تتبوأ مؤسسة القرض الفلاحي للمغرب مكانة هامة في النسيج البنكي المغربي. وقد لعبت، طيلة نصف قرن من الزمن، دورا كبيرا في الحفاظ على نوع من الاستقرار الاجتماعي وكذا في الدفع قدما بعجلة التنمية في الوسط القروي. إلا أن هناك مفارقة عجيبة تكمن في مجال معالجة الجانب الاجتماعي الداخلي، وكذا في تدبير موارده البشرية، حيث ظل هذا البنك دوما في المؤخرة، مقارنة مع باقي مكونات النظام المالي والمصرفي الوطني. وأبلغ مثال يذكر في هذا الصدد يتجلى في موقف هذه المؤسسة إزاء ضرورة تمتيع العاملين بها بنهاية مشوار مهني تضمن لهم ولذويهم قدرا كافيا من الكرامة، وخاصة فيما يتعلق بفترة تقاعدهم. وبالفعل، فمنذ إنشائه في دجنبر 1961، لم يكترث القرض الفلاحي إلا بصفة ضئيلة وثانوية لهذا الجانب الحيوي، رغم أنه يرتبط بمستقبل العنصر البشري الذي يشكل محرك كل أنشطته، ومصدر منجزاته ونتائجه ومنبع إشعاعه. وهكذا، فقد ترك مستخدمو القرض الفلاحي لمدة زهاء ربع قرن (من 1961 إلى 1985) من دون أية تغطية في ميدان التقاعد. وكل ما هناك، هو أنه، خلال تلك الحقبة الطويلة، أحدث صندوق احتياطي داخلي، أطلق عليه إسم "Pécule"، كانت تودع فيه اقتطاعات من رواتب المستخدمين ومساهمات المشغل، وذلك ريثما يوجد حل للانخراط في أي من أنظمة التقاعد المتوفرة. غير أن هذه الفترة المؤقتة استطالت وامتدت إلى حدود سنة 1985، حيث ظن المستخدمون أن حلمهم قد بدأ يتحقق إثر انضمامهم إلى الصندوق المهني المغربي للتقاعد "CIMR". بيد أنه سرعان ما تبين أن ذلك لم يكن ليمثل الحل الأنسب والنهائي للمشكل. ذلك بأن هذا النظام ما هو في الواقع إلا نظام تكميلي، إذ أنه مخصص للقطاع الخاص الذي يتوفر أساسا على تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي "CNSS". وبما أن الصندوق الوطني للقرض الفلاحي كان آنذاك مؤسسة عمومية، فإنه لم ينخرط في هذا النظام. ولكنه لم يمتع مستخدميه من أي نظام أساسي مثل الصندوق المغربي للتقاعد "CMR" أو النظام الجماعي لمنح التقاعد "RCAR". ولقد انتظر المستخدمون أن تتحول مؤسستهم إلى شركة مجهولة الإسم في نوفمبر 2003، وتأخذ اسمها الجديد "القرض الفلاحي للمغرب"، لكي يشرع في مفاوضات مع مؤسسة الضمان الاجتماعي أسفرت عن الانخراط الفعلي في هذا النظام خلال سنة 2004. غير أنه، للأسف، لم يشمل هذا الإنجاز الإيجابي كافة العاملين بالبنك. فقد تم إقصاء المئات من المستخدمين والأطر (أكثر من 750 فردا) وذلك بحجة عامل السن الذي لا يسمح، حسب زعمهم، بأن يحصلوا في آخر مسارهم المهني على مدة الانخراط القانونية الجاري بها العمل في النظام المذكور، أي حوالي 10 سنوات ونصف. وهكذا، لم يتم تسجيل سوى من كان عمرهم أقل من 50 سنة، وذلك بموجب اتفاقية غير شرعية أبرمت بين الطرفين، حيث لم تراع فيها لا مقتضيات مدونة الشغل، ولا ما ينص عليه النظام الخاص بالضمان الاجتماعي بالمغرب. وفي هذا الأمر ما فيه من الغبن والحيف، لأنه كان لزاما على المؤسسة، وبمقتضى الفصل 15 من القانون رقم 1.72.184 الصادر بتاريخ 27 يوليوز 1972 المنظم للضمان الاجتماعي، تسجيل جميع المستخدمين في الصندوق المذكور. ولكن شاء المسؤولون إلا أن يضحوا بكل هذه الأعداد من العاملين بهذه المؤسسة وأن يدوسوا حقوقهم المشروعة دون أي اعتبار ومن غير أي وجه حق. ومحاولة منهم لتدارك هذا الخطأ، فقد دخلوا، بعد ذلك، في جولة من المفاوضات مع الصندوق الوطني للتقاعد والتأمينات "CNRA"، تكللت في سبتمبر 2006 بالتوقيع على اتفاقية انضمت المؤسسة بمقتضاها في النظام التكميلي المسمى "RECORE". إلا أنه اتضح أن هذا الأخير لا يؤدي إلا إلى الحصول على رأسمال زهيد أو معاش هزيل لا يمكنه بحال أن يعوض الضرر الذي سببه إقصاء المعنيين من نظام الضمان الاجتماعي. وفي هذا المضمار، فإن المتقاعدين المتضررين من هذا الإجراء ما لبثوا أن أصيبوا بصدمة عنيفة حين توصلوا بمعاشاتهم الضعيفة جدا، التي لا ترقى، في أحسن الأحوال، إلا إلى حوالي 30 إلى ٪40 من الأجور التي كانوا يتقاضونها قبل التقاعد. هذا مع العلم أن متقاعدي القطاع العام مثلا، المنخرطين في الصندوق المغربي للتقاعد، يمكن أن تصل معاشاتهم إلى 100% مما كانوا يحصلون عليه من رواتب. وأمام هذه الوضعية المزرية، وبعد مكاتبة السلطات المعنية في هذا الشأن، خاصة من طرف جمعية متقاعدي القرض الفلاحي التي أحدثت بمكناس منذ حوالي سنتين، فقد اضطر عدد من هؤلاء إلى أن يلجئوا إلى القضاء مطالبين بإنصافهم وتمتيعهم بحقوقهم المشروعة. ونظرا للحساسية البالغة التي يكتسيها هذا المشكل، وكذا الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي تطبعه، والظلم الواضح والسافر الذي أصاب أكثر من 750 أسرة من جراء خرق القوانين الجاري بها العمل وذلك من لدن من كان يفترض فيهم أن يحرصوا أشد الحرص على تطبيقها، فإنه يبقى على كاهل السلطات المعنية على كافة الأصعدة أن تتدخل قصد جبر هذا الضرر وإيجاد الحل الملائم لهذه الفئات من العاملين الذين أفنوا زهرة شبابهم في خدمة قطاع حيوي من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا الحبيب. *إطار متقاعد في القرض الفلاحي