يعتبر القضاء من أهم مؤسسات النظام السياسي لأي بلد لارتباطه بمختلف القطاعات المشكلة للبنية المؤسساتية للدولة وقد استأثر إصلاح القضاء ببلادنا بنقاشات مهمة بدءا من الخطب الملكية السامية التي مافتئت تؤكد عزمها على اتخاذ مبادرات في هذا الشأن وانتهاء بالإعلان عن الهيأة العليا لإصلاح العدالة. لكن كيف نريد أن يكون هذا الإصلاح وبأية مقاربة سنؤطر منهجيتنا في الإصلاح باعتبار أن أية مبادرة إصلاحية يجب أن تستوعب في منطلقاتها كل مكونات الحقل المراد إصلاحه حتى نتمكن من صياغة استراتيجية دقيقة في توصيف الواقع وواضحة في تحديد الأهداف؛ والملاحظ هو أن النقاش تطور من الحديث عن "إصلاح القضاء" إلى الحديث عن "إصلاح منظومة العدالة" وهذا التحول نراه مهما حيث أدرك الفاعلون في المجال على أن "إصلاح القضاء" لا يعكس حجم القطاع نفسه فكان الحديث عن "منظومة العدالة" غير أن العنوان العريض قد لا يفي بالغرض ما لم يتم فعلا إشراك كل مكونات العدالة في هذا الورش، وإذا كانت المقاربة التشاركية حاضرة في الأرضية المرجعية التي اعتمدتها الوزارة في إطلاق الحوار الوطني فإننا نعتقد أنها جانبت الصواب حين أقصت تمثيلية جهاز كتابة الضبط من الهيأة العليا لإصلاح العدالة . وبدون اتهام خلفيات هذا الإقصاء فإن هذا الجهاز عانى ما يكفي من الإقصاء والتهميش وكنا نعتقد أننا تجاوزنا هذه المرحلة من خلال الخطب الملكية ومع المحطات النضالية التي خاضها الجهاز والتي توجت بصدور النظام الأساسي لكتابة الضبط وكنا نتمنى أن تستكمل التجربة ويمثل الجهاز في الهيأة العليا لكن للأسف عدنا إلى نقطة الصفر فتبين أن إرادة الإقصاء والتهميش لا تزال في ذهنية البعض ولم تنسلخ بعض من تلك الصورة النمطية التي ألصقت بالجهاز بالرغم من إدراكها لقيمة الموارد البشرية التي يحفل بها مما يؤشر على أن معركة الجهاز لازالت لم تنتهي وقد قلنا في مقال سابق بأن معركتنا ليست من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية لموظفي العدل فحسب وإنما هي معركة وجودية ليست على مستوى الممارسة اليومية وإنما في إعطائها حق المشاركة في صنع القرار وإتاحة الفرصة لأطرها لتقديم الاقتراحات، فبدون إشراك هيئة كتابة الضبط لا يمكن الحديث عن الإصلاح لأنه بكل بساطة لا يمكن أن نختزل هذا الأخير في عالم المادة (بنايات المحكمة حواسب ...) بل إن الاهتمام بالموارد البشرية هو الضامن لاستمرارية وفعالية المؤسسة ولذلك نجد أن الحكومات والدول المتقدمة أخذت تتسابق بشكل محموم ومصيري في استثمار المزيد من الأموال والموارد في تنمية ثرواتها البشرية والمعرفية وتعتبر ذلك خيارها الاستثماري الرابح دائما و الذي لا يخيب أبدا ونحن آخر من نفكر فيه هو العنصر البشري لذلك تكون كل المبادرات مصيرها إلى الفشل لاكتفائها بالإملاءات الفوقية دون الاعتماد على العنصر البشري الممارس. إننا لا نريد بذلك أن ننتزع اعترافا بطاقاتنا وقدرتنا في الإبداع والمشاركة الفعالة وإنما نريد أن نضع حدا للإقصاء الممنهج الذي تحركه إرادات حاقدة على كتابة الضبط وعلى أطرها وكما انتصرت إرادة الربيع العربي في إسقاط الفساد سوف تنتصر إرادتنا على إرادة الإقصاء والالتهميش. *منتدب قضائي