في أهمية التقرير: قال الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والحكامة المجالية بكلية الحقوق بمراكش، إن التقرير السنوي 2010 الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات الذي يتولى ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ، عند الاقتضاء، عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة، ستكون له تداعيات عميقة ليس فقط على المستوى التقني المتعلق بتشخيص خريطة صرف الأموال العمومية من الناحية الكمية والنوعية ومدى الالتزام باحترام المقتضيات القانونية في جوانبها المسطرية، ولكن أيضا من الناحية الموضوعية من خلال الالتزام بأهداف السياسات العمومية التي تضع خريطة طريقها مختلف المخططات والبرامج التي تتبناها المؤسسات الدستورية للدولة. وأضاف الغالي، في حديث مع هسبريس، بأنه من دون شك ستحدث تأثيرات سياسية وتأثيرات ثقافية كذلك، خاصة في ما يتعلق بتحريك وتطوير الوعي المجتمعي من جهة مسؤولياته اتجاه حصانة المال العام من التسيب واللامبالاة.. في سياق التقرير وأفاد الدكتور الغالي بأن التقرير الحالي يتميز عن التقارير السابقة من حيث سياق إعداده، وبالتالي بلورة خلاصاته وتوصياته في كونه أتى بعد المصادقة على دستور 2011 الذي ركز على جسم مفاهيمي كانت كلماته الأساسية تركز على إعادة ترتيب العلاقة بين الإدارة والمواطن، بناء على قواعد الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة لتمكين كل مواطن من الكرامة الإنسانية، وتنمية مستدامة تضمن التكافؤ الفعلي للفرص أمام الاستفادة من خدمات مختلف المرافق العمومية، والولوج العادل إلى الوظائف والمناصب المدنية والسياسية، ومختلف أسباب الرزق والثروة، والتوزيع العادل لها، حيث تنص في هذا السياق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 147 من الدستور على أن المجلس الأعلى للحسابات يمارس مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية. وأكمل الغالي بأن التقرير الحالي ستكون له قيمة مضافة أساسية خاصة على مستوى تدفق المعلومات حيث لأول مرة سيكون المجلس الأعلى للحسابات ملزما بنشر جميع أعماله، بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 148 من الدستور. وهذا النشر الدقيق، يردف الغالي، يتماشى ومقتضيات الفصل 27 من الدستور الذي يقضي بأنه لكل المواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، مما سيساعد على الكشف الدقيق لمختلف تفاصيل المال العام ومساعدة الهيئات المختصة في الوقوف عند أهم الاختلالات التي تشوب السير العادي لصرف ميزانية الدولة. في التداعيات السياسية: وبخصوص التداعيات السياسية، يقرأها الدكتور محمد الغالي من خلال مقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور التي تنص على كون المجلس الأعلى للحسابات يرفع للملك تقريرا سنويا، يتضمن بيانا عن جميع أعماله، ويوجهه أيضا إلى رئيس الحكومة، وإلى رئيسي مجلسي البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية للمملكة، وكذلك من مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 148 من الدستور التي تنص على كون الرئيس الأول للمجلس يقدم عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، ويكون متبوعا بمناقشة (الفصل 148 من دستور 2011). من خلال هذه المقتضيات وما تضمنه تقرير المجلس الأعلى برسم سنة 2010، يرى الغالي أنه ستكون للتقرير آثار بارزة على المستوى السياسي، وتتمثل في ضرورة إعطاء الأحزاب السياسية المسؤولية كاملة خاصة لأعضاء الحكومة المنتخبة في إدارة المؤسسات العمومية، فالتقرير وقف عند اختلالات مالية واضحة سواء من خلال عدم احترام المساطر القانونية في صرف الموال العمومية، أو عدم احترام ملاءمة المشاريع المنجزة للأهداف المسطرة من قبل المؤسسات الدستورية المختصة، حيث إن أغلب المسؤولين المعينين في هذه المؤسسات العمومية والذين ثبت سوء تدبيرهم لاعتبارات يحاسب عليها القانون هم شخصيات تكنوقراطية، وبالتالي محاسبتهم ستكون فقط ذات طابع تقني وفي نطاق المسؤولية الشخصية. وأردف المتحدث: مادامت هذه المؤسسات العمومية تشكل آلية استراتيجية لتنزيل السياسات العمومية واقعا، فالمنطق السياسي يفترض إخضاعها كلها لمنطق العمل الحكومي والبرنامج الذي على أساسه حظيت الحكومة بثقة البرلمان، حتى يكون للعملية السياسية التي عرفت إصلاحات عميقة في المملكة المغربية معنى ومغزى، وتكون الحكومة قادرة على تقديم تصاريح حكومية موثوق منها متكاملة ومندمجة ولا تسمح لها بالدفع بعدم مسؤوليتها عن النتائج الوخيمة لبعض القطاعات، بحجة أنها لا تخضع لسلطانها ومراقبتها وكون القائمين على إدارتها هم تكنوقراطيون يخضعون لمساطر خارجة عن سلطانها في التعيين. وتابع الغالي بأن إعادة الاعتبار لمسؤولية الأحزاب السياسية في هذا السياق سيعيد الثقة إلى العمل السياسي، حيث سيصبح المنفذ الحقيقي لتولي المسؤوليات الإدارية هي الأحزاب، وليس البحث عن أيسر السبل التي يمكن أن تقرب من تولي هذه المسؤوليات بعيدا عن التأطير السياسي والمسؤولية الحزبية، مما سيساعد بدوره على إعادة الاعتبار وتثمين دور الأحزاب السياسية في الوعي السياسي والتنشئة والتأطير. كما أن هذه العناصر مجتمعة، يضيف الغالي، ستساعد على تثمين الديمقراطية التمثيلية، وبالتالي إعطاء العمليات الانتخابية معنى سياسيا، وجعلها أكثر تنافسية، وذات أهمية لدى المواطنين والمواطنات عكس ما كان في السابق حيث صناديق الاقتراع لا تفرز النخبة الحاكمة. وإلى جانب هذه التداعيات السياسية التي تعتبر المتغير الأصلي في معادلة مدى فعالية ومصداقية ما يصدر عن المجلس الأعلى من تقارير، ستتحرر مؤسسات أخرى من أسر التبعية وستتحرك الجهات المسؤولة من ناحية الاختصاص في إحالة القضايا الجاهزة على المحاكم الزجرية المختصة ليقول القضاء كلمته في التجاوزات والانحرافات التي شابت صرف المال العام، وهكذا ستكون مؤسسات الدولة منسجمة فيما بينها ومتوحدة على قاعدة ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة.