تجيب كل من يسألك عن أمنيتك فتردد بكل عفوية أريد أن أصبح أستاذا ولربما طبيبا ولما لا مهندسا ...تحمل محفظتك التي تكبرك حجما وهي مثقلة بالكتب الي لا تحتاج إلا لإثنين منهما في اليوم. فتعتاد على أن توقظك أمك على الساعة السابعة فتغسل وجهك وترتدي ثيابك.تتناول فطورك الذي أعدته لك والدتك وتملأ لك كيسا من الفواكه والأكل للإستراحة . تمشط شعرك دون أن تنسى أن تقبلك على خدك. "" تغادر البيت وكأنك حمار يحمل أسفارا ,ويكون التعب قد نال من جسمك الضعيف وابتسامتك البريئة بعدما تطأ عتبة القسم. لكنك على كل حال راض على حالك لأنك مازلت لا تدرك حقيقة الأمور والفلك الذي تدور في فلكه.ولا يهمك سوى أن تحمي يداك الصغيرتان من شر ما خلق من معلمين يفرغون عصارة مشاكلهم, وغضبهم على أطفال لا حول لهم ولا قوة. إلى درجة أن بعض التلاميذ غادر هاربا بلا عودة تاركا محفظته وأدواته مرددا:"والله لَرْجَعْت" وبعدما تكمل عقدك الأول تتلاشى أحلامك وتتبخر شيئا فشيء, فتنساب كلمات السخط والتمرد من كل الجوانب والزوايا...يطاردك شبح المغادرة والبحث عن صنعة تصون بها ماء الوجه. فتفضل أن تصارع المنظومات الفاشلة ,وبطش بعض الأساتذة وتقاوم البرد والحر والخصاص المادي وحتى المعنوي.تتكيف مع الازدحام الذي تشهده الأقسام, فتقوى عزيمتك ويشتد بأسك. تخزن عشرات المقررات في ذاكرتك وتحملها -أي الذاكرة- عناء حفظها على ظهر قلب وتتلقاها تلقي الببغاء.وتحاكيها محاكات القردة .وماعليك سوى أن تسطرها كما هي في ورقة الإمتحان دونما تصرف و كأنه امتحان للذاكرة وليس للذكاء والفطنة. وحتى إن خانتك ذاكرتك ماعليك سوى أن تستنجد بأحد أصدقائك "موالين لحروزة" في غفلة من الأستاذ. تتنازل على أحلامك ولا ترغب في الحصول سوى على شهادة البكالوريا. تتوالى السنوات فتبشر بحصولك عليها فتقول الحمد لله قد ارتحت من الدراسة الشمطاء ,وطول المقررات وكثرتها . لكن سرعان ما تفاجئ بواقع أكثر مرارة يوازي العلقم وتبدأ مغامرة الإلتحاق بإحدى المعاهد أو المدارس فإن لم توفق, لن تجد إلا الكلية ملجأ لك.يأتي دور البحث عن المسكن إسأل هنا وهناك ...منهم من يستغل وضعك فيشترط عليك مبلغا خياليا. ومنهم من يردك على أعقابك خائبا. تشرع الدراسة وأنت مازلت محتارا هل من مسكن بعدما تم رفضي بالحي الجامعي؟هل أتابع المحاضرات أم أبحث لي عن مسكن؟ بعد جهد جهيد تحصل على غرفة, أقول غرفة تكون المطبخ والمبيت وكل شيء. تترك الأهل والأحباب وتعيش بين 4 جدران من أجل ماذا؟! من أجل أستاذ شعاره " لا أريكم إلا ما أرى. أنتم البعير وهؤلاء الحمير وكلكم فئران الوزير".من أجل منظومات فاشلة آخرها معطل وليس عاطل أمام قبة البرلمان ؟ تستيقظ مع السادسة صباح من أجل إعداد الفطور والصلاة. واسأل الله أن لا تفوتك الحافلة أو تتأخر كي لا تضطر لقطع المسافة التي تبعدك عن الجامعة أو المعهد مشيا على الأقدام... تتابع شرح الأستاذ في تأن, دروس أكل عليها الدهر وشرب من مقررات تم تجاوز تدريسها بالمدن الأوربية .أستاذ لا يهمه سوى أن يتمم حصته بكل الوسائل .و بعد أن يكمل شرحه يتجه إلى الكمبيوترو يأمر باقي الطلبة بتتمة التمرين التطبيقي لليلة البارحة, بينما هو يتبادل الضحكات مع شاشة الحاسوب. تحسبه فقد عقله نظرا لكثرة ضحكه مع نفسه "كيضحك بوحدو" .والسبب كيشاتي في المسنجرومع من؟!الله أعلم. فتسأل نفسك هل أهدر مالي ووقتي وجهدي من أجل تفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع؟فتُصَبر نفسك قائلا "إن غدا لناظره لقريب" سأحصل على الشهادة وأغادر بلا عودة فالأيام تمر بسرعة. فيفاجئك الأستاذ بتغيير في مقررات الامتحان والبرامج المقررة... ترجع إلى المنزل وأنت تجتر الخيبة والغضب فتشرع عصافير بطنك في التغريد وعليك أن تطهوا لها شيئا يسكتها لكن هل أنا طباخ أم طالب أم ماذا....؟ فكيف للطالب أي يركز في دروسه وهو يعلم بأنه مطالب بإعداد الفطور والغذاء والعشاء والتحضير للإمتحانات؟"واش اصبن ولا يجفف"؟هل يراجع الدروس أم يسترخي من شدة التعب؟ هل هدا و داك يهون مع الزمان و تعتاده مع الأيام.فهذا هو السجال اليومي لطالب بالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية . فللنجاح طريق... و للمعاناة معنى... وللحياة نهاية