ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العدل والإحسان" ومرشدها بين حقائق الواقع وأوهام السيد ادريس هاني 1/4
نشر في هسبريس يوم 01 - 02 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
لا مناص من الاعتراف بأن رصيد حاضرنا من وسائل التدبير السلمي والأخلاقي للاختلاف أوفر من رصيد ماضينا،هذه الوفرة تراكمت أولا نتيجة حركة الأنبياء التي رامت الهداية والقضاء على كل أشكال الجمود والتحجر والتعصب والآبائية في التفكير،وثانيا نتيجة حكمة بشرية أهدت لنا ثمرات العقول والحضارات على اختلاف أديانها وأعراقها وأجناسها،ولقد اجتهد الأنبياء في العمل وفق مسلكيتهم الخاصة حتى لا ينشغلوا عن مشروعهم بتبديد الوقت والعمر في انتقاد مسلكيات مخالفيهم (قل كل يعمل على شاكلته)[1] ،(لكم دينكم ولي دين)[2]،وإن حدث وصدر منهم انتقاد فبالتَّبع لا بالأصالة،وفي إطار مناقشة الأفكار وعدم التهجم على الأشخاص،والتحلِّي بالتواضع (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما كنتم تعملون)[3]،فالسياق القرآني كان يقتضي مقابلة العمل بالعمل لا العمل بالإجرام ،وقدر النبي كان يتطلب ألا يسمي عمله إجراما ولكنها المبالغة النبوية في التواضع والتودد إلى الخصم وطمأنته بأن الحوار معه يتم من منطلق الندية لا الأستاذية، وفي السعي إلى إيجاد مساحات مشتركة للتفاهم.
ولقد أتى على تاريخنا الإسلامي حين من الدهر اتسم بصراع مذهبي شديد ما زالت نيرانه تلفح من وراء قراطيس التراث الفقهي والكلامي والسياسي،لا سيما بعد الانقلاب على الحكم الرشيد الذي جسده الأربعة الكبار:أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم-،لمَّا تحكمت العصبيات الأسرية التي كانت تصف السيف دواء وحيدا للخلاف والاختلاف والمعارضة (من قال برأسه هكذا قلنا له هكذا) - في إشارة إلى السيف-،وسَرت آفة التعصب إلى الفِرق والأحزاب الدينية والسياسية،وانتشرت المشاعر المتطرفة في الحب والبغض،وأدبيات المناقب والمثالب،و"الأحكام السلطانية" التي تصور السلطان "ظلا لله في الأرض"،وتَمُنُّ على الناس "عطفَه الأبوي"،وتصف الثائرين عليه بحق بأنهم "خوارج"، وكثُر توزيع تُهم التكفير والتبديع بدون أدنى تثبت،بل بمجرد استغلال أخطاء تصدر من هذا الفريق أو ذاك ثم تعميم أخطاء البعض على الكل،وهو تعميم مُخل أسهم في تعميق الشرخ الفكري والعاطفي،فكل حزب أو فرقة كانت تملك من الحق ما يقتضي الإنصافُ الاعترافَ به،فالبعض كفَّر أهل السنة جميعَهم لأنه وُجد من بينهم في وقت ما "نواصب" عادوا أهل البيت وساموهم سوء العذاب، ولم يراعوا الوصية النبوية بهم،والبعض كفَّر الشيعة جميعَهم لأن منهم روافض سبوا الصحابة ولم يراعوا أيضا الوصية النبوية بهم،فأساء الجميع الأدب مع القرابة والصحابة،فلا عجب بعد ذلك إن وقعت الشعوب فريسة للاستبداد والفساد والاستعمارين القديم والجديد،واليوم تثور تلك الشعوب على مُخلَّفات السنوات العجاف،وتنهض لتملك زمام الأمور بأيديها بدون رقابة أو وصاية من أحد،ولعل عُملة الوقت هي التنادي إلى الانخراط في جهد جماعي لا يقصى منه أحد لخدمة مصالح البلاد والعباد وتجاوز اللغة الحربية للخلافات التاريخية المزمنة.
ليس من عادتي أن أرد على ما يُكتب أو يُنشر أو يُروى ما دام له تَعلُّق باختلاف زوايا النظر إلى المسائل،واختلاف التقدير والتفسير والتأويل والتحليل،وما كان لي أن أكتب اليوم رادا على ما نشره السيد ادريس هاني من مقالات عن"العدل والإحسان" ومرشدها لو أنه لم يحد فيها عن معظم الأعراف الأخلاقية في تدبير اختلافه معهما بشكل بدا بأنه بصدد حملة تشويهية[4] ضخمة يتستر على أسبابها الحقيقية التي تتجاوز الاختلاف في تقدير الموقف السياسي والسلوك التربوي إلى الاختلاف المذهبي،والباعث على تسميتها بحملة هو ترداد ذات المقالات التي طاف بها على مجموعة من الصحف والمجلات والمواقع وأدرجها في بعض التقارير "الاستراتيجية"،فيعيد الكلام الواحد مرارا ومرارا، واتخذ لمقالاته في هذا الموقع عنوان:" في فقه الروكي وسلوك الحلاّج:الشيخ ياسين من القومة إلى الدولة المدنية" يمتح فيه من المعجم الحربي الصِّدامي للخلافات المذهبية والسياسية القديمة،وهذه بعض مفردات ذلك المعجم التي ذكرها السيد هاني- في سياق انتقاده "للعدل والإحسان" ومرشدها"- بعد أن أضفى عليها مسحة من "الحداثة"[5]:فالجماعة تعيش "الهذيان السياسوي" و"الخداع السياسي" وهي مستمرة في"العبثية التظلمية للجماعة البكاءة" وتظهر عليها "أعراض الهسترة" "والسوداوية السياسية"،أما زعيمها فقد"راقته طريقة الروكي بوحمارة حتى استحمر وعينا" وكان"دائم الحظ العاثر والأحلام الكاذبة" وكلامه ماهو إلا "طنز كلامي" وأسلوبه هو "أسلوب بوحمارة في الاستحمار" وهويدَّعي "المهدوية لنفسه" و"منح لنفسه ما لم يدعه أحد لنفسه من مسألة الاختيار الإلهي" وبكلمة إنه "الشيخ الهرم الذي أكل الزمان عقله وصوابه وحتى دينه" (كذا) و"لم يعد مُقنعا في أرذل العمر"،وسقط السيد هاني في آفة التعميم فلم يسلم من أوصافه القدحية أي تنظيم إسلامي في المغرب؛ففي موضع آخر يقول عن حزب"العدالة والتنمية" إنه "لم يحقق شعبية أحرار"[6] كما لم يحقق ياسين شعبية "شاكيرا" لأنها "استطاعت في مهرجان موازين أن تستنفر في ليلة واحدة جمهورا عريضا فاق أنصار الشيخ المريد" ،بهذا المقياس المقلوب لم يستطع الحسين رضوان الله عليه أن يستنفر عشر ما استنفره أنصار يزيد الظالم الغاشم من جنود لقتل السبط الشهيد ،وما الفرق إلا أن المخزن اليزيدي استعمل القفازات الحديدية للحشد،والمخزن المغربي يستعمل القفازات الحريرية،يا صاحبي:الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك،أما جمعية "التوحيد والإصلاح" - يقول السيد هاني- فإن"لها ماض عريق في تبديع مظاهر الحداثة وتكفير أهلها"[7] وهي حركة- يقول أيضا- "غلب على أداء أبنائها الوصولية والانتهازية"[8] أما الحركة السلفية فهي "لا تفعل أكثر من تدويخ الرأي العام"[9] وتعمل "على الدعاية لنفسها والتنفذ في المشهد بوسائل أكثر مخاتلة"[10] .
إنه لا أضر على النزاهة العلمية والشجاعة الأدبية من إصدار الأحكام الانفعالية،ومن السقوط في مهاوي الانطباعات الذاتية مما ينافي مقتضيات الحكمة والتبصر والتثبت، ومن التعميم الذي ينافي مقتضيات الإنصاف،ومن إخفاء دوافع التحيز،وهي في مَخفِي مَتْن السيد هاني ليست أكثر من انتساب الحركة الإسلامية المغربية إلى "العامة" التي يَعتقد السيد هاني أن الرشاد يكمن في مخالفتها بأي وجه كان،ولعمري ما هذا هو المعروف من أخلاق أهل البيت رضوان الله عليهم؛ فقد قيل لجعفر بن محمد الصادق: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس (المخالفين للمذهب)، فقال: تؤدون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم"[11]،وعن أبي حمزة عن محمد بن علي الباقر قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون، ويقذفون من خالفهم، فقال لي: الكف عنهم أجمل"[12].
إن الخطاب المعتدل يمكن الدفاع عنه بيسر وسهولة كما يقول الأستاذ بجامعة كمبردج الدكتور"روبرت ثولس" في كتابه المشهور"التفكير المستقيم والتفكير الأعوج"،والتعميم يناقض الاعتدال؛ف"إن قولا بالصيغة "كل الناس بخلاء" يندر جدا أن يكون صادقا ويسهل كثيرا نقضه بالبرهان...ولو فرضنا على سبيل المثال أن رجلا ادعى أن كل مسالم جبان،فإن خصمه في النزاع يستطيع أن ينقض هذا الادعاء وذلك بأن يشير إلى مسالم واحد أبدى شجاعة فائقة في وجه الموت،ولكن لو فرضنا من جهة ثانية أن الرجل اعتدل في ادعائه وقال إن بعض المسالمين جبناء ،فإنه عندئذ لا يحج لأنه يستطيع أن يأتي بشاهد أو أكثر على مسالمين كانوا جبناء وبذلك يثبت دعواه"[13]،فعندما يقول السيد هاني معمِّما:" نقاد هذه الجماعة لم يقفوا على جوهر الأزمة في خطاب مركب"[14]،إذا فعلى فرض أن ثمة أزمة تعيشها "العدل والإحسان" فإن ناقدا واحدا فقط وقف على جوهرها هو السيد هاني،وهو وحده الذي يملك القدرة على استبصار ما لا يُبصر،ويكفي في إسقاط تعميمه وحكمه الإتيان بقول ناقد واحد سنسميه في حينه،وإذا لم يكن مطلوبا أن نوافق عبد السلام ياسين ولا غيره على كل ما يقوله فإن المطلوب هو أن نتجه رأسا إلى تفكيك الأفكار ومقارعة الحجة بالحجة وعدم الاكتفاء بالاجتزاء والانتقاء وبتر النصوص عن سياقاتها،واستسهال إصدار الأحكام دون القيام بعملية استقراء لجميع المكتوبات في الموضوع الواحد،فكان السيد هاني هو الأحق بأن يُنعت بالنط والانتقال بسرعة البرق من مسألة إلى أخرى دون أن يوفيها حقها من التحليل:
فمن مجموعة أربعة وعشرين كتابا للسيد عبد السلام ياسين أحال السيد هاني على ثلاثة كتب فقط هي "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" و"إمامة الأمة"،و"في الاقتصاد"، وهذا المسلك يفيد بأن السيد هاني يتصور حركة التفكير جامدة،فلقد صدر بعد "المنهاج" كتابان اثنان يعتبران عماد التصور السياسي والتربوي "للعدل والإحسان" وهما كتاب "العدل:الإسلاميون والحكم" وكتاب "الإحسان" بجزئيه،ولقد طور هذان الكتابان ما ورد بالمنهاج وحيناه ولم يورد السيد هاني أي نص منهما، ويأخذ المرء العجب من اكتفائه بإيراد أحد عشر نصا فقط من مكتوبات زعيم "العدل والإحسان" لا أحد منها يشهد لما رام التدليل عليه :
1. فالنص الذي جاء به للاستدلال على قوله :" إن شيخ الجماعة لا يعتقد أن القومة يصنعها عامة الناس من المستضعفين" نص مقطوع عن سياقه،لأن سياق الكلام هو تبيان المفهوم الصحيح للعامة،لا المجادلة في مركزية دور العامة،بدليل أن المبحث الذي تحته تم التبيان هو" مع الأمة لا وصاية عليها"[15] ، وصدَّر ياسين المبحث بقوله:"إن القيادة الناجحة هي التي تنهض بالجماهير إلى مستوى المشاركة الإرادية، لا التي تحصل على الموافقة الصامتة، والتصفيق للطليعة، والحماسِ للزعيم. وإنه لمن أكبر الأخطار أمام جند الله يوم يمسكون الأزمَّةَ أن يميلوا إلى جانب السهولة، فيزعموا لأنفسهم القدرة على إملاء إرادتهم من فوق، فتُنَفَّذَ، فيصلحَ الفاسدُ، ويستقيمَ المعوجُّ. منزلقٌ على منحدَرات الهوى أن تجلس على كرسيك فتَتَواردُ عليك الأفكارُ، وتستهويك أريحيَّةُ الزَّعامَةِ، فتُصْدِرَ الأوَامِرَ ذات اليمين وذات الشمال. ولن تشعر إن فعلت ذلك بمعزل عن السواد الأعظم، ومن فوقه، ووصايةً عليه، إلا وقد دخلْتَ في منطقة فراغ، لا قرار لك، ولا أصل، ولا فصل. وهكذا تتكون الطبقات المستبدة"[16] ،إذا فالسياق يا سيد هاني ليس هو سياق إنكار دور العامة كما حاولت أن توهم القارئ ولكنه سياق تبيان أولوية دور العامة على دور الخاصة أو ما يُسمَّى بلسان العصر "النخبة"،وكان الأحق أن تفرح باستشهاد السيد ياسين للتدليل على رأيه في المبحث كله بأقوال الإمام علي كرم الله وجهه أم أن "خوك فالحرفة عدوك"،وقد قال ياسين معلقا على مقالة للإمام تحذر من إيثار الخاصة على العامة :"والمطلوب منك أن تمحوَ الخصوصية الطبقيَّةَ، وتقاتل العجرفَةَ الإدارية، وأن تكون مع العامة قلبا وقالبا،ليس المنتظرُ منك، وقد جئْت بالشريعة المحمدية، أن تميلَ للمستكبرين من الخاصة، وأن تتخلق بأخلاقهم، وأن تتقمصك تلك الشخصية المتعالية على السواد من الأمة، وأن تتخذ لك بطانة منهم"[17] والحمد الله الذي أحيانا حتى رأينا العامة تتجاوز النخب (الخاصة) وتنزل إلى الشوارع لتقوض الفساد والاستبداد وأركانهما،وتطيح بعروش ثلاثة من أعتى الطغاة الذين عرفهم التاريخ،في موضع آخر يورد السيد هاني هذا النص للسيد ياسين:"لا يمكن أن يَتْبعنا الشعبُ في مسيرة القومة الإسلامية المحفوفةِ بالأخطار الجِسام، ولا أنْ يشاركنا في معارك البناء، وهي تريد بذلَ الجهود، ولا أن يصمُد أمامَ الأزَمَات الداخلية، والهجمات الخارجية، إن لم يحصُلْ بيننا وبين العامة تلاحمٌ"[18]،ثم يستنتج السيد هاني من هذا النص :" هي إذا مصانعة ومجاملة إلى حين استحكام القبضة" ،وهو استنتاج في غير محله والحامل عليه هو محاكمة النوايا ليس غير،فالتلاحم لا يفيد المصانعة والمجاملة،ولم يتفطن إلى أنه أتى بنص للشيخ يناقض ذلك الاستنتاج وهو:" إن تملّق العامة ليس من شأننا. لكن الرفق حتى يعرف الناس لم نقوم وما نريد وتأليف الناس على الحق المرّ بالمخالقة الحلوة فنّ لا غنى لنا عن إتقانه"[19]،إن الأمر لا يتعلق بمجاملة أو بمصانعة ولكنه يتعلق بالتفكير في شروط نجاح التحام الخاصة أو النخبة بالعامة وهو ما نحتاج إليه حاليا في سياق الحراك الشعبي والثوري في عالمنا العربي،وقد يطول بنا الحديث إذا جئنا نبين للقراء مفهوم"العامة" وظلاله المذهبية،وفيصل التفرقة بين"المسلمين" و"المؤمنين"عند السيد هاني.
والجدير بالذكر أن كتاب "إمامة الأمة" الذي أفاض في مناقشة مسألة الخاصة والعامة جاء أصلا ليعالج مسألة خطيرة أسهمت في تخلف وتأخر عالمنا الإسلامي وهي مصادرة حقوق الشعوب في اختيار حكامها لفترات طويلة من التاريخ إما باسم"الخلافة" السنية بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة لصالح الملك العضوض والجبري اللذان ارتبطا بالتغلب والتوريث والخوض في الأموال بغير حق،وإما باسم الإمامة الشيعية التي توهم الناس أن الله لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليؤسس دولة تحكمها عائلته وسلالته- حاشاه-،فبقيت الحلقة المفقودة هي "إمامة الأمة"،وقد تَفطَّن للمسألة غير عبد السلام ياسين فمن الشيعة المرحوم محمد مهدي شمس الدين الذي نادى "بولاية الأمة على نفسها" مقابل "ولاية الفقيه".
2. مسألة أخرى يبرز فيها نقص الاطلاع الاستقرائي للسيد هاني على أدبيات"العدل والإحسان" مما جرأه على إصدار أحكام متسرعة،وهي مسألة "الحاكمية" ويُصر السيد هاني على نسبة مفهومها إلى الأدبيات الياسينية فيقول:"ففي البدء كان الخطاب على شيء من الإجمال تحت تأثير مفهوم الحاكمية في صيغتها المودودية والقطبية.. يومها ستكتشف أنّ القومة هي دعوة للحاكمية معها يُكفَّر العوام وتصبح الدّيار جاهلية،ولأنه سعى للتّميّز بالخطاب وتلطيف نهج التكفير فضّل الحديث عن الأمة المفتونة لا الجاهلية. وأيّا كان الوصف إذ لا مشاحة في الإصطلاح" والذي يجهله السيد هاني أو يتجاهله أن السيد ياسين هو أول من انتقد من الحركة الإسلامية مفهوم "الحاكمية" والحكم على المجتمعات الإسلامية بالجاهلية وما استتبعه ذلك الحكم من تكفير للناس، ففي كتابه المعروف "الإسلام غدا" الذي صدر عام 1973 خصص لانتقاده ذاك فصلا كاملا سماه "غضبة القطب" وناله بسبب ذلك انتقاد من مشارقة استكثروا على المغاربة أن ينتقدوا مُفَكِّرا مَشرقيا كبيرا كسيد قطب- رحمه الله- يقول السيد ياسين:" كنت كتبت منذ بضعة أشهر(من عام 1973) بضعة تأملات حول فكر سيد قطب رحمه الله فاستحقت كلماتي تعليقا في أسطر قليلة مؤداه أن صاحب الكتاب جاء بفكر مغربي ينتقد فكرا مشرقيا"[20] ،وعلق قائلا:"إِن فَهِمنا أن "معالم في الطريق" اجتهاد نهائي رسم خطوط العمل وحركية المنهاج حتى لا مزيد،فإنما نعكس نية رجل من المسلمين،وندخل في خط النظر البطولي ونرجع إلى الوراء نسبح لله بحمده ونلهج مغتبطين بتراث نُحَنِّطه إلى جانب أكداسنا الموروثة"[21]،ويُنبِّه على الرأي القطبي القائل بجاهلية المجتمعات الإسلامية[22]،ويَتعقَّبه السيد ياسين بالنقد فيقول:"مفتونون نحن غير جاهليين،إذا كنا جاهليين فما لأحد ذمة ولا لأنفسنا،ولَخَير من ذلك أن نُحطِّم ونُكسِّر ونثور ونتمرد"[23]،ووقع ما حذر منه الشيخ،فَجَرَّ الحكم بجاهلية المجتمعات تناسل الجماعات التي تَمَنطقت بقنابل العنف لقتل الأبرياء،إلا أن السيد هاني لا يُقنعه شيء فرأى في التمييز بين مفهوم"الجاهلية" ومفهوم "الفتنة" مجرد "تلطيف لنهج التكفير" وأنه لا مشاحة في الاصطلاح فتنة أو جاهلية لا فرق ما هو إلا روغان،والصواب هو وجوب التدقيق في المصطلح لأن له صلة باستحلال دماء الناس وإخراجهم من الملة،ولو كان علي كرم الله وجهه يرى أنه لا مشاحة في الاصطلاح لما أنزل "البغاة" الذين قاتلوه منزلة "فتنة" لا منزلة "ردة" في سياق إجابته عن استشكال أحد أصحابه لموقفة من أولئك البغاة "أننزلهم منزلة ردة أم منزلة فتنة" وارجع إلى "نهج البلاغة" فقد بين الأمر بما لا مزيد عليه،وإذا كانت فكرة "الحاكمية" ذات السابقة "الخوارجية" (لا حكم إلا لله) تعني فيما تعنيه إنكار الإمارة وتقويض الدولة تُناقِض الشرع والطبع والوضع،فإنها ارتبطت بالجدل حول "تطبيق الشريعة" وتشريع القوانين ومن له الأهلية للتشريع،والذي يَغفل عنه دعاة "الحاكمية" هو أن النصوص التشريعية القطعية الدلالة معدودة ومنتهية،وتظل منطقة العفو التشريعي ساحة شاسعة تتبارى فيها الأفهام ويُمارَس الاجتهاد وعينه على ما يحدث في الدنيا من تطورات في الواقع والفكر والمؤسسات،ولا يُعدُّ مَلء الفراغات التشريعية تطاولا لا على المُرسِل ولا على الرسول ولا على الرسالة ما دام احترام الضوابط الاجتهادية قائما(اجتهاد من أهله وفي محله).
لقد كان يكفي قيام السيد هاني بجهد يسير ليعلم أن التفاعل كان قائما حتى بين المفكرين الإسلاميين الإيرانيين- وهم في طور الإعداد للثورة- وبين أضرابهم المصريين،فزعيم الثورة الحالي علي خامنئي ترجم لسيد قطب كتاب "معالم في الطريق"(الذي تضمن الحكم الخاطئ بجاهلية المجتمعات الإسلامية) ،وكتاب "المستقبل لهذا الدين" عام 1387ه فأثني على "المؤلف الكريم الكبير"[24] و"المفكر المجاهد"[25] ،حتى البريد الإيراني لم ينس أن يخلد ذكرى استشهاد سيد قطب بطابع بريدي يحمل صورته وهو وراء قضبان الطاغية،كما خلد بطابع آخر ذكرى إعدام خالد الإسلامبولي قاتل "السادت"،وأطلقت الدولة الإيرانية اسمه على أحد شوارع مدنها.
3.ومما قاله السيد هاني أيضا ولم يأت عليه بدليل واحد :"وفيها (أي القومة) لا وجود لأدنى احتفاء بالديمقراطية ولا لسمو الاتفاقيات الدولية على القوانين المحلّية ولا للتعدّدية وغيرها من سائر ما كان في نظر الشيخ ومريديه من آثار الجاهلية المعاصرة" فهل فعلا تعتبر" العدل والإحسان" ومرشدها الآليات الدمقراطية المذكورة من "آثار الجاهلية المعاصرة" ؟ إنه افتراء يكفي في دحضه سوق هذا النص الذي سأورده على طوله حتى لا تبقى ذرة شك لمتشكك،يقول السيد ياسين متحدثا عن التجربة الغربية:"من مزاياهم الحرية، ثم الحرية، ثم الحرية، الاستبداد البشري تحصنوا ضده. من مزاياهم العلوم، والجد في العمل، والضبط في العمل، والكفاءة في العمل. من مزاياهم أن العقلانية العلومية التنظيمية تسيرهم، بينما تسيرنا المزاجية والارتجال. يسيرهم التخطيط وسبق الأحداث وتوقع نتائجها، بينما ننام حتى يفجأنا الواقع بالكوارث. من مزاياهم التنظيم واليقظة. من مزاياهم الديمقراطية التي تتحول إن استوردناها مهزلة، ومهرجانا فلكلوريا، وتجارة في الأصوات، وتزويرا وغشا،من مزاياهم الواقعية التي ترضيهم بالديمقراطية على أنها أحسن نظام ممكن في سياق خلفياتهم الحضارية،من مزاياهم المجتمع المدني بواقعية أحزابه وتعددها، وبجمعياته الفاعلة، ونقاباته المناضلة، وفضائله الإنسانية ، من مزاياهم القانون يطبق على القوي والضعيف، يتحاكمون إلى اختيار الناس في وضع دساتيرهم وتقنين شرائعهم. والنتيجة قانون معروف له نتائجه وحدوده وحقوقه لا مكان عندهم لإرادة الحاكم المطلقة. من مزاياهم تمسك كل ذي حق بحقه، وصراخ كل مظلوم في وجه ظالمه. من مزاياهم صحافة حرة تراقب وتنتقد، وتطرد رؤساء الدولة الخارقين لحرمة الحياة الخاصة. من مزاياهم أن اللاجئ السياسي منا يطرده ظلم طواغيتنا فيجد عندهم مأوى وأمنا ومساعدة وإنسانية. ناهيك بهذه ! مزاياهم كثيرة كثرة معايبنا التقليدية والحادثة المحدثة في الدين والمركبة"[26] وأنا ما قرأت مرافعة أجمل من هذه في إنصاف أحد القادة الإسلاميين للغرب ،وسنكون شاكرين للسيد هاني ونَعِده بإعادة النظر في"العدل والإحسان" إن أتانا بنص واحد فقط تعتبر فيه الديمقراطية وآلياتها جاهلية،أما قضية سمو القوانين الدولية فتلك مسألة أخرى تتصل بإشكالية الكونية والعالمية والخصوصية وليس هنا موضع بسطِها.
4.وبشيء من لغة الإيحاء تناول السيد هاني موضوع الذمة المالية والسلوك الأخلاقي لجماعة وأفراد "العدل والإحسان" فلم يتحرَّج من أن يُردد – في سياق السؤال الذي يخفي الجواب- الأخبار المخابراتية المفبركة ومقالات الطعن في شرف السيدة نادية ياسين فقال:"...كما أنّه فتحت أمامهم ملفّات تخص سمعة بعض قياداتهم، ليس آخرها ما نقل من أخبار عن السيدة نادية ياسين في وسائل الإعلام. وإذا كان من الممكن أن يلوذ البعض منهم بقياس ما حدث بواقعة الإفك، فإنّه لا غرو أنّ الرّأي العام ينتظر جوابا يرضيه،فحتّى في حادثة الإفك كان لا بدّ أن يتدخّل الوحي لتكذيب الإشاعات ولم يترك الأمر من دون إجابات في مجتمع معنيّ أخلاقا وفضولا بفهم ما يجري. وفي مثل هذه الحالة هل إنّ الجماعة تنتظر نزول آية البراءة من السماء ؟!" ونحن نقول للسد هاني: أين عرض نادية من عرض عائشة رضي الله عنها،وأين قدر نادية من قدر عائشة؟ لأن من يستهين بقدر وعرض أمه (وأزواجه أمهاتهم) يهون عليه اتهام كل أحد،يقول السيد هاني عن عائشة أم المؤمنين:"محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وزوجته مذنبة، وهذا ليس عيبا، بل حقيقة وقعت، وإذا هي لم تناف مقام النبوة فلأن لها نظيرا في تاريخ النبوة – يقصد امرأة نوح وامرأة لوط- ... ولكي نعرف عائشة ونضعها في الميزان يجب أن نتوخى الحقيقة ، ونكسر في أذهاننا صنم عائشة من أجل الحقيقة الغالية فقط"[27]،وأين عرض وقدر أبي نادية الذي قال عنه السيد هاني :"الشيخ الهرم الذي أكل الزمان عقله وصوابه وحتّى دينه "، وأنه "عاش دائما في أمان" كذا:"دائما في أمان" فالرجل لم تطأ قدمه أبدا مستشفى الأمراض العقلية لأنه خرج عن طور العقل عندما تجرأ على توجيه رسالة مفتوحة إلى ملك المغرب،ولم يدخل سجن لعلو لتؤنس الفئران والصراصير وحشته،ولم يقض سنوات في الإقامة الجبرية،وبعد رفعها وعلى إثر زيارة له للشمال وتعرض سيارته لاصطدام مفتعل ومشبوه اقتضت التدابير التنظيمية مرافقته في كل زياراته بعد إلحاح عليه،وهو ما لم يَرُق للسيد هاني ورأى أن "لا حاجة لكل هذه الشّبيحة المرافقة المأخوذة بموضة المرافقة"،والشبيحة كما يعرف السيد هاني هي الجماعات التي أطلق النظام السوري يدها للتنكيل بالشعب السوري وتقتيله لمنعه من نيل حريته،وهي ذات بنية طائفية معروفة تحمل وشائج القربى المذهبية السيد هاني على التعاطف معها ولذلك تمنى لو كان أحد أعضائها "يومئذ فقط تمنّيت لو أكون شبّيحة حقّا"[28] ،ما علينا إن لم يَسلم عرض وقدر أبي نادية إن سلم لنا عرض وقدر أبي عائشة لكن هيهات، أو لم يقل السيد هاني عنه:"لا أتحدث عن أبي بكر، ذاك الذي انزرع في وجداني من خلال التطعيم التاريخي المزيف. أنا هنا أتحدث عن أبي بكر الحقيقي غير ذلك الذي لا يزال في أذهان الناس. وسأركز على أمرين، الأول على مدى سلوكه المخالف للشرع، والثاني، على التحقيق واختبار ما نسج حوله من روايات مزيفة، صنعت منه أسطورة التاريخ الإسلامي كغيرة من الصحابة المُختلَقين" وفقيه أهل البيت (جعفر الصادق) عليه رضوان الله قال:ولدني أبو بكر مرتين،وما علينا أيضا لو سَلِم لنا عرض وقدر أبي حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- الذي قال عنه السيد هاني:" تواجهنا في سيرة عمر بن الخطاب محطات أساسية تبين مدى تعلق الخليفة الثاني بالخمرة، وتمسُّكه بها سرا وتغطية ذلك بهالة من التخريجات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وفي ظني أن كثيرا من تلك الصور من الخشونة التي أحصاها التاريخ على عمر وعلى درته التي لا تبقى ولا تذر، كانت في لحظات السكر"[29].
ولنفرض جدلا أن عضوا في تنظيم إسلامي ما قد تَلبَّس بمعصية أخلاقية،أيحق لنا أن نتخذ من سلوكه ذاك ذريعة للتنقيص من التنظيم أو الحزب الذي ينتمي إليه،إن فعلنا فقد حَجَّرنا واسعا، وانتصرنا لشهوة نفس مهووسة بِتسقُّط عثرات الناس،في العهد النبوي تلبَّس صحابي وتلبَّست صحابية بمعصية الزنا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقِرَّيْن ومُعترِفَيْن بالذنب ليقيم عليهما الحد،فَخلَّد التاريخ حساسية ضميرهما وشفافية شعورهما،فهل يجوز لأحد أن يقول:إنهما نتاج تربية فاشلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،كلا وألف كلا،أو أن كل الناس في المجتمع النبوي مشاريع معصية،فهلا أدرجنا السيد هاني في سلك أهل الذنوب الذين اعتبرهم "ابن عربي في الفتوحات وصدر المتألهين في مفاتيح الغيب بناة العمران البشري والحضارة المدنية"،ويطول بنا الحديث إن رحنا نتتبع المغالطات التي أوردها حول الشأن الداخلي "للعدل والإحسان" مستعملا لغة "الإيحاء" "والسؤال الذي يخفي الجواب" وطريقة "المصادرة على المطلوب" والانطلاق من المقدمات التي يتعين إثبات صحتها أولا.
إن العنوان الذي وسم به السيد هاني مقالاته يشرف بقارئه على ثلاثة مفاهيم رئيسية :
- "فقه الروكي" :وهو مفهوم يحيل على الفقه السياسي،والموقف من الحاكم،ووصف الخروج وتهديد الاستقرار والنظام العام والاتهام بإثارة الفتن.
- "سلوك الحلاج":وهو مفهوم يحيل على الفقه التربوي وإشكالية التصوف،وعلاقة السياسة بالأخلاق.
- "القومة" و"الدولة المدنية":وهو مفهوم يحيل على طريقة التغيير وفلسفة الثورة وعلى شكل الدولة ومسألة "الخلافة".
هذه المفاهيم الثلاثة سنستنطق بشأنها أدبيات "العدل والإحسان" وكُتب السيد عبد السلام ياسين لنقف على الوهم والحقيقة في أحكام السيد هاني،ونتبين هل كان السيد ياسين حقا مجرد "معكر لصفو الاجتماع السياسي"،أو مجرد شيخ " استهوته عادة إسداء النّصيحة إلى من يهمّه الأمر برباطة جأش روكية وتألّه حلاجي" أو مجرد "متمسح بأهل البيت" ، وهل تسعى الجماعة إلى"رج مكتسبات الاستقرار" وهل استعاضت عن مطلب "الخلافة" بمطلب "الدولة المدنية" كيف ومتى؟ وهل حادت عن نهج "القومة" لتحقيق مشاريعها ومطالبها؟وما هو المعنى الحقيقي "للقومة"؟ ثلاثة مفاهيم سنُضمِّن الإجابة عن أسئلتها فيما يأتي من المقالات،وليعذرنا القراء الكرام إن رأوا فيها بعض تطويل يقتضيه الحجاج المبني على الدليل والتثبت والاستقراء ولا يقتضيه اللجاج الذي يُطلق فيه الكلام على عواهنه.
الهوامش
-----------------------------------------
[1] الإسراء/84
[2] الكافرون/6
[3] ..../25
[4] الشيء الوحيد الذي اعترف به السيد هاني هو قيام هذه الحملة ولكنه مع الأسف اختار أن يكون جزءا منها
[5] ادريس هاني،"في فقه الروكي وسلوك الحلاج:الشيخ ياسين من القومة إلى الدولة المدنية"،صحيفة "الوطن الآن"،دجنبر 2011
[6] ادريس هاني،"الحالة الدينية للمغرب 2010-2011:محاولة للفهم"،حالة المغرب، 85
[7] الحالة الدينية للمغرب،ص 85
[8] نفسه
[9] نفسه
[10] نفسه
[11] الكليني، الأصول، 8/ 635.
[12] الكليني، الفروع ، 8/ 238- 239.
[13] روبرت ثولس،التفكير المستقيم والتفكير الأعوج،ص 43
[14] فقه الروكي،الوطن الآن
[15] عبد السلام ياسين،إمامة الأمة،ص 32
[16] نفسه
[17] نفسه ص 33
[18] نفسه ص 41
[19] نفسه ص 40
[20] عبد السلام ياسين،الإسلام غدا،ص 458
[21] نفسه،ص 462
[22] سيد قطب ،معالم في الطريق،الطبعة المغربية،ص 21 وما بعدها
[23] الإسلام غدا،ص 470
[24] مجلة رسالة التقريب
[25] نفسه
[26] عبد السلام ياسين،محنة العقل المسلم،ص 104-105
[27] ادريس هاني،قد شيعني الحسين،ص 339- 340
[28] هسبرس 4/7/2011
[29] ادريس هاني،الخلافة المغتصبة،ص 226


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.