في الصورة إدريس كسيكس رئيس تحرير مجلة نيشان سابقا "" "القوى المحافظة" تنجح مرحليا في تشديد الخناق على الصحافة الحرة بالمغرب أقدم بوبكر الجامعي، منذ أزيد من سنة، على التخلي عن إدارة أسبوعية "لوجورنال إيبدو" لأسباب ربطها بالوضع الذي تعيشه أسبوعيته بعد الحكم القاسي الصادر ضدها في قضية "كلود مونيكي". واعتبر الجامعي حينها في لقائه مع بعض وسائل الإعلام الوطنية والدولية أن قراره الإضراري بترك "لوجورنال إيبدو" كان هدفه الحفاظ على استمرارية هذا المنبر وضمان قوت العاملين في المؤسسة التي تصدر الجريدة المذكورة، مضيفا أن التركيز على شخصه كما حدث في قضية "محمد بنعيسى" جعله يتخلى عن مسؤوليته داخل الجريدة. وقد خلف هذا القرار ردود فعل قوية من طرف مختلف المنظمات الوطنية والدولية كالنقابة الوطنية للصحافة المغربية ومنظمة مراسلون بلا حدود، فضلا عن العديد الكتابات التي تناولت هذا الموضوع خاصة وأن "حفيد بوشته الجامعي" يحظى باحترام وتقدير واسعين داخل أوساط الإعلامية الدولية وأسبوعيته تعد مرجعا هاما بالنسبة للعديد من الهيئات الدولية التي تهتم بالمغرب. واليوم نتابع فصلا جديدا من فصول التضييق على حرية الصحافة، وهذه المرة ضد رشيد نيني الذي شكلت جريدته "المساء" الحدث طيلة الشهور الأخيرة لسبب بسيط هو أنها اكتسحت السوق الإعلامية واستطاعت النبش في مجموعة من الملفات الشائكة بمهنية عالية وحركت العديد من القضايا الساخنة..، مما جعل "القوى المحافظة" تضعها هدفا لها بغية التخلص منها وإسكات صوتها أو تحجيم سلطتها في أحسن الأحوال... وفي هذا السياق أرسلت هذه القوى "رسالة" (بطريقتها الخاصة) تسلمها رشيد نيني أمام محطة القطار بالرباط، وقبلها إدخاله إلى دوامة المتابعات القضائية.. لعله يتراجع على الخط التحريري الذي رسمه ليوميته و يبتعد عن أسلوب المشاكسة الذي وضعه كعنوان بارز لعموده اليومي( شوف تشوف(. إن قرار بوبكر الجامعي يسجل في حد ذاته سابقة في مجال الممارسة الصحفية في بلادنا، فالتضييق الذي مورس ضد أسبوعيته خلال عقد من الزمن بدء من المتابعات القضائية التي نتجت عنها أحكام قاسية، ومرورا بالتشهير ضد الأسبوعية المذكورة كما حدث عندما جندت بعض الجهات في وزارة الداخلية مواطنين "أبرياء" لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر جريدته بدعوى تناولها قضية الرسوم المسيئة للرسول، وانتهاء بالحصار المضروب على أسبوعيته لعدم الاستفادة من الإشهار بسبب خوف بعض أرباب المؤسسات من رد فعل النظام السياسي في حالة تعاملهم مع "لوجورنال إيبدو". هذا المسلسل استمر قرابة عشر سنوات، عاش خلاله زملاء أبو بكرالجامعي وعلي عمار عواصف قوية كادت أن توقف مسيرة هذا المنبر في أكثر من مرة. لقد ساهم "لوجورنال إيبدو" في تطوير الصحافة الحرة ببلادنا، حيث لعب دورا في احتضان النقاش السياسي من خلال البنش في مجموعة من المحطات السياسية المظلمة، وكذا الخوض في ملفات كانت تحسب في خانة "المحرمات السياسية"، وذلك بفعل مهنيته العالية واحترافيته التي لا يجادل فيها أحد وأسلوب اشتغاله المتطور من خلال بحثه عن الخبر من مصادره القوية سواء داخل المغرب أو خارجه وقيامه بالتحريات المطلوبة للوصول إلى بعض الحقائق..، كما شكل "لوجونال إيبدو" مدرسة حقيقية في إنتاج مجموعة من الأقلام الوازنة. استطاع هذا المنبر أن يتحول إلى ما يشبه "المعارض" للنظام السياسي نظرا للفراغ الذي تركته الأحزاب السياسية المحسوبة على الصف الديمقراطي إثر مشاركتها في حكومة "التناوب التوافقي" عام 1998، إذ ظهر أصدقاء الجامعي من خلال رصدهم للسياسة العمومية وانتقادهم لممارسات بعض المسؤولين في صورة الفاعل السياسي، مما جعل بعض الأصوات تحتج على الخط التحريري الذي رسمته لهم مهنيتهم. والكل يتذكر الحوار الشهير الذي أجرته الأسبوعية المذكورة مع محمد عبد العزيز زعيم جبهة البوليساريو واللقاء مع ابراهام سرفاتي في منفاه الاضطراري بفرنسا والسبق الذي حققته من خلال نشر رسالة الفقيه محمد البصري حول "تورط" أطراف داخل المعارضة التقليدية في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل الذي قاده الجنرال القوي محمد أوفقير، فضلا عن ملفات ساخنة تتعلق ب"المؤسسة الملكية" والصحراء والجيش و"السلفية الجهادية" وجماعة العدل والإحسان والشبيبة الإسلامية ورموز الفساد ونهب المال العام.. إلخ. أكيد أن الدوائر التي لازالت تتخوف من الدمقرطة بالمغرب هي من أعلنت الحرب ضد الصحافة الحرة والأقلام المستقلة، إذ أضحى رجال الصحافة بمثابة الأعداء الحقيقيين لهذه الدوائر التي نجد أطرافها ممثلة في مختلف مؤسسات البلاد خاصة بعدما نجحت في ضرب الحركة النقابية والتضييق على الحركة الحقوقية واحتواء قطاع هام داخل المجتمع المدني وتسخير بعض وسائل الإعلام لخدمة مخططاتها.. فهذه الدوائر لازالت، اليوم، تحن إلى عهد سابق وتعتبر نفسها فوق القانون والمؤسسات وتخشى الأضواء لكونها ستكشف المستور... ولهذه الأسباب التي أشرنا إليها وأخرى لا يتسع المجال لذكرها، فضلت هذه القوى المحافظة داخل مؤسسات البلاد إعلان الحرب ضد الأقلام التي رفضت التحول إلى أبواق أو الانخراط في مخططات أو التسخير لخدمة بعض الأهداف. وهكذا استطاعت "الدوائر المحافظة" حرمان علي لمرابط من مزاولة "مهنة المتاعب" لمدة عشر سنوات إثر ما جاء في حوار له بعد زيارته إلى أراضي "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" والجارة الشقيقة الجزائر، كما نجحت في ضرب محمد الهرد ومصطفى العلوي ومصطفى قشنني، وأيضا محاكمة رضا بنشمسي وكريم البخاري من أسبوعية "تيل كيل"( الناطقة بالفرنسية) وإدريس شحتان في أسبوعية "المشعل"، فضلا عن تشديد الخناق على زملاء بوبكر الجامعي لمدة تتجاوز عقد من الزمن، ومتابعة عبد العزيز كوكاس بسبب نشر أسبوعيته "الأسبوعية الجديدة" لحوار مع ندية ياسين نجلة مرشد جماعة العدل والإحسان تحدثت فيه عن رأيها حول الملكية..، والتضييق على مصطفى عنترة لكونه استجوب ندية ياسين حول نفس الموضوع. وفي نفس السياق تم الحكم على إدريس اكسيكس وسناء العاجي من مجلة "نيشان" بثلاث سنوات موقوفة التنفيذ وغرامة مالية تقدر ب 8 ملايين من السنتيم بتهمة المس بالمقدسات... وأخيرا تم الحكم على عبد الرحيم أريري وزميله مصطفى حرمة الله في جريدة "الوطن الآن". وقبل ذلك تم توقيف ثلاثة منابر دفعة واحدة وهي "لوجورنال" و"الصحيفة" و"دومان" بسبب نشرهم لوثيقة الفقيه البصري، فضلا عن الحكم على علي لمرابط بالسجن ثلاث سنوات مع منع جريدتي "دومان ماغازين"، و"دومان" (بالعربية) بتهمة المس بشخص الملك. لقد أجبر مسلسل المضايقات الصحافي علي لمرابط إلى الهجرة إلى المملكة الإسبانية، حيث اشتعل في إحدى المنابر الكبرى( "إيلموندو") التي اجتهدت في تركيز بعض اهتماماتها على متابعة الشأن السياسي ببلادنا، كما خصصت له جريدة "الوطن" الجزائرية "مساحة حرية" خاصة به يكتب فيها أغلب مقالاته حول المغرب الرسمي. وقد سلك الجامعي نفس المنحى، حيث اتجه إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما يفيد أن الأقلام الحرة دخلت في موسم الهجرة إلى الشمال. وتفيد هذه الوقائع الخطر الذي أضحت تشكله الصحافة الحرة الرافضة شعار "كولو العام زين" في ظل واقع سياسي هش، يعيش مفارقة واضحة، إذ أن الخطاب السياسي الرسمي يؤكد انخراط المغرب في الانتقال الديمقراطي وتحول التجربة الديمقراطية ببلادنا المدعمة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد الأوربي إلى نموذج بالنسبة لباقي بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، في حين نجد واقع الممارسة السياسية يكذب هذا التحول جملة وتفصيلا. ولعل الرتبة المتدنية التي يحتلها "المغرب الحقوقي" في تصنيفات بعض المنظمات الدولية تؤكد أن الطريق إلى الديمقراطية لا زال بعيدا. مصطفى عنترة، صحافي وباحث جامعي [email protected]