"فتنة" هو عنوان الفيلم الذي فتن المجتمع الهولندي ومعه المجتمعات الإسلامية قبل أن يصدر. منتج الفيلم وخالقه هو النائب البرلماني عن "الحزب من أجل الحرية" اليميني المتطرف السيد خيرت فيلدرس (الصورة) الذي أقام الدنيا ولم يقعدها منذ أن أعلن قبل عدة أشهر عن نيته في إنتاج فيلم يعيد القرآن إلى "صورته الحقيقية"، كما يدعي. وقد تلقف الإعلام الهولندي خبر هذا المشروع ليسلط عليه أضواء لم تخفت بعد. وبدأ النقاش بين السياسيين وبين الصحفيين والمتخصصين وأفراد من الجاليات الإسلامية يتصاعد ويتشعب، في غياب صاحب المشروع الذي يتهرب من كل نقاش، ويتفادى الأسئلة المحرجة، ويوجه التهم إلى من يعارض مشروعه بكونه يمارس "حقه" كمواطن في التعبير عن رأيه! وهذا ما دفع بعض المعلقين إلى القول بأن السيد فيلدرس، سواء أنتج الفيلم أم لا، فإنه قد حقق الهدف بسيطرته على الخبر طيلة أسابيع بل شهور، مما زاد من شعبيته لدى أتباعه لدرجة أن استطلاعات الرأي تعطيه الآن 19 مقعدا بدل المقاعد التسعة التي يتوفر عليها في البرلمان. ومن جهة أخرى يتساءل الآخرون عن الأسباب الحقيقية وراء إنتاج فيلم يجرح مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. هل هي دوافع عامة ناتجة عن تنامي العداء للإسلام والمسلمين في أوروبا بشكل واضح في السنوات الآخيرة؟ أم أن السيد فيلدرس حلقة في مشروع أكبر وأخطر يهدف إلى زعزعة الثوابت حول القرآن ومن ثم الشروع في هدم البنيان الإسلامي ككل، في غياب علماء مسلمين يقارعون الحجة بالحجة بدل تأجيج العواطف ودفع العامة إلى إصدار فتاوى القتل، وهو ما يهدف الفيلم إلى إظهاره وإبرازه للعالم؟ على أية حال، يبدو أن الفيلم حقق "شهرة" عالمية لمنتجه، ولو أن وسائل الإعلام المرئية في هولندا امتنعت لحد الآن عن بثه كاملا. أما الحكومة الهولندية فقد وجهت في الأيام الأخيرة الماضية نداءات واضحة للسيد فيلدرس "تحذره" من مغبة بث الفيلم وما قد ينتج عن ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد الهولندي والرعايا الهولنديين المقيمين في الدول الإسلامية، وخاصة على قواتها المتواجدة في أفغانساتان. وفي الوقت نفسه اجتمع وزير خارجية هولندا في لاهاي مع 30 سفيرا عن الدول الإسلامية محاولا إقناعهم بأن حرية التعبير في هولندا ركن أساسي يضمنه الدستور، وحمّلهم في ذات الوقت مسؤولية حماية مواطنيها المتواجدين في الديار الإسلامية. وفي سياق انتظار بث الفيلم أقدمت هولندا على رفع درجة اليقظة إلى الأعلى تحسبا لوقوع أعمال "إرهابية" قد تقوم بها "جماعات إسلامية" لها صلة وثيقة بالقاعدة. ورفعت أرضية العمل المشترك للمغاربة في هولندا دعوى قضائية ضد فيلدرس، ليس فقط بسبب الفيلم، ولكن لتصريحاته العنصرية في حق المغاربة والمسلمين والتي يعاقب عليها القانون الهولندي. وقد تلقت النيابة العامة أكثر من 50 شكوى في هذا الباب، ولو أنها تتعامل معها ببطء شديد، مما يثير أيضا بعض الاستغراب! ومع كل هذا وذاك، فالسيد فيلدرس كالثعلب الذي يظهر ويختفي تاركا وراءه دخان الشياطين. [email protected] ""