"نقابيو الداخلية" يرفضون مشروع قانون الإضراب ويلوحون بالاحتجاج    الحكومة تسعى إلى توفير مليار و700 مليون متر مكعب سنويا عن طريق تحلية مياه البحر    مطارات المغرب تسجل رقما قياسيا بأزيد من 24 مليون مسافر خلال 9 أشهر    تساقطات مطرية وثلجية وطقس بارد من الاثنين إلى الأربعاء بالمغرب    بسبب خطاب الكراهية ضد الأمازيغ.. إلياس المالكي يحال على النيابة العامة    إحالة إلياس المالكي على وكيل الملك بتهمة "تسويق خطاب الكراهية"    تقرير: جهة طنجة تسجل إحداث أكثر من ألف مقاولة كل شهر    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    تقرير: ارتفاع المخزون المائي إلى 918 مليون متر مكعب بشمال المغرب    مانشستر يونايتد يقيل مدربه الهولندي "تن هاغ" ويُعين "فان نيستلروي" مؤقتاً        بعد أربعة أيام من تعيينه.. ميداوي يتعهد بحل أزمة طلبة الطب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس التساقطات المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الملك يشيد بالصداقة والتعاون مع التشيك    سعيدة فكري ترد على إتهامات رفضها الغناء أمام جمهور أكادير    بورصة البيضاء تستهل التداولات بارتفاع    خبيران يتحدثان عن مكاسب زيارة ماكرون للمغرب بعد عامين من فتور العلاقات    تازة: دار الطالب والطالبة أمسيلة تجسيد بارز لانخراط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في النهوض بخدمات مؤسسات الرعاية الاجتماعية    وفاة طالب بكلية الطب بمراكش تثير قلقا حول الأوضاع النفسية والخدمات الصحية        ارتداء لباس قاتم ومنع الهواتف.. هذه هي تدابير حضور البرلمانيين لخطاب الرئيس ماكرون    الاحتفاء بالأديب محمد برادة في 24 مدينة تكريم لستة عقود من العطاء الأدبي والفعل الثقافي    آخر اختيار يواصل التألق والفاسي تظفر بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان دولي في الكاميرون    يونايتد إيرلاينز تطلق أول خدمة مباشرة على الإطلاق بين مراكش ونيويورك/نيوارك    المغرب يُطْلِقْ الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    صيادو الحسيمة يعثرون على جثة بشرية مجهولة عالقة بشباكهم في عرض البحر    رجاء بني ملال يؤكد معاناة مولودية وجدة والصديقي ينجح في اختباره الأول رفقة يوسفية برشيد    زيارة ماكرون.. مطالب باعتذار رسمي عن الجرائم الاستعمارية بالمغرب والكف عن دعم الإبادة الصهيونية    بينهم نبيل عيوش والطاهر بنجلون.. كتاب وفنانون يرافقون ماكرون في زيارته للمغرب    زياد فكري ل"برلمان.كوم": أكاديمية محمد السادس لكرة القدم نموذج للانضباط وصناع الأبطال    جنوب إفريقيا تقدم اليوم ملفا ل"العدل الدولية" لإثبات اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 22 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    أسعار الصرف .. الأورو والدولار تحت المجهر أمام الدرهم    العراق يحتج على استخدام إسرائيل أجواءه لمهاجمة إيران    خارجية إيران تتوعد إسرائيل ب "رد حازم"    المغربي يونس الخمليشي يفوز بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات    في غياب ميسي ورونالدو.. العالم على موعد اليوم الاثنين مع إعلان جوائز "الكرة الذهبية 2024"    "إكس" توقف حساب المرشد الأعلى الإيراني بعد منشور بالعبرية    في مواجهة عرفت طرد أمين حارث.. باريس سان جيرمان يكتسح مارسيليا بثلاثية    إعادة انتخاب المدير العام للمغربية للألعاب والرياضة نائبا لرئيس الجمعية العالمية لليانصيب    مقترح مصري لوقف موقت لإطلاق النار في غزة ومفاوضات بالدوحة أملا في إنهاء الحرب    ترامب يسعى ليكون الرئيس الأمريكي الثاني الذي يعود إلى البيت الأبيض بدورتين غير متتاليتين    هناك أرضية خصبة لإنضاج مشاريع سينمائية مشتركة بين المغرب وموريتانيا (سينمائيون)        كيوسك الإثنين | قنصلية عامة وفرع للمعهد الفرنسي بالعيون    اختتام فعاليات البطولة الوطنية للفول كونتاكت واللاوكيك والكايوان ستايل بالرباط    حظوظ وزير الصحة والحماية الاجتماعية لبلوغ الغايات والأهداف المنشودة    Gitex Global: هواوي تطلق سلسلة من حلول التحول الرقمي والذكي للصناعة    عضة بسيطة من كلب أليف "كانيش" تتسبب في وفاة شاب    الصحة العالمية تحذر: أعراض ارتجاج المخ قد تتأخر في الظهور        فيلم "عصابات" يتوج بالجائزة الكبرى للدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عين الحسود
نشر في هسبريس يوم 21 - 04 - 2012

قد يقول المرء في مرحلة متقدمة من الشؤم " يكفينا إلّ فينا" . وإن كان هناك في حقيقة الأمر أشياء تجلب لنا كمغاربة " العين " . فالمغرب والحمد لله البلد الإفريقي الوحيد الذي ما يزال يحافظ على أصالته وجذوره، ويحكم بأسرة همها الحفاظ على الوحدة الترابية وتحديث المغرب باستغلال جميع الإمكانات المحلية ،والجهوية والدولية ، وهو على المذهب المالكي المتسامح. والمغاربة كانوا دائما موحدين لا تخترقهم الملل والنحل وتفرق بينهم السبل . فرغم الثورات الجانبية المغذات من طرف الأعداء والمستعمرين والمتآمرين ظل المغاربة أوفياء لوطنهم مدافعين عنه ، تجدهم رجالا في ساحة الوغى يردون المعتدي كافة ويدا واحدة .
و المغاربة يحبون بعضهم البعض وهذا هو الثابت ، والاختلافات بينهم هو المتغير . هم كرماء رحماء بينهم ، وإن تباعدت بينهم المسافات وتجرأت الظروف الصعبة على قطع الوصال بين بعضهم البعض فجوة من الزمن، ما استسلموا برهة ، فكانوا ينظمون القوافل بين المدن والقرى والثغور للتراحم وتبادل الخيرات والنعم والأحوال .
فطبيعة المغرب وجغرافيته المتميزة من سهول وهضاب وجبال ، وأنهار ووديان وبحار منحت المغاربة قيما إنسانية نبيلة : سعة الصدر وكرم الضيافة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحترام الواجب ، ومن يجب احترامه .
فموقع المغرب الجغرافي الجذاب ، وحكمة الزعماء التاريخيين الذين توالوا عليه وهبت للمغرب احتراما ومكانة وجعلت منه وجهة وسياسة و بنك استثمار لثروات من يحترمه. لكن كذلك من يحسد سكانه على قُوتهم اليومي.
لقدحاول حساده إضعافه بتجزيئه بالاستعمار تارة وبزرع الخلافات والفتن بين جماعاته الإثنية تارة أخرى .لقد حاول المستعمر " والحساد" تمزيق المغرب إلى كيانات مستقلة لتكون صمام أمان لهم ، تجنبهم ما يستحضرونه من ذاكرة التاريخ من أمجاد مغربية تقض مضاجعهم . كل ذلك الإحساس بعدم الاطمئنان إلى المغاربة "حسدا" وغيرة وخوفا من مجهول تحول في مخيلتهم إلى " خوف سياسي" غير مبرر يدفعهم لأخذ كل الاحتياطات -من المغاربة - بحثا عن الأمن والأمان ، الموجودان أصلا في الواقع لكن سوء تقدير" الحساد المحيطين بالمغرب يجعلهم في شوق دائم لحماية النفس والتسلح الدائم ، وهنا الأمر شبيه بالأمن الذي تتخذه إسرائيل حجة لتبرير مواقفها أمام الفلسطينيين وجيرانها ، وكأنها تريد أن يأتي لها جيرانها مكبلين بالأصفاد وحتى تحس بالأمن الذي تتسلح كل حين لتحقيقه ، بينما " وصفته جاهزة تتطلب فقط احترام الجار وعدم التدخل في شؤونه الداخلية والخارجية .تميز المغاربة سبب كاف كي يسلط أولئك عدسات أعينهم وحسد قلوبهم على المغرب ، ويحولون ذلك إلى كيد ومكائد وفخاخ ينصبونها بابتسامة على الثغور وعتاد وعدة على الظهور ، منتظرين أول فرصة للتشفي وتحويل المغرب إلى عجين غير متجانس ، وهم يعملون ويزرعون موادهم الفيزيائية والكيماوية لزرع الفرقة بين المكونات التاريخية المغربية .
لكن السؤال ،هل المغاربة يؤمنون " بالعين" حقا أنها حقيقة ، وبأنهم مرصودون من أكثر جهة ، وأن كل جهة لها أهدافها وقوة تأثيرها عليهم أم أ،هم مدركون أن مشاكلهم وخلافاتهم وتعقيداتهم ومآزقهم وأجداثهم ومصائبهم من أنفسهم ، وأنها لن تذهب عنهم إلا إذا غيروا ما بأنفسهم فعلا ؟ وهل المغاربة مدركون حقا بأن لهم " حسادا " كثر ومتآمرين عليهم شمالا وجنوبا شرقا وغربا يأتونهم في جلابيب الصالحين ، وهم يسبحون بالديمقراطية ويفتحون لهم آفاق الدعم والتوجيه والاحتضان أم الأمر متعلق فقط بسوء إدارة الملفات ، وسوء تفكير، وسوء الظن بالناس؟
لقد حاول الحساد وضع الحواجز والحدود حول المغرب وبين المغاربة : ببين المواطن ودولته وبين المواطن والمواطن ، وسيعمدون غدا لتفكيك الدين إلى ملل ونحل ومذاهب وسنسمع عن مسيحيين مضطهدين ويهود مظلومين ولا دينيين مهمشين وهلم جرا . وعن حريات إلى حد السماح بوجود الصديقة والخليل قرب الزوج والزوجة نهارا جهارا .وسيفتحون ممرات الاستهلاك أمام المغاربة إلى يستهلكوا كل شيء إلا العيش بسلام مع جيرانهم .
يقال بأن المغاربة مثل اليابانيين في التفكير. وليتهم مثلهم في التسيير والعمل والتدبير بصدق الإرادة لخدمة المغرب! ، يفهمون لغات وإن لم يتلقوها في المدارس ، لأنهم أحرار يفهمون " بالغمزة وليس " بالمهماز والدبزة " .واليابان أقل ما يقال عنه أنه بلد العمل والجد، والشعب الياباني هو شعب ملتزم يفرض احترام الآخرين له لأنه يحترم نفسه أولا ، هو حداثي بتفكيره ، أصيل بمحافظته على ما يميزه على الآخرين من الشعوب : التكافل والتضامن والمحبة والأصالة . وهو شعب نشيط يكره الخمول ، مجدد عادل يحفظ الحقوق ويؤمن بالواجبات قبل الأجرة . وهو شعب يحب وطنه إلى حد الجنون ولا يقبل بالحديث عنه بالسوء .أليس اليابانيون أول من أخرج للوجود بدعة " الانتحار" بالطائرات من أجل الدفاع عن الوطن ؟ ترى هل في المغاربة شيء من هذا القبيل ؟
قد يعيب الممانعون على بعض شباب المغرب الحديث تقليدهم ومحاكاتهم للغرب في الظهور لا في قمر الديجور ،فبعض تصرفاتهم تدفع لاتهامهم جزافا بفتور الوطنية لدينهم ، واستعدادهم للمشاركة في إثارة القلاقل دون التفكير فيما ستؤول إليه نتائجها من مشاكل تضر بوضعية المغرب والمغاربة وتجعل منهم شماتة الحساد . وقد يعاب عليهم كذلك تخليهم عن الأصالة والمعروف وتشبثهم بما تروجه وسائل الإعلام من عادات جديدة وحريات غير مقيدة أفقدت المغربي تميزه عن العالمين لباسا وثقافة وأصالة وتصرفا وتفكيرا ، لأن الاختلاف هو الذي يصنع الحداثة وليس التبعية والانجراف وراء الوصفات الجاهزة .
لكن ، لما تعاد قراءة السلوكات تحت المجهر وتسلط الأضواء على الأسباب والخلفيات، وعلى المجال والتعقيدات ، لا يبقى مجال للشك بأن ما يصيب المغاربة هو أولا من أنفسهم ، ولن يتغيروا إلا بعد أن يقبلوا طواعية تغيير ما بأنفسهم حكاما ومحكومين ، لأن المغرب هو مغرب المغاربة أولا وأخيرا . فإن هم أرادوا أن يرثوا الأرض التي يملكونها أو التي هي تحت أرجلهم عليهم أن يكونوا صالحين ، محاربين دائمين للفساد دون أن يخافوا في ذلك لومة لائم . فالتاريخ علّم المغاربة أنهم يستطيعون ملء فراغ العالم من الحب بالتسامح الإيجابي ، وتسامحهم هو مصدر قوتهم كلما شدوا على التقوى بالنواجذ. وقد يمرون من مرحلة ضعف كلما ابتعدوا عن الوحدة والتكتل والتوحيد ، وابتلوا بهموم الدنيا وحدها واتبعوا السبل وانشغلوا بتفاهات الآخرين وحواجزهم العدائية.
إن من يريد أن يدافع على دينه وبلده لا يفكر في دنياه بشيء من الشطط ، ولا أظن أن من انغمس في الملذات ، ولم يعد يرى من الحضارة إلا قشورها سيقبل بالتضحية بالروح والدم من أجل وطنه يوما وإن كان يردد ذلك "شعار عابر" . فمن هو مستعد لذلك من أجل وطنه يجب عليه على الأقل أن يقدر الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر منها الوطن وأن يطالب بالحقوق والديموقراطية دون إلحاق الضرر بوطنه ولا بمواطنيه . وكم يبدو بعض المواطنين مغامرين بالكلمة حينما يذهبون وراء تسريبات أفكار غربية وأخرى عدائية دون البحث في تفاصيلها ودون التعمق في إيحاءاتها .
قال الحسن الثاني مرات ، وهو الرجل الأول الذي كان مؤهلا لقراءة العالم " بأن المغاربة محسودون على موقعهم ،وعلى خيراتهم ،وعلى دينهم ،وعلى أصالتهم ،وعلى حداثتهم وعلى الأمن الذي ينعمون به منذ مئات السنين " وما يؤكد ذلك أن " العين الشيطانية " بدأت تحدث ممرات بين المغاربة وتحضرهم لصراعات هم في غنى عنها باستقطاب بعضهم .فإن هم " عاقوا وفاقوا" بألاعيب الحساد والمتآمرين فاتحدوا وتشبثوا بدينهم ووحدتهم للدفاع عن دنياهم انتصروا وهللوا .وإلا طواهم النسيان كما طوى الذين خلوا من قبلهم لما تفقرت بهم السبل وأصبحوا في بلدانهم كالمغتربين يصارع بعضهم البعض الآخر وهم في فناء وهلاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.