جميعنا يتذكر النقاش القوي الذي خلقه مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي سهر على اعدادها الوزير سعيد السعدي في الحكومة التي ترأسها و قادها الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي، و هي الخطة التي فتحت نقاشا واسعا بين مختلف الفاعلين و جعلت من قوى المحافظة تخرج للعلن و تواجهها بشتى الاساليب مهددة الاستقرار و التماسك المجتمعي، ليخرج المغرب من المأزق السياسي و الاجتماعي و من حالة التوتر الشديد الذي خلقته هذه القوى في الشارع و داخل الاسر المغربية خصوصا مع استعمالها لخطاب ديني شديد اللهجة قريب من المواطنين، و الذي أوعز لهم بان هذه الخطة من صنع "الصهاينة" و خروجا عن الاسلام...... و لتجاوز هذه الحالة دشن المغرب لحوار شامل من خلال اللجنة التي أنشأها الملك لهذا الغرض ،و التي كانت السبب في احداث تغييرات هامة مست جوهر و عمق قانون الاحوال الشخصية، الذي تم تغييره الى مدونة الاسرة بعد نقاش و حوار وطني وضع في نصب اعينه كيفية تغيير هذا القانون ليواكب التطورات الحقوقية و السياسية التي عرفها المغرب منذ اوسط التسعينيات و التي تعززت بحكومة التناوب التوافقي 1998، و هي المدونة التي استمر النقاش حولها لمدة تزيد عن السنة شارك فيها مختلف الفاعلين من سياسيين، علماء، مجتمع مدني الذي قادته الحركة النسائية الديموقراطية لفرض التغييرات الضرورية على ما كان يسمى بقانون الاحوال الشخصية قبل ان يتم تغييره، و قد اعتبر خروج مدونة الاسرة للوجود 2003 انتصارا للمرأة المغربية و لنضالاتها الطويلة من أجل فرض المساواة في الحقوق....... اليوم و بعد مرور أكثر من ثمان سنوات على تطبيق المدونة و مع تزايد الاشكالات التي مازالت تطرحها في الواقع المغربي الجديد، و التي تعتبر حالة "القاصر أمينة" من بين حالات اخرى يقتضي العمل معها على ضرورة اعادة فتح نقاش حقيقي و حوار جديد يراعي المتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي و حالة ارتفاع الوعي لديه بأهمية المساواة و استكمال ورش اصلاح مدونة الاسرة المغربية التي تحتاج الى ان تكون الحركة النسائية و معها كل الاطارات الحقوقية و السياسية، النقابية التي واكبت ميلاد مدونة الاسرة و مدافعة عن التغييرات المهمة التي تضمنتها الى ان تتجند لتعيد صياغة جل المواد التي مازالت تطرح اشكالات مرتبطة اساسا باحترام المواثيق الدولية لحقوق الانسان التي أصبحت بموجب التعديل الدستوري لفاتح يوليوز الاخير مرجعا أساسيا من مراجع التشريع و كرست سموها. لذلك و امام المستجدات التي تطرحها الوقائع العملية ذات العلاقة بتطبيق مدونة الاسرة أصبح المغرب بكل فئاته في حاجة ماسة الى تقييم تطبيق المدونة و الاكراهات التي أصبحت تعترضها و كذا المستجدات المرتبطة بالواقع المغربي الذي بالتأكيد اصبح يتجاوز بعض نصوصها ،نظرا لارتفاع منسوب الوعي لديه بأهمية المساواة و لردة الفعل الذي عرفها الشارع المغربي أثناء تنصيب حكومة بن كيران على استوزار امرأه واحدة لدليل على ذلك، و قد ساهم في الوصول لهذه المرحلة هو تميز تقييم المدونة السنوي بنوع من "الاحتفالية" التي تعيد تكرار الانتصار الذي حققته الحركة النسائية، و المكسب الذي حققه المغرب في حين انه اليوم لابد من أن يتم اعادة تقييم و تتميم مدونة الاسرة و اعادة مراجعتها وفق المستجدات الواقعية التي اصبح التطبيق العملي لها بالمحاكم يطرحها التي في بعض الحالات تكرس سلسلة التراجعات التي أقرتها المدونة و يعيق الاجتهاد باعتبار ان مدونة الاسرة أثناء صياغتها صيغت بمداد "جامد" لا يساعد على تفادي التعقيدات التي تطرحها بعض نصوص المدونة، و التي تكبل "عقل" الفاعلين المرتبطين بتطبيق المدونة، مما يصبح معه هذا النص جامد و يفرغ في النهاية النصوص المتقدمة من مدونة الاسرة من محتواها...... قضية زواج القاصرين هي بين قضايا اخرى يجب ات تتم معالجتها و مراجعتها في اطار شامل يجعل من مدونة الاسرة اليوم كنص قانوني مواكب للمستجدات الحقوقية التي اتى بها دستور فاتح يوليوز و للمتغيرات السياسية، الحقوقية و الديموقراطية التي عرفها المغرب في السنة الاخيرة بشكل خاص، كما أنه لا يجب الاكتفاء بتعديل و مراجعة المدونة، بل يجب كذلك مراجعة كل النصوص القانونية "القانون الجنائي، مدونة الشغل...." ذات العلاقة بها و بالمرأة، حتى يكون تجاوز الاعطاب التي شهدها المغرب في هذا المجال قد تم اصلاحها في اطار رؤية شاملة للنصوص القانونية ككل. ان اللحظة الحالية هي لحظة تحتاج الى اعادة تدشين حوار وطني شامل على غرار النقاش الذي عرفه تعديل الدستور يعيد فتح النقاش حول قضية المرأة و حول مدونة الاسرة اذ لا يمكن أن نقبل بالمغرب الذي حقق قفزة نوعية شملت دستور فاتح يوليوز خصوصا في النصوص ذات العلاقة بتكريس حقوق الانسان و قيمها الكونية ان يظل متخلفا عنها في نصوص أخرى تشكل بالنظر لما تطرحه من اشكاليات قانونية و عملية تراجعا عن روح هذا الدستور و تناقضا صارخا مع ما يطرحه من قيم حقوقية و مع توجه المغرب نحو تكريس صورته باعتباره دولة المساواة.....