كنا نعتقد أن أرييل شارون، السفاح الإسرائيلي الذي كان يتلذذ بإرهاف السمع ل" طرطقات " عظام الأطفال الفلسطينيين تحت حديد دباباته، يرقد طريح غيبوبة بلا شفاء في أحد مستشفيات تل أبيب، قبل أن نراه يتجول، بلحمه وبطنه المتدلية بين باحات جامع الفنا يلتهم، مثل قرش مفترس، جيوب أصحاب المحلات التجارية والباعة المتجولين والفراشة ويمصمص عظام أصحاب المأكولات الجاهزة، تماما كما نفعل حين نستفرد بعظم لذيذ من كتف خروف مشوي على نار هادئة. للمراكشيين قدرة خارقة على إبداع النكت والمقالب حتى في عز مصائبهم وفي أحلك أوقاتهم وأمرها على أرواحهم المرحة، لذلك لم يترددوا في إخراج شارون من منفاه الاستشفائي الأخير ومنحه بطاقة سفر مجانية لأرض سبعة رجال الصالحين، وبنوا له مقاطعة إدارية في قلب جامع الفنا اتخذها قاعدة لانطلاق حملات بطشه اليومي ضد التجار والباعة المتجولين والفراشة وأصحاب "الحطات" الصغيرة بالسماريين وباب فتوح والقنارية ورياض الزيتون وشارع الأمراء وغيرها من الأسواق التابعة للمقاطعة نفسها. شارون المراكشي لايحلم باحتلال الخارطة العربية من الماء إلى الماء أو دس السم الهاري في أطباق فصائل المقاومة الفلسطينية حتى يفرغ منهم الى النهاية،أو استهواه، يوما، دخول بيروت لمطاردة بقايا أسلحة و رشاشات تركها خلفه ياسر عرفات قبل وفاته الغامضة أو التسلل، ليلا، إلى البقاع وجنوب لبنان لمطاردة جحافل حزب الله و إنزال أشد العقاب بزعيمهم حسن نصر الله،لأن كل همه ملأ خزائنه وخزائن أسياده بعائدات الرشاوي و الإتاوات اليومية التي يتسلمها نقدا من أصحاب المحلات التجارية نظير غض الطرف عن احتلالهم الملك العمومي أو بسبب ثقافة تعود إلى عشرات السنين مفادها أن رجل السلطة يجب أن يتذوق حلاوة هذا الرواج التجاري الذي تعرفه أحد أكبر الفضاءات السياحية بمراكش. لا وقت محدد لشارون المغربي، يمكن أن يهل عليك في الساعات الأولى من الصباح، كما يمكن أن يقض مضجعك في ساعات متأخرة من الليل .. في أول الشهر ووسطه أو نهايته لتسلم غلافه المالي الذي لا يمكن أن ينقص عن ألف درهم، مضافا إليها بعض الهدايا الصغيرة و الأكل بالمجان، طبعا ومن التجار الذين يرغبون في اتقاء شره من يسلمونه واجبا شهريا يزيد عن ألفي درهم يمد إليها شارون أنامله الخشنة وينتزعها انتزاعا من مكان بعيد عن الأعين، وان كان هذا المكان مرحاض محل تجاري أو مقهى، و إذا علمنا إن محلات ومقاهي جامع الفنا و أسواقه وفضاءاته تزيد عن 15 ألف محل على أقل تقدير، يمكن أن نحتسب حجم "الثروة" التي يلتهمها هذا المسؤول يوميا شارون جامع الفنا يمشي مثل طاووس، ولا يمكن أن يؤدي مهمته "المقدسة" في استنزاف جيوب التجار إلا محاطا بجيش من أعون السلطة و المخازنية، منهم من يتكفل بفسخ الطريق ومنع المواطنين من الاقتراب من تلابيبه، و آخرون يبدون استعدادهم لقمع كل تاجر رفض الامتثال أو أبدى استنكاره لأسلوب يعود إلى العهد الغابر، وجميعهم لا يترددون في احتجاز المعروضات و إتلافها أمام مرأى ومسمع من الجميع، بدعوى احتلال الملك العمومي والاتجار في سلع غير مرخص بها، لكل تاجر قصة أشبه بالخيال الدرامي مع السيد شارون فصولها ابتزاز ونهب واعتدءات جسدية ومصادرة بضائع حين يرفض أحدهم الامتثال إلى قانونه الخاص لايهاب أحدا ولايخاف متابعات قضائية أو عزلا إداريا أو قرارات تأديب، ويروج تجار جامع الفنا، الذين أعطوا "حمارهم" مع هذا المسؤول،أن الأخير مسنود بركيزة صحيحة بولاية جهة مراكش تانسيفيت توفر له الحماية اللازمة، ليعيث جبروتا في أملاك الناس وأموالهم مقابل "حصة معلومة" يتوصل بها هؤلاء نهاية كل يوم. ""