"من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ومع ذلك فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا." *الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي لقد عرف المجتمع المغربي -كغيره من مجتمعات الدول النامية المتأثرة سلبا بالعولمة- تناميا مهولا للجريمة الجنسية أصبح محط اهتمام الإعلام والرأي العام بسبب آثاره الوخيمة على الضحايا و المجتمع على حد سواء، خاصة جريمة الاغتصاب التي تعد أكثر مظاهر الجريمة الجنسية شيوعا. وفي هذا الإطار فقد تداولت وسائل الإعلام الوطنية و الدولية قضية "انتحار" أمينة الفيلالي والذي قيل بأنه راجع لإرغام الفتاة على الزواج من رجل سبق له أن اغتصبها و افتض بكارتها وفي هدا الخضم فقد تعالت بعض الأصوات الحقوقية محتجة على مضمون الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي زاعمة بأنه "يجبر" الطفلة "المغتصبة" على الزواج من مغتصبها و أنه يساعد الجاني على الإفلات من العقاب والخطير في هذا أن جانبا مهما من الرأي العام يساير هدا الطرح دون التأكد من صحته ووجاهته. وبغض النظر عن تعدد الروايات بما في ذلك آخرها التي برأت فيها أمينة زوجها من اغتصابها قبل الزواج بها، فقد ارتأيت أن أناقش الفصل 475 في علاقته بالاغتصاب و الإجبار على الزواج ثم الإفلات من العقاب، وفق منطق قانوني و اجتماعي صرف، دون الخوض في حيثيات القضية مراعاة و احتراما لعمل القضاء واستقلال سلطته باعتبار أن القضية معروضة عليه ولم يصدر فيها حكم بعد. بالرجوع للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي، نجده يتكون من شقين، أولهما عقابي ويتطرق إلى جريمتين فقط على سبيل الحصر وهما جريمة التغرير ثم الاختطاف، أما الشق الثاني فيتعلق بإمكانية عدم متابعة الجاني في حالة زواجه بالقاصر. فبخصوص الشق الأول يمكن القول مبدئيا أن لا علاقة له بالاغتصاب باعتبار أنه يتعلق بجريمتين محددتين هما التغريرو الإختطاف يقصد بالتغرير استعمال وسائل احتيالية لنقل القاصر إلى مكان آخر غير ذلك الذي وضع فيه من طرف من له سلطة أو إشراف عليه أو إغراءه. أما الاختطاف فيراد به إرغام القاصر على مغادرة بيئته المعتادة دون رضاه أو رضا وليه الشرعي، وعليه فلا يمكن تمديد نطاق هذا النص لجريمة الاغتصاب القائمة بذاتها و التي تعرف على أنها مواقعة الرجل لمرأة بدون رضاها أو مواقعة المرأة لرجل بدون رضاه، وقد خصها المشرع المغربي بتنظيم قانوني مستقل (الفصول من 486 إلى 488) لم ينص فيه المشرع على إمكانية عدم متابعة المغتصب في أي حالة من الحالات عكس الفصل 475 الذي نص على إمكانية عدم متابعة المختطف أو المغرر إذا ما تزوج بالضحية. هذه الإمكانية التي يستحيل إعمالها في الاغتصاب، فلا يمكن اعتبار هذا الأخير نتيجة حتمية للاختطاف، الذي يمكن أن يتم بدافع آخر كالحصول على فدية مثلا وحتى إن اقترن الاختطاف باغتصاب فإن صيغة الفصل من جهة تتحدث عن الاختطاف بشكل عام، ومن جهة أخرى هذا الاقتران يجعلنا أمام حالة تعدد يعاقب من خلالها المجرم بالعقوبة الأشد وهي عقوبة الاغتصاب التي تصل إلى 30 سنة طبقا للفصل 488 مما يثبت بالملموس استقلال الجريمتين واستقلال نطاقهما الشيء الذي يؤكد عدم علاقة الفصل 475 بالاغتصاب. من جانب آخر لو كان الأمر يتعلق حقا بالاغتصاب لما اقتصر النص على القاصر، لإنها ليست الوحيدة المعرضة للإغتصاب فالمرأة الرشيدة يمكن أن تتعرض لنفس الحادث و أكثر من ذلك يمكن أن تكون متزوجة فهل يصح القول أن "نجبرها" على الزواج من مغتصبها حتى يفلت من العقاب؟ على هذا الأساس يتأكد لنا أن الفصل 475 لا يتعلق بالاغتصاب وأي تأويل له في هذا الاتجاه هو تأويل خاطئ لا يستقيم مع صراحته، من جهة ثانية فالنص لا يجبر "القاصر" المختطفة أو المغرر بها على الزواج بالفاعل، ذلك أن صيغة النص خالية من أي عبارة تشير إلى الإجبار بل إنها تحيل على إمكانية زواج الفاعل بالقاصر-إذا ماقبلت- وهذه الإمكانية إنما جاءت متوافقة مع واقع اجتماعي مكرس خاصة في المجال القروي أو المناطق النائية التي تكثر فيها هذه الحالات بسبب انتشار الجهل و غياب الوعي، فضلا عن هذا فإن أحكام الزواج الواردة في مدونة الأسرة المغربية التي تقضي بضرورة رضا الطرفين على حد سواء بما في ذلك الزوجة القاصر التي لا يستطيع القاضي تزويجها دون التأكد من رضاها طبقا للمادة 20 من مدونة الأسرة، كفيلة بضحد فرضية الإجبار بغض النظر عن مقتضيات الفصل 475 المذكور . أما الشق الثاني من هذا الفصل فقد أتاح إمكانية عدم متابعة المغرر أو المختطف في حالة زواجه بالقاصر شريطة عدم تقديم شكاية قصد المتابعة من طرف القاصر أو نائبها الشرعي، مع التنبيه إلى ضرورة عدم اقتران الاختطاف أو التغرير بعنف أو تهديد أو تدليس وإلا طبق الفصل 471 الذي لا يعاقب الفاعل بالسجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات دون إتاحة إمكانية عدم متابعته. إن ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 475 –حسب ما مر بنا- لا يعد إفلاتا من العقاب بقدر ما أنه تنازل عن حق المجتمع في متابعة الفاعل مادام أن زواجه بالقاصر يعود بالنفع على المجتمع أكثر من عقابه، خاصة أن هذا الزواج يتم برضى القاصر و ليس بإجبارها، ما ينتج عنه تكوين أسرة مستقرة قد تلعب دورا فعالا في تنمية المجتمع و الدولة، وهو ما لا يمكن تصوره في حالة المتابعة التي لا تؤدي هدفها من جهة المثمتل في الردع العام و الخاص، كما أنها لا تعود من جهة أخرى بالنفع على الضحية، هذا إن لم تؤثر عليها بشكل سلبي، خاصة وأن المختطف أو المغرر قد يمتنع عن الزواج بها بعد دخوله السجن، من هنا تتبين إذن مدى مواءمة الفصل 475 لوَاقعِ اجتماعيِ قائم، بشكل إيجابي يخدم المجتمع عامة والقاصر خاصة. إذا ثبت هذا قلنا بأن البحث عن حل لمظلومية أمينة الفيلالي رحمها الله و مثيلاتها، اللواتي هن كثير بلا شك في مجتمعاتنا، لا يتم عبر المطالبة بإلغاء النصوص القانونية دون فهمها،وإنما بنشر الوعي سواء في صفوف الآباء و الأمهات –الأميين في الغالب- عن طريق القيام بحملات تحسيسية و هذا هو دور الجمعيات الحقوقية سواء تلك المهتمة بقضايا المرأة حصرا أو المهتمة بقضايا حقوق الإنسان عموما، ثم الشباب –قاصرين كانوا أو راشدين مادام أنهم يعانون من نفس المشكل في ظل خصوصية المجتمع المغربي واختلافه عن المجتمعات الغربية- إناثا وذكورا عن طريق تحسين المناهج التعليمية وتبييئها وملاءمتها مع الواقع المجتمعي بالشكل الذي يخدم مصالح الأمة دون إغفال تكوين رجال التعليم (مربو الأجيال) وتفعيل دورهم الاجتماعي وحثهم على ممارسته من خلال إسناد الأمور إلى أهلها ثم توفير الإمكانيات اللازمة لذلك... كانت هذه جملة من المقترحات إذا ما طبقت من شأنها أن تساعد بشكل كبير على وضع حد لهذه المأساة، وأيضا فإنها ستمكن من البحث في مدى مواءمة القوانين المغربية لمتطلبات الحياة الاجتماعية و خصوصياتها على أسس موضوعية وسليمة بشكل يؤدي فعلا إلى إيجاد حلول عادلة و فعالة لمختلف الظواهر والآفات الاجتماعية. *طالب باحث في الحقوق للتواصل مع الكاتب : [email protected] www.facebook.com/omar.ragala