يطيب لكثير من النشطاء في مجال حقوق المرأة أن يطالبوا بحذف الفصل 475 من مجموعة القانون الجنائي، وذلك لكون هذا الأخير يحول -على حد زعمهم- دون توقيع الجزاء على مرتكب الفعل المنصوص عليه بمقتضاه، دون أن يقفوا بتمعن على مقتضيات الفصل كاملا. ينص الفصل المشار إليه أعلاه على أنه" من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم. ورغم ذلك فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا". فبعد قراءة مقتضيات الفصل أعلاه تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة، ستؤطر رأينا في الموضوع، نستهلها كالآتي: هل الفصل 475 يحول دون عقاب الجاني؟ أم هو محاولة توفيقية بين حق المجتمع في المطالبة بالقصاص، وبين مصير الفتاة ضحية التغرير أو الاختطاف دون عنف كما نص على ذلك الفصل؟ وهل يمكن أن نكيف الأفعال المنصوص عليها بمقتضاه على أنها إغتصاب؟. إن القراءة العلمية والمتأنية للفصل 475 من القانون الجنائي، والبعيدة عن التطاحنات الاديولوجية، وفي سياق ثقافي مجتمعي، يجعلنا نعتبر أن هذا الفصل يعد أكبر مكسب في هذا المجال، وذلك للاعتبارات الآتية: الاعتبارات الذاتية للفصل 475 لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتهم الفصل 475 بكونه يفلت الجاني من العقاب، بدعوى أنه يحجب عن الجاني المتابعة الجنائية، فهذا الكلام غير سليم وذلك من جوانب عدة، يمكن تلخيصها فيما يلي: أولا: إن أول ما يمكن الوقوف عنده في هذا الإطار، تنصيص الفصل على العقوبة المستحقة حال ارتكاب الفعل المجرم( الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 درهم إلى 500 درهم)، فتضمين الفصل للعقوبة كاف لوحده للقول بان الفصل لا يحول دون عقاب مرتكب الفعل المجرم المنصوص عليه بمقتضاه. ثانيا: ربط الفصل المتابعة القضائية للجاني بشكوى يرفعها من له الحق في طلب إبطال الزواج، لا يعني الافلات من العقاب، فمثل هذا المقتضى نص عليه الفصل 491 من نفس القانون حالة الخيانة الزوجية، حينما ربط المشرع المتابعة بشكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه. فغاية المشرع من خلال هذا الإجراء هي حماية الأسرة من التشتت والضياع حالة المتابعة التلقائية للنيابة العامة، لما ستؤول إليه الأوضاع بعد سجن أحد الزوجين بين سنة وسنتين، وهذا حال الفصل محل الدراسة. أليس الأفضل بالنسبة للفتاة الزواج، بدل امتهانها للدعارة في الشوارع؟. إن الفصل لم يلغي المتابعة وإنما قيدها خدمة للواقع الاجتماعي الذي نعيشه، إذ كيف للفتاة أن تعيش بعد سجن المعني بالأمر، هل بإمكانها الاستمرار فيه بشكل طبيعي؟ أم أن مصيرها المحتوم الضياع بين دروب الدعارة؟ أو الانتحار حالما شاع الخبر لا قدر الله؟ حيث تصبح منبوذة داخل المجتمع ابتداء من أسرتها الصغيرة. العوامل المجتمعية: جاء الفصل 475 كإجابة على إشكالات موجودة في المجتمع المغربي ومرتبطة أساسا بالأسرة أهمها: أولا: تعيش الأسرة المغربية على أساس مجموعة من القيم كالشرف والعار، تكسب من خلالها قدرتها على الاستمرار، والاندماج داخل المجتمع، إذ لا يمكن تجاهل هذه العادات والأعراف. ثانيا: لا شك أن من أهم الأهداف التي أراد الفصل تحقيقها، هي حماية القاصر من الضياع بين دروب الدعارة، إذ لن يعود لها، في الغالب الأعم، القدرة على الزواج، بل إنها ستصبح منبوذة، ومغضوب عليها داخل كل دوائر المجتمع، لاسيما وأننا لا نتحدث عن جريمة اغتصاب الذي يعرفه المشرع في الفصل 486 من مجموعة القانون الجنائي على أنه: "مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها"، وإنما عن فعل واع وإن كان منقوص الإرادة، ويظهر ذلك من خلال حرص المشرع على ذكر عبارة "بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك". ثالثا: يهدف هذا الفصل إلى حماية للمعني بالأمر من الضياع بين قضبان السجن، الذي قد يخرج منه محترفا في مجالات إجرامية متعددة بتعدد وتنوع السجناء الذين التقى بهم، وهذا يعد خطأ أكبر، خاصة وأن الفعل الذي أقدم عليه- وأنا لا أبرره- كان بتراض بين الطرفين، بغض النظر عن مستوى الارادة المعبر عنها في هذا الاطار، ونحن نعلم أن تصرفات القاصر ليست باطلة كلها، بل قابلة للإبطال، ويمكن تصحيحها؛ حيث تدور بين النفع والضرر. بكلمة نقول؛ إن المطالبة بإلغاء الفصل 475 ينذر بانتحار جماعي، حيث سيدفع بالفتاة إلى الضياع في براثين الدعارة، وبالشخص إلى التدرب مع المجرمين المحترفين في السجن على أسوأ أنواع الإجرام. وهذا يعد خطأ أكبر من السماح بزواجهما. فلا يمكن تحت أي مبرر تصحيح خطإ بخطإ أكبر منه.