ممتع هذا السجال حول "دفتر التحمّلات" الذي يثيره وزير اتصالنا مع الحكومة السّيد مصطفى الخلفي. فهذه الحكومة غريبة الأطوار، تحتاج لمن يتحمّلها ويتّصل بوزرائها ويتواصل معهم، لأن كل وزير يشرّق ويغرّب لوحده، وقد حاول عبد الاله بنكيران الاختلاء بالحكومة، ونعلم أن الخلوة محظورة شرعا، لكن لو اختلى بها عن الناس وذهب بها بعيدا كان أفضل، فقد أصبحت متمرّدة وشعرها محلول، وبدأت تَعْسِف في الحوض. هذه الحكومة تحتاج إلى تواصل واتصال بعضها ببعض، أما تواصلها مع المغاربة، فهو من المعجزات وعليهم أن يطلبوا التسليم، لقدرة بعض وزرائها، من وقت لآخر، على نشر ما لا يُنشر، وما لم يستطع أحد على نشره. لوائح بأسماء طويلة عريضة تُكشف لأول مرة في تاريخ المغرب، ليس ليحفظ المغاربة أسماءها بل لينسوها تماما. من حسن الحظّ، أننا نحن المغاربة، من أكبر النسّائين، ولو كنّا نتذكّر الماضي لانفجرت "مرارة" كل مغربي "مفقوسا" على حظّه العثر. ولو كان الخلفي واعيا بحجم الكارثة التي ارتكبها، بطرد "ألعاب الحظ" من القنوات التلفزيونية، لتراجع عن ذلك، لأنه هنا استهدف فقط بعض المغاربة الحالمين بأن يلعبوا لعبتهم الأولى، ويربحوا يوما شيكا محترما يقلب حياتهم البئيسة التي لا تتغيّر، لكن ماذا يقول الخلفي عن أولئك الذين يلعبون، كل يوم، ويقمّرون بمصير المغاربة؟ هؤلاء يجلس معهم الوزير وجها لوجه، يبتسم في وجوههم، ويصافحونه بقوة، لأنهم "محظوظون" به، فهو يانصيبهم الذي سيربحون به الرّهان. هؤلاء يطلقون خيول الحظّ الإسلامية بعد أن سرّجوها، ورفعوا عن طريقها كل حاجز. إنها هي التي ستقوم بالترويض، وخيّالتها تمرّسوا على ركوب الموجات، وهم يقومون بدورهم على أحسن وجه، ويطرطقون البارود أينما اتّفق، لكن صداه يصل إلى المغاربة المغلوبين على أمرهم. "دفتر التّحملات" اختراع جديد للحكومة. فمصطفى الخلفي يريد أن يصنع منه قصته الإعلامية الخاصة، فبعد أن أعلن رفيقه في الحزب حربا على الأشباح، يطمح الخلفي أن يخترق "القلعة"، "قلعة الأشباح". فدفتر التّحملات هو حصان طروادة، لكن نخاف على الخلفي أن لا يجد أحدا خلف بوّابة القلعة، فمن يضمن لنا أن يكون سليم الشيخ، الذي يلعب دور "حارس البوابة"، مجرّد شبح. الطريف أن يتهم الشبح بأن حصان طروادة سيؤدي بالقلعة إلى الإفلاس. هذا لو افترضنا أن ثمة أرباحا حقيقية تُجنى من كل تلك الرداءة وهي تتسلّل منذ عقود إلى عظام المغاربة وتصيبها بالتسوّس. "دوزيم" قناة مفلسة أصلا، حتى لو أنها كانت محاطة بالمقامرين الذين طردوا كل حظّ في أن يرى المغاربة وجههم في المرآة. حتى لا نكون سلبيين بلا معنى، نثمّن فكرة "دفتر التحمّلات" التي اخترعها وزير الاتصال، وعلى كل وزير أن تكون له أوزار يتحمّلها، ودفتر تحمّلاته الخاص. لأننا أحيانا نشك في ما يتحمّله وزيرنا، أو أن المحيطين به يتحمّلون عنه كل شيء، لتبقى مهمّة كل وزير، في النهاية، هي البحث عن الأشباح والكشف عن أسمائها. منذ مدّة فتح وزير الاتصال دفتر تحمّلاته، وتحمّل مشقة أن يتصل بالصحافة الإلكترونية، وقد نجح الوزير في جمع كل الصحفيين الافتراضيين، حتى أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة "الأنونيموس" المجهولي الهوية. كان اللقاء إعلاميا بامتياز، ولم يفكّر أحد في أننا قفزنا سنوات ضوئية من الصحافة الحقيقية إلى الإفتراضية، وقد كان أكبر إنجاز للوزير، أنه عثر لبعض الأشخاص الذين كانوا تائهين في قفار شبكة الإنترنت الإفتراضية، بأسمائهم المستعارة، على وضعية صحفيين محترمين، وهي الوضعية التي لا يتمتّع أي صحفي تقليدي، من هؤلاء الذين مازالوا يحنّشون على الورق ونكمّشه، نحن، بين أيدينا بعد فكّ طلاسمه فيما بعد. إن وزير اتصالنا مع الغيب، يقفز بين القطاعات الإعلامية والافتراضية، حاملا دفتر تحمّلاته، يدوّن فيه ويزوّق ويخربش كما يحلو له، كأنه "دفتر الوساخ". ونحن سننتظر من الأشباح أن يقوموا بدورهم، بتصحيح ما يدوّنه الوزير، حتى لا تضيع خربشاته التي يتحمّل وزرها سدى.