نواصلُ معكم في نقد الجانب اللاعقلاني في أعمال هاني و تشريح منطق سياقات الكتابة الحلزونية فهو يفكر بعقلية عنيفة تؤمن بالجدل كشرط لربح " المناظرة " ،و الغريب أنه يتهم السيد زقاقي "باللجاج الطفولي" و يحسب نفسه في ساحة النزال الفكري يخوض معركة حامية الوطيس ، يتعقد لكل كلمة ساقها مخالفه فينتفض هائجا بلا هدف و الحال أن قارئ الجريدة الدونكشوطية يلمس بسهولة جداله و يشهد على ذلك كلامه نفسه بالقول :"ولا يحسبنّ المريد أنه انتصر في الميدان باللّجاج الطفولي " ، و يتهم الزقاقي بأنه "أطنب وهو يدخل موضوعه بمقدّمة ملؤها الحشو ومضغ الكلام" فأي بلادة قد تصيب الإنسان حينما يقف على ترسانة الحشو و الإطناب التي امتلأت سطور الجريدة من رأسها إلى آخرها ؟ أي استغباء للقارئ و كل ذي عينين يجزم بإنشائية الجريدة و تمطيط مفرداتها لتصير مقالة حية توحي بالجدية و هي عارية المضمون ؟ فالدونكشوطي لم يضع قط يدهُ على مضمون الدعوى التي تقدم به الزقاقي و اكتفى بإرساليات و عموميات متشنجة ، كان على المجادل أن يأخذ بمبدأ النقض بدل "المنع المجرد " السائل ، فحبذا لو تتلمذ الدونكشوطي بتواضع على يد طه عبد الرحمان و فتح كتاب ( في أصول الحوار و تجديد علم الكلام) في فصله الثاني تحت عنوان " أخلاقيات المناظرة " ليقرأ كيف ينبغي أن "يتجنب المناظر الإساءة إلى خصمه بالقول أو الفعل بغية إضعافه عن القيام بحجته أو بقلة الإصغاء إليه و السخرية منه و التطاول عليه بالتنقيص و الشتم " ، ألا يفتح عينيه قليلا ليسمع قول الإمام علي كرم الله وجهه : " المرء مخبو تحت لسانه " فيرى شرح العبارة عند شيخهم عبد الوهاب في ( شرح كلمات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ) أوَ لا يسمع قوله " لا تنظر إلى من قال و انظر إلى ما قال " فيطالع كتاب ( شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين ) للبحراني فلعلهُ يكف عن لغته الأسطورية " أم سيظل يحارب العمالقة بأسلحة خشبية تروم الظهور و حب الزعامة ؟ أضغاث أحلام ! و يستمر النزيف اللغوي و الاتهامات السخيفة للسيد زقاقي ، فدونكشوط يصر على أن المريد "رام الجدل والدّفاع عن مذهبيته الصغرى بوسائل غارقة في التمذهب والطائفية والهمز واللمز" .حقا الإنسان أحيانا يُسقط عُقَدَه الباطنة و يُحوِّل مشاكله العقائدية ليصكها بلا وعي على الآخرين و كم من مريض لا يعترف بمرضه فلا يجد سبيلا للتخلص من أزمته غير اتهام الغير بالمرض ، و صاحبنا فعلا غدا مستودعا رحبا للطائفية يصوغ قراءة مذهبية للتاريخ و يقدم لأشياخه مسار التاريخ الذي انطلق مع نظرية الغصب و التكفير ، أمِن المعقول يا هاني أن تصف الزقاقي بالمذهبية و قراءة المشروع العدلي أصلا مبني على فك الارتباط بين المذهب الواحد ؟ لمَ يتكلس العقل و يتجمد عند حدود تعليمات المشايخ الطائفية و بين يديه كتاب (نظرات في الفقه و التاريخ) يتعلم منه النظرة التجديدية للجماعة في علاقتها بالمذهبية ؟ أيمكن للحيل الوهمية أن تحجب انشداد الدونكشوطي لمذهبيته المغلقة ، و الحال أني لم أجد في تراثنا من الكتب المُقوقعة على ذاتها أكبر من أوراق التشيع الاستئصالية التي تمتْرَسَ وراءها صاحبنا مما لا يسع المجال لذكر أسمائهم و عناوين حشوياتهم ،إذن فقد انقلب السحر على الساحر و صارت كل سيوفاته تعود إلى رقبته . ثم يصول الدونكشوط بسيفه الخشبي ليفتح صفحة هي مناط الكتابة الهانية و غاية الطائفيين ، صفحة العصبية التاريخية و الخلافة الراشدة و فترات الصراع على السلطة فذلك ديدنهم في طرح القضايا يعيشون داخل قمقم التاريخ و يتنفسون أجواءه المسمومة فإذا بمشايخ الطائفية تُخرج أعناقها من الزجاجة لتبشر المسلمين بنظرية الغصب و النصب ثم يصنعون لمريديهم عالما من التمزقات المذهبية و المؤامرات التاريخية فلا يجد المراهق حرجا في سب الأكابر و هم أقزام . تبدأ اللعبة لدى الطائفيين عندما ينبشون فيُقرر أحدهم بأن " أوّل مؤتمر لتعيين الخليفة شهد منكر العصبيات والغلب. فلقد اقتتل القوم في سقيفة بني ساعدة، هذا يقول منّا أمير ومنكم أمير وذاك يدوس على المعارض سعد بن عبادة ويقول قتله الله. وذاك يقول أنه عذيقها المدقّق وآخر يرفع سيفه قبل أن تدوسه الأقدام" إلى هنا نكون قد وصلنا إلى بيت القصيد في خطاب الطائفة المغلقة و ستجد صاحبنا يدخر لنفسه كتبا صفراء فاقعة سيحاجج بها كمريد مطيع ، سيخرجُ لكَ مسمومات ( فقه الرضا ) المنسوب لعلي بن موسى الرضا و (المقنع) و (الهداية) و (الاعتقادات في دين الامامية) و ( الخصال ) و ( الأمالي) و ( صفات الشيعة ) لشيخهم المسمى بالصدوق ، و لن ينسى طبعا أول مصنف عقائدي مزعوم موسوم بسليم بن قيس أو كتب شيخهم الطوسي ك( الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد) و ( رسالة في الاعتقادات ) ، من دون أن ننسى كتب الجدال العقيم لشيخهم المسمى بالمفيد ك ( الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ) و عميد كتب التكفير ( الإفصاح في إمامة المؤمنين عليه السلام ) و ( الأمالي لفخر الشيعة ) و (الاختصاص ) ... فعلا حينما يتخندق الطائفي وراء جدالات مضت و انقضت و صنعت تمزقات في جسم الأمة فإن القضية تجعلنا نجزم بلا معقولية فكر دونكشوط . لن ننتظر حكايات الأساطير التي سيمطرها صاحبنا فلقد عِشنا ما يكفي من الضياع الوحدوي بسبب تقولات تاريخية لا زال الطائفيون يحاججون بها ،أما آن الأوان للمتعصبين أن يتربوا في أحضان النبوة و يدعوا خزعبلات الحوزات ليصطفوا مع الصادقين يقارعون معا تحديات الاختراق ؟ . ليت شعري ! لكن مع هاني يحلو عنده الجدل و يتفوق فيه نداء الطائفية على أشكال المعالجات المشتركة ، فهو يتخيل أن كًلَيمات هجينة صعلوكية يمكن لها أن تقنعَ أصغر عضو في الجماعة و يتلطف أحيانا بمكر الأفعى التي تقتنص فرصة الانقضاض حينما يتصنع تكلفا بوجود شباب ينبغي الأخذ بأيديهم ، يتحدث كما لو أن الإخوان أسرى في وقت يتراص العدليون لتقبيح سذاجات الرجل ، أيَتوَهُّم أن يكون تغوُّل اللغة و فرعونية الأنا زحزحت آخر ملتحق في الجماعة فذلك دونه خرط القتاد ، بل و الأفحش أن يدعي "هروب العدلاويين من المشروع الياسيني السياسي " و كأني بشباب الإخوان يبتسمون تألما لما وصل إليه النابغة في تهريجاته الاسترواحية ، أراد المسكين أن يكون له حظوة شرف و هو يحاور الأستاذ المرشد فيترقى وزنهُ في ساحات الجدل الفارغ ، أراد أن يتطحلبَ و "يتشقلب" تحت عناوين فتح المجال للنقد و كل كتاباته طحالب فكرية تسلقية لا تشتم منها غير الجفاف و خواء التدين ، أي حوار تطلب يا رجل و أنتَ حبيس غروركَ المدعوم بعقل اللاعقل تناطح و ترفس و تهيج لكل واردة و تحسبها صناعة عقلانية و ما هي إلا سقطة في ( قد خاب من دساها ) ، أفَعلتْ فيك الحركية الزائدة فعلها و جعلتكَ وحشا ضاريا لا يراعي و لا ذمة ؟ أما كان الأجدر أن تخلي دواخل الأمراض القلبية و تنظر في مرآتك فترى بشاعة الأفعال و أصناف الآفات قبل أن تطلب حوارا هرميا فشِلتَ في امتحانه الأول ؟ و تحت عنوان مائع " النقد والجماعة عدوّان" أشواك انتظمت لتشكل سلسلة طعونات افترائية تكيل للآخر الأكاذيب و تغوص في باطنيته ليقدم للقارئ حصيلة العقلانية الحاذقة ، أوَ لا يتعلم صاحبنا من صبر الجماعة على كُتاب سابقين تخصصوا في " الاستحمار" فلم يتركوا تفاهة إلا أتوا عليها بالتحليل و التشريح المبَرمج ؟ أوَ لا يستحي الرجل و هو يظن بالإخوان اعتبارهم الآخر جحيما و قد اختُبرت الجماعة في صبرها فما ضاقوا و ما ثاروا ؟ ما قاد نقد الجماعة في رأينا إلا إلى انفتاح عقول مغلقة على المشروع المحاصَر فزادوهم ثباتا ، مخالفون في التصور يدعون للمشروع و يشرحون جوانبه و هم يحملون عقد الخٍصام الإيديولوجي فاعجب ! إن كان نقد السيد الزقاقي لدونكشوط في أوهامه النرجسية حول طائفيته فهذا ما اشترك فيه معظم المعلقين الذين رأوا في التحامل البغيض لمشروع الجماعة لا ينفصل إطلاقا عن موقفه من "جزار الجسد" بحكم أن مسيرات الإخوان و نجاح دعواتهم للاحتجاج ضد سفاح العصر كانت أحد مُعَقِّدات الرجل ، فلم يجد حرجا من تعويض عقده المستورة بمقالات مدبجة أخفت حقيقة الخلاف ، طائفية الرجل لم تكن أصلا محور نقد السيد زقاقي في بحث ( العدل والإحسان ومرشدها بين حقائق الواقع وأوهام السيد ادريس هاني) لأن ذلك لا يحتاج لعناء جهد لاكتشافه ، و كأني بالسيد زقاقي بابتسامته العريضة يسخر من حكمة الرجل الذي فضح نفسه بنفسه . ثم إن الرجل لا يخجل من كثرة عيوبه فتجدهُ يتحول بسرعة البرق إلى الحديث مرة أخرى عن كون" الجماعة اعتادت على التّلقي وليس الحوار. فالحوار دخيل وناذر في منهاج تربوي تتنزّل فيه الحقائق من رأس الشيخ إلى أخمص مريديه " لا يستحي و بين ظهرانيه من يمده بأسلحة الخشب الطائفية يعيد إنتاج البؤس التاريخي مُنزلة من أول مصنف عقائدي ( سليم بن قيس الهلالي ) إلى آخر معبود في التاريخ المعاصر ( الخميني ) ، ألا يتَّعض الرجل قليلا فينظر حاله المأسور بعمامات المرجعيات و شيوخ الاستئصال فعسى أن يسأل نفسه : أيمكن أن تتنزل الحقائق من غير هؤلاء ؟ و ماذا لو عكسنا الآية فقلنا في الرجل :" وفي مثل هذه الحالة تصبح العملية النقدية صعبة إن لم نقل مستحيلة. فالطائفي الذي لم يعوّد نفسه على مناقشة شيوخ التكفير لن يتقبل خضوع أسيادهم للنقد والتشريح. فهو لا يكاد يبصر العالم إلاّ من خلالهم. بل لا يكاد يرى النقد لهم إلاّ مؤامرة صهيونية أو مخزنية أو سوء فهم أو عدم إلمام بأدبيات التاريخ الشيعي " ، أليست القضية العكسية أقرب إلى الواقع ؟ . لكن لِمَ يخشن قلم المثقف فلا تسمع منه إلا وكزا ثم يعود لسمفونية الشيخ و المريد في كل لحظة فيصف المريدين بالعوام و المقلدين "يتلقون المعرفة من شيخهم من أخطر التعاليم إلى أحقرها حتى الخراءة، و هم الآن يكفّرون عن سنوات من السبات المعرفي والوحشة الفكرية" لمَ الكبرياء و تصنُّع العقلانية ، ألا تصبح القضية في عنوان الرجل لصيقة بعقله المشدود للوراء فتصير لازمته معنونة ب " كبرياء دونكشوط و عجرفته " ؟ أليس من حق " كتاكيت العدل و الإحسان " أن يعروا عقول أعوان الظلمة و ينزعوا رداء الجدل ليكشفوا عن طامات الرجل و انبطاحه ؟ أيصبح النقد هنا محرما إلا أن يكون في منحى تزكية السفاحين و أقزام المؤيدين بالسلاح الغدري ؟ لكن مع الرجل تتناطح التناقضات و ترقص الفضائح على أوتار الابادات و المقابر الجماعية فيكسيها بطلاء المعقول الممكن ، عجبا أسمعَ قراؤنا يوما بفلاسفة الاستبداد و منظري " الغاية تبرر الوسيلة " تتجلى في أبهى صورها في هذا الرجل المقلوب عقلا و قلبا ؟ أينتظر المسكين خروج الشيخ ليحاججه أفقيا و عقله مسكون بتجاعيد السفسطة طولا و عرضا ؟ و مع كل خرجاته السبابية و قذائفه العمياء لا زال يتصرف كنافخ الكير فيحرق و يثور دونما حياء و لا خجل فيخرف قائلا بأن " ردود المريدين لم تتميزعن سواهم من حيث التبييت وسوء العبارة والتدليس والحكم على النوايا والإسقاط وقلّة الحيا " ، أين يكمن التدليس و قلة الحياء و الحكم على النوايا يا رجل و جريدتك تغص بمحاكمات التفتيش و تشريح القلوب و قلة الأدب و رشق بالغيب ! أفي ردود المريدين و المعلقين التي أجمعت على أخلاقيات نقاش الزقاقي أم في (الكونفيتور الفاسد ) التي تمثل خلاصات عصير العقل المجرد ؟ أيظن مجنون أن النصح يكون بميكروبات اللغة الفاسقة أو بكبرياء دونكشوط توسّلَ المحاربة بحصان كوميدي هزيل هي تعبيرات عن مضمون النقد النحيل ! لا يستسيغ صاحبنا أن يرى وحدة الجماعة و تماسك أطرافها منذ أجيال توحدهم الولاية في الله و حب المرشد فانتفض انتفاضة ثور أطلقَ من عقاله ليرفس من حوله بقرون اللغة الخشبية ، ويحكَ تطالب الشباب بالدخول في" دائرة الفعل الإيجابي بالمشاركة السياسية أو المعارضة السياسية الواضحة أو للارتقاء إلى الله من دون تشويش من شيخ متسلّط أو مريد متنطّع " و أنتَ تراوح مكانكَ لا تقدر أن تحدد موقفا صريحا تقفز بين مغازلة حكم فتهجو خصومه ثم تتنطع و تحترف سب الحكومة ، ما تفعل التقية بأصحابها غير ضرب عدو بعدو تفضحهم أقلام الطائفيين حينما تصير ولاية الفقيه سقفا يمسك بتلابيبه الفقيه المعمم أو شيخ حوزوي قضى نحبه !. هنا يحضر النقد عند الرجل كملهاة مأساوية مقبولة لكن أن يكون للمعارضين حقهم في رسم آليات و مسالك التغيير وفق معارضة حقيقية لا تهادن من غير تلطيف أو تزيين للقبائح فهذا عند الرجل سجن يُعتقل فيه الشباب فيوجب التحرير. أمِن المعقول الحديث عن "عش الزنانير " و مستودعات قمامات العمائم المتحكمة في فلاسفة السياط صارت أفاعي مجلجلة متخثرة من شدة الروائح الكريهة التي خلفتها نزعات التكفير تحت عناوين المعقول و العقلانية ، إن كانت أعشاش العدلاويين قد أنتجت فعلا تنظيما قويا ترسخت جذوره في أوساط المجتمع و تغلغلت في بنياته شهد لها – من دون تزكية – مخالفوها بصعوبة الاختراق بفعل التربية الروحية فإن الرجل لا يقدر أن ينكر ما أنتجته أعشاش فتنة "المتعة " من لقطاء وجب الأخذ بأيديهم نحو بر الأمان ، يا للفضيحة !