يفتخر سكان منطقة الريف رجالا ونساء بالأسواق الأسبوعية النسائية الأربعة (اكني - اسويقن- ايت قمرة- اثنين أزغار) التي تشكل بالنسبة للمنطقة ذاكرة وموروثا ثقافيا يتعين تثمينه٬ خاصة في ظل ما كان لها من مساهمة متميزة في صون المعالم الأصيلة لهذه الربوع من الطمس إبان الاستعمار الإسباني. وفي كل مرة تلج فيه المرأة الريفية هذه الأسواق تتسع مساحة استحضارها لذكريات سابقة ربطتها بأجوائه٬ ما يفسر الإقبال المتزايد على هذه الفضاءات التي لا تقتصر على فئات عمرية أو طبقات اجتماعية معينة لنساء دون أخريات٬ لأنها٬ بشهادة المترددات عليها٬ أسواق لا تعرف التقادم أو البلى٬ وكلما مر عليها الوقت ازدادت تطورا وتكيفا مع متغيرات الزمن. ومن الناحية الشكلية٬ ومقارنة مع أسواق أخرى عامة بالمنطقة٬ تشبه الأسواق النسائية٬ التي لم تغير موقعها منذ قرون خلت٬ باقي الأسواق الأسبوعية من حيث أسلوب عرض السلع٬ ويكمن الفرق في تركيز بضائعها أكثر على مستلزمات المرأة الشخصية بالدرجة الأولى٬ ثم الحاجيات المنزلية والأسرية٬ إلى جانب بضائع نادرا ما يصادفها المرء في الأسواق المختلطة المنتشرة بمختلف قرى وبوادي إقليمالحسيمة. وإذا كانت لهذه الأسواق أهداف اجتماعية وثقافية تعكس بشكل من الأشكال تقاليد المنطقة ونمط العيش بها٬ فإن لها بالتأكيد٬ وعلى نحو أولوي٬ أهدافا اقتصادية مهمة٬ من حيث توفيرها لفرص الشغل للنساء٬ وربطهن بمحيطهن السوسيو-اقتصادي وانفتاحهن على آفاق عملية٬ وإشراكهن في إنعاش الحركة الاقتصادية. وفي هذا الصدد٬ أبرز رئيس جمعية ذاكرة الريف عمر لمعلم٬ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن منطقة الريف عرفت ظاهرة الأسواق النسائية٬ التي كانت تتواجد بعدد من قبائل الريف خاصة بأيث ورياغل وأيث تمسمان وبني بوفراح وأيث يطفت٬ والتي من المرجح أن تكون شهدت ميلادها في المنتصف الثاني من القرن 19٬ واستمر بعضها حتى أواخر السبعينيات مثل سوق النساء بأجدير المعروف ب "راثناين ان تمغارين" الذي تم إحياؤه وتشغيله مجددا في أواخر التسعينيات من طرف الجمعيات النسائية بالحسيمة. وأضاف هذا الفاعل الجمعوي أن الأسواق النسائية بالريف كانت عبارة عن ملتقيات تجارية تنظم أسبوعيا٬ ومساحتها كانت صغيرة مقارنة بأسواق الرجال٬ ومناسبة لتعميق التواصل الاجتماعي وتبادل الخبرات والتجارب٬ والاستمتاع بقراءة قصائد شعرية محلية "إزران" ورواية الأحاجي والطرائف٬ كما كانت مناسبة لاختيار الزوجة المناسبة لأحد أفراد الأسرة من الذكور. وأكد أن من بين ما شجع على تواجد هذه الأسواق٬ هو احتدام الصراعات الدموية بين القبائل وبين أفخاذ نفس القبيلة٬ ما كان يجعل مهمة تسوق الرجل محفوفة بالمخاطر٬ وما أدى إلى التفكير في تكليف النساء بمهمة التسوق واقتناء اللوازم الضرورية٬ ودفع بالتالي إلى تقسيم العمل بين الجنسين على جميع المستويات وإقرار تمييز جنسي لتحصينهن وضمان تحركهن داخل فضاءات مقصورة عليهن. وهناك إجماع من طرف بعض المهتمين بتاريخ المنطقة على أنه بالرغم من مرور الزمن وتطور المنطقة واقتحام التغيير لقطاعات حياتية متعددة ولبعض السلوكيات داخل المجتمع٬ فقد تمكنت هذه الأسواق من الاستمرار والمحافظة على ملامحها الاجتماعية٬ ولم تتأثر بالمحيط الخارجي وظلت تشكل بالنسبة لنساء المنطقة جزءا من واقعهن. وفي السياق ذاته٬ أبرزت رئيسة الجمعية النسائية للصناع التقليديين والعارضين بالحسيمة" نعيمة السوسي أن مجموعة من التعاونيات النسائية الفلاحية والحرفية بإقليمالحسيمة انخرطت مؤخرا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في إحياء سوق النساء الأسبوعي أكني بالجماعة القروية بني بوفراح، بعد ترميمه وإعادة تهيئته٬ بهدف تمكين فئات اجتماعية واسعة من شروط العيش الكريم والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل وتسريع وتيرة فك العزلة عن ساكنة العالم القروي٬ وصيانة الذاكرة المحلية.