النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية المصرية بوأت الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المركز الأول متبوعا بمرشح الفلول أحمد شفيق وهو ما مثل مفاجأة حقيقية تستدعي التأمل والقراءة: 1.هل يتعلق الأمر بتصويت عقابي الهدف من ورائه إفهام النخبة السياسية المصرية أن الشعب المصري مل من الخلافات المزمنة بين مكوناتها،هل يتعلق الأمر بوقوع تزوير، هل يعقل أن تنتخب شرائح واسعة من الشعب المصري رجلا ينتمي إلى نظام بائد أوسعهم قمعا وتفقيرا وتجهيلا وأفقدهم الكرامة الآدمية، الإيجابية الكبيرة للنتائج هي كالتالي: سيجد الشعب المصري نفسه مضطرا للاختيار بين مرشح الإخوان "مرسي" بالرغم من كل التحفظات التي ستبديها الأطراف المخالفه له ولمدرسته، وبين مرشح مبارك في إخراج جديد يتكيف مع الثورة ليقضي عليها من الداخل،لاسيما بعد صدور الحكم الذي برأ الداخلية المصرية من دماء شهداء الثورة، وهو حكم جانب الصواب طبعا وعقلا، وشرعا ووضعا لأنه لم يستند إلى لائحة اتهام حقيقية، فأهالي شهداء الثورة المصرية هم أولياء الدم الذين يتابعون قتلة أبنائهم وذويهم، والحكم الذي صدر ضد مبارك ومعاونيه ضرب بمشاعر عائلات الشهداء عرض الحائط، فإن لم يكن أولئك الذين برأتهم المحكمة هم القتلة فمن هم القتلة: إنها مسرحية هزلية بإخراج رديء، إن المعروف فقها وقانونا أن المتسبب في القتل بشكل مباشر وعن ممالأة للقاتلين له حكم القاتل الأصلي، أي القصاص ما دام أولياء الدم لم يصدر عنهم عفو أو قبول بالدية، وقد جاء في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في رجل تمالأ عليه جماعة من أهل اليمن: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. وجاء في مختصر خليل:تقتل الجماعة بالواحد والمتمالئون... والمتسبب مع المباشر. هل يعقل أن تغيب هذه الأحكام عن قاض مبتدئ بله قاض قضى سنوات طوال كرجل قانون، ولم يفعل شيئا إلا أنه برع ولو بلغة جد رديئة في الإتيان بمقدمة تمجد الثورة ظاهرا وتستخف بها باطنا، فأي القاضيين اختار أن يكون: قاض في الجنة أم قاض في النار. 2.لقد أشارت الكثير من التعليقات على نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المصرية إلى إسهام الأقباط الكبير في حصول شفيق على المركز الثاني متقدما على مرشحي الثورة صباحي وأبي الفتوح،مما يعني أن زعماء الأقباط اختاروا أن يكونوا في صف مرشح الفلول، وفي صف الاستبداد، مخالفين بذلك تراث المسيح عليه السلام القائم على قيم المحبة والسلام والعدل، المسيح عليه السلام الذي وقف في وجه الحاكم الروماني المستبد لينشر السلام والمحبة وينتصر للفقراء والمستضعفين، ويطهر الدين من أنصار الجمود والحرفية الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا: لماذا يريد أقباط مصر بتصويتهم لأحمد شفيق أن يقوموا بدور يهوذا الأسخريوطي الذي خان مبادئ المسيح الداعية للعدالة والكرامة والحرية، لماذا ينقلبون على تعاليمه ويحاربون قلوبهم لأجل بطونهم، وتعصبا لطائفتهم، المسلم والمسيحي يجب أن يكونا ضد الاستبداد الذي لا ملة له ولا دين، هل يحتاج أقباط مصر إلى من يذكرهم بأن شفيق سليل نظام بائد له طبع دكتاتورية الرومان وقساوة هيرودت،ونفاق بلاطس،سليل نظام يجب أن يذكركم باضطهاد السلطات الرومانية لهم مما حمل غالبيتهم على الترحيب بالفاتحين المسلمين،أليسو جزءا من مجال حضاري إسلامي يتعين على كل مسلم فيه أن يتعبد الله بالإحسان إليهم،فلم الخوف من المستقبل؟ولا أقل من أن يقتفوا أثر كنائس أمريكا اللاتينية التي ابتدعت "لاهوت التحرير" فواجهت الفقر والاستبداد، وانغمست بقوة في النضال السياسي من منطلق محاربة الدكتاتوريات العسكرية. 3. إن مصر تجد نفسها الآن أمام منعطف تاريخي يتطلب التعالي على الحسابات الأيديولوجية والارتباطات الخارجية لتأسيس دولة تسع الجميع لينهضوا للبناء والعمل وترك المماحكات والجدل، فالأولوية لتفكيك منظومة لاستبداد،ومواجهة الفقر والجهل والجوع والمرض في أوساط الشعب المصري، وعدم إشغال الناس بقضايا عقدية يطلب إلى رجال الدعوة أن ينشروا مفاهيمها الصحيحة برحمة وحكمة وبأداء مؤسساتي، ولا ريب في أن سلسلة من الأخطاء قد ارتكبت وزكاها حتى الإخوان ابتداء بالسماح بتغول العسكر، والدخول في لعبة التعديلات الدستورية بديلا عن وضع دستور جديد، ومغادرة الميدان في بعض المحطات المفصلية، وأم الخطايا والأخطاء السماح بترشح شفيق أصلا، فالرجل يده ملطخة بدماء الثوار،لا أدري أهي غفلة الصالحين أم سذاجة السياسيين، الثورة لا تقبل أنصاف الحلول فهي مدعومة بقوة اللحظة التاريخية والموجة العارمة للشعب وتوفيق الله الذي لا يصلح عمل المفسدين،لا بديل عن مرسي، وبعد ذلك تكون المراقبة والمحاسبة، وكم هو معيب انخراط الكثير من النخب في عملية ابتزاز الإخوان وفرض سلسلة من الشروط لقاء التصويت لصالحة في الجولة الثانية،كالمطالبة بمجلس رئاسي،وكم هو رائع موقف منسق حركة "كفاية" الأسبق السيد عبد الحليم قنديل وهو المخالف للإخوان من تلك النخب إذ قال:" السادة المتنطعين الذين يطلق عليهم النخبة من أمثال مصطفى بكرى ,, رفعت السعيد ,, عمرو حمزاوى ,, أيمن نور ,, السيد البدوى ...الخ وما اكثرهم ,, يستخدمون أسلوب المقايضة والإبتزاز مع الإخوان المسلمون لكى يحققوا إمتيازات ومصالح خاصه بهم ,, هؤلاء المنتفعون من النخبة العميلة لا يشرفنى ولا يشرف اى مصرى ووطنى أن يعبروا عنه ,, فهم على أستعداد تام لبيع ضمائرهم ووضع أياديهم الغير طاهره بيد المرشح أحمد شفيق ممثل النظام السابق الحاضر والتى ما زالت يديه ملوثه بدماء الشهداء والوطنيين من خيرة شباب هذه الامة,, أننى اتبرأ من هؤلاء المدعوين بالنخبة ,, فالنخبة الحقيقية هى من تبحث عن صالح الوطن لا التى تبحث عن مطامعها الشخصية ومكاسبها الماديه حتى لو ذهب الوطن والمواطن والمبادىء للجحيم,, لقد انعم الله على هذا الشعب بثورة لم تنجح من البداية حتى تتضح الصورة الحقيقية لتلك الشراذم الفاسدة التى تبحث عن مصالحها الشخصية ,, وحتى صديقى العزيز حمدين صباحى إذا أستمر بنفس اسلوب التجاهل والمواربة وعدم إعلانه الصريح مشاركة مرشح الإخوان محمد مرسى الصمود والتأييد ودعوة مؤيديه لذلك ,,فعند هذا الأمر سيكون من ضمن هؤلاء النخبة التى ضيعت حلم مصر الثورة ,, واعلن أننى برىء من هؤلاء النخبة وبريء من أعمالهم التى تتم فى الخفاء والعلانية ضد الثورة والوطن ومن اجل مصالحهم الشخصية ومطامعهم الدنيويه ,,وأعلن دعمى للمرشح محمد مرسى وسأقف معه بصوتى رغم أختلافى معه ومع جماعته إلا اننى أبحث عن الصالح العام لوطنى ,, مصر فوق الجميع ياسادة" . في تاريخنا الإسلامي جنت المواقف المترددة في نصرة الحق على الأمة كلها،فحدث الانقلاب،وترسخ الاستبداد،لما لم يحسم بعض الصحابة رضوان الله عليهم أمرهم لنصرة الخليفة الشرعي الرابع علي بن أبي طالب عليه رضوان الله في معركته الفاصلة ضد متزعمي العصبيات الأسرية،وندموا على ترددهم بعد فوات الأوان، فانحدرت إلينا عبر الأجيال تقاليد الاستقالة غير المشروطة أمام السلطان،والتماس عافية الجبناء، واعتزال الشأن العام،وللذين لم يحسموا أمرهم بشان الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة المصرية نسوق قول مارثن لوثر كينج:"أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة".