للإبداع باب لا يلجه إلا العارفون بأسرار الجمال الذوقي، والحس الراقي، وحالما تطأ قدماك مملكته يهزك شعور وجداني رقيق يكاد يُشعرك بكمال الوصول الفني، وجلال الإبداع اللحظي، فلا تدري حينها أتكتب إحساسك بريشة المواجيد الشاعرية، أم ترسم ابتسامتك الملأى بالحبور على أعتاب القلعة الخضراء، التي أثثت بإبداعها شوارع الرباط بلمسات سحرية غاية في الروعة والتعبير المسؤول. فلله در العقول المعطلة إذ تُنبت أفكارا تتعب الأقلام في وصف براعتها الشاعرية المُعبّرة. عُذرا سادتي، فما أنا إلا عاشق تستهويه اللوحات المتقدة بالحياة الذكية، المفعمة بخمائل الأطر الوردية، رغم قساوة ظروف الإبداع في مغرب العطالة الأليم. هي المجموعة الوطنية للمجازين المعطلين بالمغرب، لو عَنّ لك الحديث عن النضال والصمود فهم أهله، ولو شئت الكلام عن إبداعهم فإليهم انتهت آخر صرعات الفن دون كل الأطر العليا المعطلة بالرباط، التفاؤل رديفهم وطول النفس عنوانهم فيما يقارب السنتين دون كلل جسم ولا ملل فكر، اختاروا من الفصول الأربعة أبهاها، فظهر ذلك جليا في لون أقمصتهم التي توحي برحابة الذهن وخُضرة الحياة لديهم، ورغم ألم الأيام المشوب بالترقب، إلا أن ابتسامة كاتبهم العام لا تفتأ مرسومة على شفاهه مع مُسحة حزن عميق تخالطها، أسفا على واقع مرير يطل كالشبح مُحلقا فوق رؤوس الأطر بالمغرب. الحق ُّ حقٌ يا سادتي ولو أنني لا أنتمي لهذه المجموعة التي اهتز لإبداعها الرأي العام، وهي تقدم الجواب لرئيس الحكومة المغربي الذي نصح الأطر بمبادرات التشغيل الذاتي عن طريق بيع "النعناع" وما شابه، فجاء الجواب سريعا تلبية لنداء السيد بنكيران، ولو شئتم يا سادتي تجلية الوضع فإني لما أحببتم مجيب. جلس عقلاء المجموعة وكل المجموعة عقلاء يفكرون في الرد الحازم الساخر على خطاب الرابع عشر من ماي، وقبلها فكروا في شكل الخِراف، وبعدها في مسيرة الأكفان، ليهتدي تفكيرهم أخيرا لإجابة التماس السيد عبد الإله بنكيران. ومن سوق الجملة حيث الخضر وما فضُل من بالي الثياب، اقتنوا كباقي الباعة أنواعا مما طاب لهم، في خطوة جريئة لأروع مبادرة ذاتية في المجال الشبابي. كان الموعد على الساعة الرابعة عصرا بساحة باب الأحد حيث بدأ العرض الأسطوري... شبابٌ يعرضون سلعهم المكوّنة من "النعناع والخصّ والفجل وغيرهم..."، وفي مشهد استثنائي لم تعتده المارة ولا الأمن ولا توقعه رئيس الحكومة نفسُه، كان الجواب على تلك المبادرة الشبابية الساخرة هي هراوات الأمن التي حجّت محمولة في خصور كثيرة إلى عين المكان لتقوم بدورها المقدس الذي خُلقت لأجله، ليبدأ الفر والكر من جديد، وفي استغراب شديد قال قائلهم لرجال الأمن: إننا نُطبّق تعليمات رئيس الحكومة لشباب المغرب، قبل أن يأتيه الجواب الدامي: ونحن كذلك نطبقها. لملمت المجموعة الوطنية شتاتها وهي تردد المثل المغربي: "طلع تاكل الكرموص، نزل شكون قالها ليك". ولكَم وددت أن أسائل أحدَهم وهو يبيع الفِجل في الساحات بعد 15 سنة على الأقل من الدراسة عن شعوره ذاك، لكن أرجلهم كانت أسرع بعد التدخل الأمني في حقهم. القصة أحبتي أعمق من ارتداء فرو الخراف وأكفان الموتى وبيع الفجل والخص والنعناع وبالي الثياب، القصة تُلخص بين ثناياها معاناة شباب صاروا عُرضة للاقتراحات الساخرة والهراوات الضاربة، وفي عز الألم والحيرة ينبع الإبداع، فلا السخرية تقف حجر عثرة أمام النجاح، ولا القمع يئدُ الثقة الشبابية في شموس المغرب المضيئة. القصة يا سادتي تتكرر يوميا أمام البرلمان المغربي، ابتداء من مدن مغربية عدة، في اتجاه العاصمة الرباط، ليبدأ المسلسل الذي تتنافس كل الحكومات على دفتر تحملاته، لتقوم بالإنتاج والإخراج والتنفيذ والتمثيل، مسلسل درامي أبطاله استمدوا الشرعية من قائد سفينة الحكومة، وبات الأطر الضحية بجانب المجازين والدكاترة والطلبة الذين لم يسلموا مؤخرا من "الطبخة المغربية" التي لا يشتهيها أحد للأسف. القصة يختلط فيها القانوني بالسياسي، والحسابات الضيقة للأحزاب بآلام الشباب ولسعات الأيام، فلا العنف السياسي أخلى المعطلين من الشوارع، ولا الحكومات المتعاقبة استطاعت الوصول لحل توافقي، ليظل العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة: بضاعتنا العلم، فهل من سبيل للتنافس الحر؟ في الختام، يسعدني أن أرى أبناء بلدي من المعطلين والمجازين وغيرهم يرتقون سلم الإبداع ولو في أحلك اللحظات، ويسرني أن أراهم يؤثرون في السياسة العامة كما الحال سنة 2010 إذ صنف الكاتب العام لمجموعة الشعلة للأطر العليا المعطلة السيد رشيد العدوني من بين ثلاثين شخصية مؤثرة في الرباط، لأنهم آمنوا بالإبداع إلى جوار النضال المستميت، فحياكم المولى يا أطر المجموعة الوطنية الوطنية للمجازين المعطلين بالمغرب، ويكفيني فخرا أن أراكم تستلهمون أفكارا مشرقة لترسموا صورا ترسخ في ذهن الإبداع، وما دام باب الاجتهاد في مجال الفن مفتوحا، فحَيَّ على النضال والإبداع، ولا تنسوا أن الغد الجميل ينتظر الجميع، وإن غدا لناظره لقريب.