وأحيانا كيفما اتفق معبرين بذلك عن التعددية اللغوية المغربية العربية الفصحى والدارجة والأمازيغية والفرنسية والانجليزية وهذه حسنة لا تتوفر في أي موقع آخر على الإطلاق حسب علمي . كل هذا بايجابياته وسلبياته يعود أساسا إلى الغياب التام الذي لا أدري إن كان مقصودا أم لا لمشرف يراقب ويضبط التعليقات ويغربلها قبل نشرها كما هي العادة في كل المواقع التي تحرص على أن لا تجرح الأشخاص أو تمس المعتقدات احتراما للقانون . غير أن الطريف في القصة كلها هو أن المعلقين غالبا ما ينغمرون في نقاش جماعي لا علاقة له بالمقال الأصلي الذي تندرج في إطاره تدخلات الزوار ، و تجدهم يتبادلون التحايا أو التهاني أو السباب من كل مناطق المغرب وربما من مختلف أنحاء العالم بفضل معجزة الأنترنيت وعندما تقرأ التعليقات وهذا ما يعجبني بالفعل تحس وكأنك في مقهى شعبي أو في جلسة حمام أو في ساحة عامة أو في زنقة عند مدخل الدرب تتنصت على أحاديث الجماعة ، تضحك تارة وتعبس تارة أخرى ، وأحيانا تنتابك رغبة عارمة في التدخل رغم أن النقاش لا يعنيك أصلا و إذا أردتم أن تتأكدوا بأنفسكم فما عليكم سوى الاطلاع على التعليقات حول مقالات المغرب الفني يسار صفحة الموقع ، التي غالبا ما تزينها صور الفنانات الجذابة و تثير عاصفة من التعليقات المتناحرة. و كم كانت دهشتي كبيرة حين اكتشفت ذات جلسة أن أصدقائي في باريس الشاعر و الروائي محمد حمودان و الشاعر الإعلامي جمال بدومة والمسرحي شوقي العوفير ، يتابعون بالشغف والمتعة نفسيهما تعليقات موقع هسبريس وأدركنا بسرعة أننا نتذكر أسماء المعلقين أكثر مما نتذكر أسماء كتاب ومحرري المقالات و هكذا تبادلنا أسماء المعلقين وهي أسماء مستعارة بالطبع لتقفز بعفوية في سماء الجلسة أسماء أبوذر الغفاري وكوحلال وغزلان باعتبارهم من أشهر معلقي الموقع ، ومن أكثرهم لفتا الانتباه بفضل حضورهم الدائم وطرافتهم و قدرتهم الغريبة في إثارة الجدل والقلاقل بين صفوف المتصفحين. و من بين ما تداولناه أن المدعو كوحلال بعث برسالة غاضبة نشرها الموقع يعلن فيها اعتزاله الكتابة في الموقع بعد التعليقات القاسية التي تعرض لها اثر نشره نصا اباحيا عبر فيه عن افتتانه بالغلمان بالصبايا والغلمان ليثير المزيد من الجدل و لينبري خصمه اللدود أبو ذر الغفاري ، معلنا ابتهاجه بهذا الانسحاب مهددا إياه بملاحقته في كل مواقع العالم لفضح "شدوده" . هكذا تنعكس المعادلة التقليدية ، ويصبح القراء أكثر أهمية من الكتاب ، والتعليقات أهم من المقالات و تلك نعمة الإنترنيت على الطريقة المغربية التي عززها غياب مقص المشرف على الموقع . يبقى أن التعليقات ، كيفما كانت ، تعكس في العمق مستوى أصحابها و درجة الاختلاف الشاسعة بين صفوف زوار الموقع ، و بالتالي تعكس تباينات و ناقضات المغاربة وروح النكتة والتقشاب التي تميزهم أجمعين : فهناك الجاهل والمثقف والعلماني والمتزمت والسكير والعفيف ، وهنالك الصغير والكبير ، الفتاة والصبي ، وكلهم يثرثرون في فضاء مفتوح بأسماء مستعارة تقيهم شر المتابعة ، وهم بهذا لا فعلون سوى التنفيس عن أنفسهم و مشاكلهم وعقدهم بسرعة وبأسلوب مباشر لا يهاب لا أخطاء ولا ركاكة أو قلة الحياء . صديقنا حمودان ، المسكون بالشك و البارانويا ، صار مدمنا على تتبع تعليقات قراء هسبريس ، وبدأ يهاتف شمالا جنوبا ، ويستقصي الأخبار بحثا عن الهوية الحقيقية لأبي ذر الغفاري وكوحلال ، بل إنه صار يرتاب في كل من يعرفه ، ويتهمه بالتخفي وراء هذين الاسمين ، من يدري ؟ ومن أطرف حكايات الموقع أن أحد المعلقين كتب ملاحظة حول مقال بخصوص الخمور في المغرب توسطته صورة قنينة بيرة مغربية شهيرة من نوع سبيسيال ، و في اليوم الموالي ، تم تحيين الموقع ، وحلت صورة أحدى الفنانات محل قنينة البيرة ، الأمر الذي أثار حفيظة المعلق ، و جعله يحتج بقوة على اختفائها كاتبا بالحرف :" و علاش حيدتو لي حبيبتي سبيسيال و حطيتو فبلاصتها هاد الكمارة ؟" ههههههههههههههه . عبد الإله الصالحي[email protected] عن عمود "ترانزيت" -جريدة الصباح -4أبريل2008