ناسمينتو، شاب تشادي وسيم، مرح وموهوب وذو قدم ساحرة. وصل الى المغرب قبل ست سنوات، دون تدبير مسبق، "فالمغرب هو الذي اختارني ولم اكن من اخترته"، يقول ناسيمينتو بروح مرحة. كان يلعب كرة القدم في الفريق الوطني التشادي، وفي احدى مبارايات كأس افريقيا للامم، تهافت عليه تجار الكرة. امضى في الجزائر اربع سنوات للعب مع نادٍ جزائري في القسم الاول لكرة القدم وانتهى به المطاف للمغرب حين استقدمه. ثم دفع به الوضع المعقد الذي لم يستفد به شيئا بسبب صعوبات بيروقراطية، الى التفكير في الهجرة للبر الاخر، وهنا بدأت مغامرته الكبرى ومأساته الاكبر. وضع الافارقة في المغرب جين جاع ناسيمنتو، اقتات على لحوم القردة التي تملأ الغابة، واصطاد السلاحف المائية من بحر "بني انصار". وحين كان الاهالي يحاولون تقديم اية مساعدة انسانية، كانوا يحاصرون من طرف الشرطة. يعيش افارقة جنوب الصحراء بمخيمات متفرقة، في ضواحي المدن، وبالقرب من الاحياء الجامعية النائية ومن المقابر، وفي الغابات. هناك عاش ناسيمنتو ايضا، وانتهى في غابة غوروغو باقليم الناظور. ثم حاول ان يعبر الضفة الاخرى من مليلية، قبض عليه ومن معه، والقي بهم في الصحراء، "كانت نهاية العالم بالنسبة لي. كنت اشعر اني انتهيت". كان ناسيمنتو واحدا من الشابين اللذين وضعا انذاك مخططا لتحيطم اسوار مليلية واختراقها. ومليلية مستعمرة اسبانية، معروفة بمينائها الذي يوصل الى اروبا في ساعات معدودة. لو نجحت الخطة اذن، لكان ناسيمنتو ومن معه في اروربا. وفقاً للجمعية المغربية لحقوق الانسان يتعرض أفارقة جنوب الصحراء في المغرب لقمع ممنهج، حيث يعيشون في ظروف لا إنسانية، في الغابات والمخيمات، قبل أن يتم ترحيلهم خارج الضوابط القانونية، في ساعات متأخرة من الليل، أو في الساعات الأولى من الصباح، دون أي اعتبار لمن معهم من النساء والأطفال، ودون عرضهم على القاضي أو تخصيص مترجم لهم للاستماع لما يقولون. وتعتبر الجمعية، هذه الهجمة شرسة، وفيها انتهاكات لحقوق الإنسان. "إذا كنا نطالب بظروف إنسانية محترمة وبحفظ كرامة الإنسان المغربي في الخارج، فلا بد أن نعمل ذلك مع من يهاجر إلينا في الداخل"، تقول خديجة العناني، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمكلفة بملف اللجوء والهجرة. الدركي أصدرت الجمعية بيانا تدين فيه "الانتهاكات التي تطال اللاجئين وطالبي اللجوء"، من طرف السلطات المغربية، والتي تكرس "دور الدركي الذي تلعبه الدولة المغربية لصالح أوروبا". ترى الجمعية ان السلطات المغربية تتدخل بكل العنف لتردع الأفارقة وتقطع عليهم طريق الوصول إلى أوروبا، وفي بيانها تطالب الجمعية الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود أمام هؤلاء. تقول العناني: "ندين السياسة الأوروبية الحالية تجاه المهاجرين، لأننا نعتبر أن أوروبا حين كانت في حاجة الى اليد العاملة كانت تأتي إليها بنفسها لتأخذها إلى هناك وتستفيد منها، وبالتالي فالمهاجرون هم من ساهموا في بناء اقتصادها. والآن هي تدفع بدول مهاجريها، لان تلعب دور الدركي في منع وصول اللاجئين الأفارقة اليها". تصريحات رسمية ما ميز هذه السنة في السياسة المغربية المتعلقة باللاجئين، ان هناك تصريحات رسمية من الدولة. "طرح برلماني سؤالا نعتبره ملغوما"، تقول العناني مضيفة: "يقول فيه ان المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الذين يدخلون للمغرب، يكونون مسلحين، ومتدربين على السلاح وهذا يشكل خطرا على المغاربة. اما تصريح وزير الشؤون الداخلية فيقول فيه ان هؤلاء الافارقة متورطون في جرائم دموية ببلادهم ويأتون هاربين للمغرب متخفين في لباس مهاجرين لاجئين. واعتبرنا هذه التصريحات تحريضا على الكراهية والعنصرية". الا ان هناك برلمانيين ايضا يعتبرون ان الحكومة تشن حربا شرسة ضد السود، مثل محمد دعيدعة رئيس الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية، الذي أثار امام مجلس المستشارين في الجلسمة العمومية يوم 19 يونيو ما يتعرض له المهاجرون السود المنحدرون من دول جنوب الصحراء الكبرى، "من سوء المعاملة من طرف السلطات المحلية التي تشن حملات تمشيطية في حقهم وترحيلهم الى الحدود الجزائرية في ظروف غير لائقة". واتهم الحكومة باعلان الحرب على هؤلاء المهاجرين السود. ولكن خديجة العناني تعتبر التصريح جاء متأخرا للغاية وفارغا من اي محتوى.، فهو لم يأت ابدا "بعد تصريح وزير الداخلية ولا بعد التصريحات بمغالطات وشائعات على انهم يأتون بالدعارة والايدز الى المغرب ويخلقون مشاكل داخل المغرب". حقائق يصعب معرفة كل الحقائق المتعلقة بأعداد المهاجرين وأوضاعهم. فبالرغم من الفيديوهات على اليوتوب والشهادات التي وكانت فروع الجمعية المغربية لحقوق الانسان قامت بجمعها ومعاينة ما حصل، والتعاون في التقصي مع الجمعيات مختصة. "ما نتأسف له هو اننا لا نستطيع ان نتصرف، لان عمليات الترحيل والاعتقال تتم بسرعة فائقة لدرجة اننا نعجز ان نكون معهم دائما ونساندهم"، تقول خديجة العناني. "لدينا اربعة ملايين مغربي متفرقين بديار الهجرة، نطالب دائما بضمان حقوقهم وصون كرامتهم، فما ضرنا لو قمنا بنفس الشيء مع بضعة الاف مهاجر ببلادنا؟ ". انتهاك حقوقي يرى الناشطون الحقوقيون أن المغرب ينتهك بممارساته اللاانسانية ضد الافارقة، كل المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقع عليها، بما فيها اتفاقية جنيف المتعلقة بحقوق اللاجئين. ويفعل هذا امام صمت اوروبا والمجتمع الدولي. اما تحركات المجتمع المدني والمنظات الحقوقية المحلية، فلا تحقق الكثير امام هذا الوضع. وحسب ناسيمنتو، لن يغير وضع اللاجئ الا اللاجئ نفسه. لقد استطاع هو ان يتسلل من الصحراء، وان يرتب اموره ووضعه، ويجد له مكانا انسانيا محترما في مكان محترم. ومع ذلك، لم يتحدث للاذاعة إلا باسم مستعار، فهو يخشى ان يعاقب على تصريحاته ويعود مرة اخرى لنقطة الصفر. *يُنشر بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية