جريا على عادته لم يفوت علينا مهرجان موازين فرصة الاستمتاع بمجموعة من التناقضات والاستثناءات والاستغرابات، ولتبسيط الأمر يمكن أن نلخص كل ذلك في مجموعة من اللقطات التي استطعنا أرشفتها: اللقطة الأولى: شاهدنا فيها مغني الراي الجزائري الشاب خالد وهو يحمل العلمين المغربي والجزائري، مببتسما للجمهور وكأنه فاتح كبير أو مناصر قوي للمغرب، لكن عندما نقلب القطعة النقدية على وجهها الثاني نصدم بواقع مخيب، واقع الشاب خالد الذي يحمل العلم المغربي عندما يكون في المغرب، ويحمل علم البوليساريو عندما يكون خارج المغرب، وعندما سؤل عن سبب هذا التناقض أجاب: أنا صديق للملك محمد السادس وهو من قال لي أنت حر في تصرفاتك وهو من أهداني لفيلا رائعة في مدينة السعيدية. وكان خالد قد ناقض نفسه حينما أدى حفلين بمدينتي بجاية والبويرة (شرق العاصمة الجزائر)، وهو ملتحف طيلة السهرتين بعلم البوليزاريو. إذ أن ما قام به المغني الجزائري لا يعتبر سابقة من نوعها بحيث سبق له أن أحيى حفلا فنيا سنة 2008 بمدينة كاسيريس بمقاطعة سالمانكا الإسبانية، ضمن فعاليات المهرجان الدولي لثقافات شعوب العالم، حيث أقدم على نفس التصرف . اللقطة الثانية: سمعنا وشاهدنا فيها المغني فضل شاكر، وهو الذي قال سابقا بأنه اعتزل الغناء، يرفع فيها الدعاء ضد بشار الأسد، ونحن وإذ لا نكن الود للطاغية بشار الأسد ونرجو زوال نظامه، إلا أننا تفاجأنا من هذا التوظيف المغرض للمغاربة، بدون علمهم، في سياسة الممكلة السعودية وتسييس فج للفن ورسالته النبيلة، فماذا لو صعد جورج وسوف إلى المنصة، وهو من أشد المؤيدين لبشار، وقام بتوريط المغاربة عبر الدعاء على حكام السعودية؟ هل كان ليرضي ذلك أمراء آل سعود وهل كان السكوت هو الموقف الرسمي المغربي ؟ اللقطة الثالثة: والتي كانت صادمة تمثلت في عودة التملق الغنائي للملك، عبر مجموعة من المقاطع الغنائية التي حاول من خلالها البعض وبطريقة وصولية التقرب إلى جيب الملك قبل قلبه، فقد غنى المصري هاني شاكر أغنية عن الملك محمد السادس يقول مقطعها "نعم الملوك يا ملكنا. يا رافع راسنا" ووصفه ب"يا مولاي محمد السادس الله يديمو لينا". فهل يستطيع هذا المغني أن يؤلف ويغني مثل هذه الاغاني في بلده مصر، و هل بمقدوره التملق للمجلس العسكري المصري أو أي رئيس بعده في منصة عامة ؟ اللقطة الرابعة: وكانت من أخطر اللقطات ، إذ ضربت من خلالها مصداقية عدة مؤسسات وانتهكت فيها كرامة رجال الأمن، شاهدنا ذلك وشهده العالم عندما انهال مجموعة من الشباب بالضرب والرفس والشتم على والي أمن مدينة الرباط. إلى حدود اللحظة يعتبر الامر عادي على أساس أن ذلك يقع في جميع الدول الديمقراطية، لكن غير العادي في هذه النازلة هو أن من تعرضوا لوالي الامن ليسوا أشخاصا من عامة الشعب، بل هم من علية القوم كانوا يجلسون حيث تجلس ابنة أخت الملك وولي عهده، وغير العادي أيضا هو أن الأشخاص المعتدية لم يحقق معها ولم تتم متابعتها، وإنما تم غض الطرف عنهم من قبل وزارة الداخلية ولم تحرك وزارة العدل النيابة العامة ولم يتحرك السيد رئيس الحكومة، كما عودنا، للدفاع عن هبة الدولة ومصداقية المؤسسات، في الوقت الذي تسحق فيه الحركات الاحتجاجية لغلقها بعض الأزقة ويعتقل فيها فنان شاب بسبب دعوى ينتقد فيها رجال الأمن ويعتقل فيها رسام كاريكاتور بدعوى شتمه لرجل أمن. ويبقى الأغرب في هذه اللقطة هو تظاهر مجموعة من شباب حركة 20 فبراير تضامنا مع والي الأمن وتعرضهم للاعتقال لأجل ذلك، قبل أن يطلق سراحهم. لكي تتضح الصورة أكثر ويعرف الجميع من يريد هيبة الدولة ويحافظ عليها ومن يعرض هذه الهيبة للإهانة ومن يسكت عن هذه الإهانة ويضحي شيطانا أخرس. ) نسجل هنا أننا اطلعنا على بيان لمديرية الأمن ينفي فيه واقعة الاعتداء، لكننا غير مقتنعين بفحواه لعدة أسباب، ومن أهمها تأخر البيان لعدة أيام، الواقعة حدثت أمام جمهور عام وتداولها الحاضرون بل ونوقشت داخل البرلمان من طرف نائبة برلمانية عن حزب الاتحاد الدستوري في جلسة الاثنين 28 ماي، فضلا عن أن البيان لم يذكر أي تفاصيل عن هوية الشباب ولا عن ظروف الحادثة ولا عن تاريخها). اللقطة الخامسة: وهي ليست باللقطة الجديدة، تتمثل في هذا الإصرار المنقطع النظير من طرف منظمي المهرجان على الإبقاء على موعده الموازي لفترة الإعداد للامتحانات التي يزمع آلاف التلاميذ والطلبة اجتيازها خلال أيام، فهل كان من الضروري إقامة هذا المهرجان خلال هذه المرحلة، وما الضرر في تغيير موعده بشكل يتيح للتلاميذ التهييئ للامتحانات في هدوء ودون تشويش؟ اللقطة السادسة: ورغم أن المهرجان تسيره جمعية مستقلة عن الدولة، نظريا على الأقل، ولا يدخل ضمن المهرجانات التي تشرف عليها الدولة أو إحدى مؤسساتها، إلا أنه، ومن خلال الملاحظة العيانية، يظهر لنا مهرجان موازين بمظهر مهرجانات الدولة بحيث ينقل الإعلام العمومي كامل فقراته وخاصة قناة ميدي 1، وتستفيد الجمعية المنظمة له من دعم مؤسسات تابعة للدولة كمؤسسة المكتب الوطني للفوسفات، والذي يسمي أيضا المكتب الشريف، فضلا عن الحضور الوازن لأشخاص الدولة كالأمراء والأميرات، إذ أنه وعلى الرغم من غياب الطابع الرسمي على هذا الحضور، إلا أن وجود أشخاص من قبيل ولي العهد وابنة عمته سكينة يضفي الطابع الرسمي على مهرجان لا يدخل ضمن لائحة مهرجانات الدولة. وهو امتياز لا تحصل عليه جميع الجمعيات. من خلال هذه اللقطات الست، يتضح للمراقب أن مهرجان موازين هو أقرب إلى مناسبة سياسية، أو على الأقل يختلط فيها السياسي بالفني، منه إلى مناسبة فنية ثقافية، وأن هاجس السيطرة والتحكم يتجاوز المجال السياسي نحو مختلف مجالات الاجتماع المغربي من قبيل الشأن الديني مرورا بكرة القدم وصولا إلى الأنشطة الثقافية والفنية . ومن هنا يظهر السؤال الذي يطل برأسه دون أن يجرأ على البروز كاملا، خاصة من طرف الفاعل السياسي الرسمي، وهو: ألم يحن الوقت بعد لكي نصل إلى دولة ديمقراطية مدنية تكون فيها استقلالية تامة لمختلف السلط، ويتمايز فيها الشأن الديني عن الشأن السياسي دون توظيف أوتوقراطي ، وتتمتع فيها الأنشطة الثقافية بالحرية المرتبطة بالمسؤولية، فضلا عن حرية العمل الصحفي و انفصاله عن الأجندات السياسية بما في ذلك الإعلام الحكومي الذي يجب عليه أن يُضحي إعلاما عموميا غير خاضع لدواليب الحكم الضيقة ؟